الغذاء العربي في خطر
الغذاء العربي في خطر
على مدار الأشهر القليلة الماضية ظهرت في الأفق بواكير هجوم عسكري روسي على أوكرانيا هذا الشتاء، وبدأت تتعزز هذه الاحتمالات في الأيام القلية الماضية وسط تضارب التصريحات من جميع الأطراف، وقد عززت موسكو من أعداد قواتها بطول الحدود الأوكرانية، كما ستقوم بمناورة عسكرية كبيرة مع بيلاروسيا على الحدود الشمالية لأوكرانيا، كل هذا يرجح الكفة لموسكو ويزيد من احتمالية وقوع عملية عسكرية في الوقت القريب المنظور تحسم فيها موسكو المعركة في أوكرانيا لصالحها.
ونتيجة لما سبق، جعلت هذه الإرهاصات العالم أجمع في حالة من القلق والتوتر، ويطال هذا القلق الدول العربية وبخاصة تلك الدول التي تعتمد في غذائها على الواردات من الدول الأوروبية ومن روسيا وأوكرانيا، فقد تتأثر سلاسل إمداد الغذاء العالمية جمعاء، وخصوصاً سلاسل إمداد القمح الذي يعتبر أحد أهم عناصر الغذاء الأساسية في العديد من الدول العربية.
وبالنظر إلى مؤشرات الصادرات الأوكرانية والروسية من القمح إلى الدول الإفريقية والآسيوية، يتبين أن دولا عربية عديدة، قد تتأثر في حال اندلعت حرب بينهما، حيث تمثل صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح مجتمعة 206.9 مليون طن.
وتمتلك أوكرانيا أكثر الأراضي خصوبة على وجه الأرض، فقد عُرفت باسم سلة غذاء أوروبا لعدة قرون، وتشكل صادراتها الزراعية السريعة النمو، مثل الحبوب والزيوت النباتية ومجموعة من المنتجات الأخرى، وللحظ السيئ تقع معظم هذه الأراضي الخصبة في شرقها أي المناطق المعرضة للاجتياح الروسي.
ما قد يعني تلف المحاصيل وعدم قدرتها على تصدير المنتجات الغذائية للدول التي تعتمد عليها كمصدر للغذاء، حيث تعتمد أوكرانيا على تصدير الذرة والشعير، لكن القمح هو صاحب التأثير الأكبر على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، ووفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، على سبيل المثال، جاء نحو نصف القمح المستهلك في لبنان عام 2020 من أوكرانيا.
كما تستورد اليمن 22% وليبيا و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، وتعد مصر والمغرب من بين أكبر مستوردي القمح في العالم، وأكبر مستهلك للقمح الأوكراني حيث استوردت مصر أكثر من 3 ملايين طن في عام 2020 حوالي 14% من إجمالي قمحها، بينما تبقى الجزائر من أكبر مستوردي القمح الروسي، وقد تعاقدت في نوفمبر 2021 على استيراد 200 ألف طن من القمح الروسي.
وفي منتصف عام 2021، اتفقت مصر والسلطات الأوكرانية على بيعها 60 ألف طن من القمح الأوكراني، فيما بلغت صادرات روسيا من القمح إلى الجزائر خلال 2021، 363.5 ألف طن، بزيادة 13 مرة على صادرات العام السابق، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي اشترت 592 ألف طن من القمح الأوكراني خلال 2021، ما يمثل 4 أضعاف ما اشترته في موسم 2020.
وفي هذا الإطار قال العديد من الخبراء الاقتصاديين، إن مصر والجزائر والمغرب، هي أكثر الدول التي ستتأثر في حال قيام حرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث إن هذه الدول تعد من أكبر المستوردين للقمح، جراء العادات الاستهلاكية السائدة لدى شعوبها، ومن ثم يجعلها هذا أكثر عرضة للتأثر بالحرب من البلدان العربية الأخرى، في حال حدوثها.
ومن المتوقع أن تشهد هذه الدول العربية المستهلكة للقمح ارتفاعاً محسوساً في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والسميد، ويمكن أن يؤدي ارتفاع الأسعار وتذبذب الأمن الغذائي إلى اشتعال الصراع، وزيادة التوترات العرقية، وزعزعة استقرار الحكومات، وانتشار العنف في داخلها.
فلم يمر سوى عقد من الزمان على ثورات الربيع العربي، التي كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمثابة الشرارة والمحرك لها في تونس ومصر، وفي هذا الشأن يمكننا النظر إلى كازاخستان ونرى كيف أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى هذه الحالة من الاحتجاجات والعنف، التي أدت إلى التدخل العسكري الروسي.
فغالبا ما تكون صدمة الأسعار هي التي تؤدي إلى اشتعال الاحتجاج أو الصراع، كما يمكن أن يزيد الجوع وارتفاع الأسعار من عدم المساواة، ما قد ينتج توترات ويؤدي في نهاية المطاف إلى العنف والتطرف وشيوع الفوضى.