فاكلاك باليك: غياب حقوق الإنسان يمنع الناس من المشاركة في الشؤون العامة

في إطار الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف

فاكلاك باليك: غياب حقوق الإنسان يمنع الناس من المشاركة في الشؤون العامة
رئيس مجلس حقوق الإنسان، فاكلاك باليك

اعتبر رئيس مجلس حقوق الإنسان، فاكلاك باليك، أن الحق في المساواة وعدم التمييز، والحق في حرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في الوصول للمعلومات وحرية التجمع السلمي، كلها عقبات تحول دون تمتع الناس بحقهم في المشاركة في الشؤون العامة والسياسية.

جاء ذلك ضمن فعاليات الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023، في جنيف.

وشدد "باليك" الذي يترأس الدورة الـ17 لمجلس حقوق الإنسان (2023)، على أن التدابير التي اتخذتها البلدان تصديا لوباء "كوفيد-19" قد أضرت بشرائح المجتمع كافة في جميع أنحاء العالم، وذلك بالإضافة إلى الحواجز الموجودة فعليا والتي تعوق دون المشاركة الكاملة والمتساوية في الشؤون العامة، لا سيما مشاركة النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية والأشخاص الذين يعيشون في الفقر والأقليات.

جاء ذلك خلال حلقة عمل نظمتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لمناقشة "إعمال الحق في المشاركة في الشؤون العامة في سياق جائحة كوفيد-19 والتعافي بعدها"، والتي ناقشت التجارب والتحديات والممارسات الجيدة لإعمال هذا الحق.

وتألفت الحلقة التي افتتحتها نائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، ندى الناشف، من 3 جلسات تناولت: التحديات والممارسات الجيدة في ضمان الحق في المشاركة في الشؤون العامة أثناء جائحة كوفيد-19، ودور المشاركة في الحفاظ على الصحة العامة، وبناء الثقة بواسطة الفضاءات التشاركية المؤسسية وتهيئة بيئة تمكينية لأجل التصدي للجائحة والأزمات الصحية في المستقبل.

أهمية بناء الثقة

وأكدت "الناشف" أهمية إعادة بناء الثقة عن طريق تعزيز المشاركة العامة المجدية وجعلها في صميم جهود التعافي على المدى الطويل، مشددة على أهمية إيلاء الاعتبار لأصوات أكثر الناس تضررا وأنقصهم تمثيلا.

ونوهت "الناشف" إلى الدروس المستفادة والمجالات التي تستدعي مزيدا من التفكير، مثل ضعف المؤسسات أمام الأزمات الصحية غير المتوقعة وواسعة النطاق، والحاجة إلى المؤسسات الديمقراطية واعتماد الأطر التشريعية وعمليات التشغيل المناسبة والاستفادة من تكنولوجيات المعلومات والاتصالات بهدف تعزيز وتشجيع المشاركة العامة.

التعافي المستدام

ومن جانيه، شدد "باليك" على أن الجائحة كانت وراء الحاجة إلى التفكير في هشاشة النظم الصحية والهياكل الأساسية، ودراسة مدى مرونة المؤسسات الديمقراطية، وتحديد سبل تعزيز النظم والحوكمة الديمقراطية الشاملة، ومواصلة بذل الجهود في سبيل ضمان مشاركة المجتمعات المحلية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في صنع القرار مشاركة تامة ومتساوية ومجدية وواسعة النطاق.

وأشار "باليك" إلى أن أحد أهم استنتاجات الدورة الرابعة من دورات منتدى "حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون"، التي عقدت في نوفمبر 2022، ومفاده أن تعزيز الديمقراطية هو مفتاح التعافي المستدام من الأزمات وبناء القدرة على الصمود في مواجهة حالات الطوارئ الحالية والمستقبلية، مثل جائحة كوفيد-19، وتغير المناخ.

هشاشة النظم الصحية

ومن جانبه، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إن جائحة كوفيد-19 قد أماطت اللثام عن مواطن الضعف في النظم الصحية، وعن الكلفة الباهظة لانعدام الثقة، حيث ترزح المجتمعات المهمشة أكثر من غيرها تحت وطأة المرض والموت.

وأظهرت الجائحة أن حوكمة الصحة بأسلوب قائم على المشاركة من شأنها أن تدعم الإنصاف والإدماج والمساءلة في السياسات والبرامج الصحية، مشددا على وجوب إعطاء الأولوية لضمان المشاركة الاجتماعية المنهجية والمجدية في وضع وتنفيذ سياسات الصحة التي تلبي احتياجات الناس وتعزز المساواة بين الجنسين.

وشدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أن ذلك يتطلب إجراء إصلاحات قانونية، واستثمارا ماليا مستقرا، وتعزيز قدرات الحكومات على تصميم وتفعيل آليات لإدارة الاختلالات في موازين القوى، مشيرا إلى الفضاءات التشاركية التي طورتها البرازيل وتايلاند وتونس كأمثلة على الممارسات الجيدة.

وتوقع الدكتور "غيبرييسوس"، أن تنظر المنظمة العالمية للصحة في 2024 في اتخاذ قرار بشأن إضفاء الطابع المؤسسي على المشاركة الاجتماعية في النهوض بالحق في الصحة، مشددا على أهمية تمكين الأفراد والمجتمعات من خلال المشاركة في بناء رعاية صحية أساسية أكثر متانة ومرونة وتركيزا على الناس ومستقبل ينعم فيه الجميع بقدر أكبر من الصحة والأمان والإنصاف.

التعرض للفقر

وفي كلمتها قالت، نائبة الممثل الدائم لبتسوانا، ميشيل موغوبي، إن ما اتخذ من تدابير لاحتواء انتشار كوفيد-19 يهدد الحق في المشاركة في الشؤون العامة، مشددة على أهمية جعل المواطنين يخوضون بشكل كامل في الشؤون العامة لأجل إعادة تشكيل العالم، وإعادة هيكلته وفق ما يستدعيه الواقع بعد الجائحة.

وسلطت "ماغوبي" الضوء على ما لاستبعاد السكان من عملية صنع القرار من أثر سلبي على زيادة التعرض للفقر، وعلى التمتع بحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحقوق في الغذاء والماء والصحة وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وسلطت الضوع على فشل المبادرات والسياسات بسبب عدم تبنيها من قبل المستفيدين بها، وكمثال على فضاء تشاركي استشهدت بمنتدى استشاري في بتسوانا يسمى "كغوتلا" وهو النظير التقليدي للبرلمان الحديث، وهو يوفر محفلا يستشار فيه جميع المواطنين بشأن المسائل ذات الاهتمام القومي ويؤدي دور هيئة استشارية لدى البرلمان.

الحماية في حالات الطوارئ

وقالت أستاذة القانون الدولي في جامعة ليوبليانا، وعضو اللجنة الاستشارية لدى مجلس حقوق الإنسان، والعضو السابق في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، فاسيلكا سانسين، إنه لا يمكن ممارسة الحق في المشاركة في الشؤون العامة فعلا إلا في بيئة يتمتع فيها الناس كافة تمتعا تاما بجميع الحقوق، ولا سيما الحق في المساواة وعدم التمييز، والحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك الوصول إلى المعلومة، والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

وشددت الخبيرة الأممية، على ضرورة أن تكون أية تدابير تُتخذ لحماية السكان في سياق حالات الطوارئ، مؤقتة ومتناسبة وتمليها الضرورة القصوى وتخضع للمراجعة القضائية، وإلى وجوب عدم استخدامها لتقييد حقوق الإنسان.

ولاحظت أستاذة القانون الدولي، أن الجائحة قد فاقمت من أوجه عدم المساواة في الحصول على التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية التي كانت موجودة بسبب الافتقار إلى الاتصال الكافي بالإنترنت وعدم محو الأمية الرقمية.

استشارة المجتمع المدني

وقالت الأمينة العامة للتحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين، ليزا جون، إن العديد من البلدان قد تذرع بالجائحة لتقييد الحقوق الأساسية، وكثيرا منها فرض تدابير طوارئ على عجل ودون استعداد ودون مشاركة أو استشارة المجتمع المدني.

ووصفت "جون" بعض الممارسات بالجيدة والتي سارعت بعض الحكومات إلى الانخراط فيها للتغلب على تلك التحديات بواسطة إعفاءات أو تخفيضات في اتفاقات الإيجار، ودفع إعانات الأجور، وإتاحة خطط الحصول على ائتمانات، ومجموعات الاسترداد المالي فضلا عن قنوات التعاون المرنة والمبتكرة مع منظمات المجتمع المدني.

حقوق المرأة

وقالت العضو في اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة ورئيستها سابقا، نيكول أملين، إن الجائحة أظهرت أن حقوق المرأة لم يتم تعزيزها بما يكفي لتحمل الأزمات، وأن هناك حاجة للاعتراف بتمتع النساء بحقوقهن باعتبار التمتع بها سياسة استراتيجية وليس مجرد التزام قانوني.

دراسة على 144 دولة

ومن جانبه، عرض أحد الباحثين في معهد V- Dem بجامعة غوتنبرغ، مارتن لوندستيدت، أهم نتائج مشروع اطلع عليه المعهد، درس ما إذا كانت القيود المعتمدة من قبل 144 دولة خلال الجائحة غير متناسبة أو غير ضرورية أو تمييزية في 7 مجالات رئيسية هي: التدابير التمييزية، وانتهاكات الحقوق غير القابلة للتقييد، والإنفاذ التعسفي، وعدم تحديد آجال زمنية لتدابير الطوارئ، والقيود على الهيئة التشريعية، وحملات التضليل الإعلامي الرسمية، والقيود على وسائل الإعلام.

ووجد المشروع أن 13 حكومة فقط لم ترتكب أي انتهاكات خلال الـ15 شهرا الأولى من الجائحة، في حين أن ثلثي البلدان ارتكبت انتهاكات متوسطة الخطورة أو انتهاكات جسيمة للمعاير الديمقراطية في مرحلة من المراحل، ومع ذلك انخفضت نسبة الأغلبية 57% بحلول يونيو 2021 إلى عدم وجود انتهاكات أو تسجيل انتهاكات طفيفة.

المنحدرات من أصل إفريقي

وتحدثت مولينا أرانسيبيا، وهي ناشطة مثلية ورئيسة منظمة لواندا، إحدى منظمات المجتمع المدني للنساء المنحدرات من أصل إفريقي، عن تجربتها في ضمان مشاركة النساء المنحدرات من أصل إفريقي في صنع القرار على الصعيدين المحلي والوطني في سيلي.

التوصيات

وفي نهاية الحلقة أوصى المشاركون الدول بمجموعة واسعة من التوصيات التي تتيح تعزيز المشاركة في الشؤون العامة، ومنها: أن تدرك أن المشاركة الشاملة في الشؤون العامة من قبل جميع الأفراد والمجتمعات أمر بالغ الأهمية بالنسبة لتعزيز ديمقراطية فعالة وقادرة على الصمود، ولترسيخ سيادة القانون والإدماج الاجتماعي والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة فضلا على النهوض بالمساواة بين الجنسين.

وأوصوا بضرورة أن تجعل الدول المشاركة العامة أحد أهم عناصر الاستراتيجيات التي يراد بها ضمان الصحة العامة، لأنها تمكن الأفراد والمجتمعات المحلية من تحمل مسؤولية رفاههم، وتمكن من تبيين المخاطر والتحديات المحيقة بالصحة.

وطالب المشاركون الدول بإعادة بناء ثقة عامة الناس في المؤسسات وهياكل الحوكمة، بعد أن تآكلت في العديد من البلدان بسبب سوء استخدام تدابير الطوارئ.

وطالبوا بإجراء تقييمات للأثر على حقوق الإنسان بغية ضمان أن يتسق تصميم التكنولوجيات الجديدة وتطويرها وتشغيلها، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، اتساقا تاما مع معايير حقوق الإنسان في الأوقات العادية وفي أوقات الأزمات.

وينبغي على الدول أن تتعاون بحسن نية على التصدي للأزمات الصحية مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بما فيها الأوساط الأكاديمية والمدافعون عن حقوق الإنسان، بأن تضمن مشاركتها في وضع استراتيجية فعالة في مجال الصحة.

وطالب المشاركون الأمم المتحدة أن تواصل تعزيز المناقشات بين ذوي المصلحة المتعددين بغية تبادل التجارب وتحديد أفضل الممارسات فيما يتعلق بالفضاءات التشاركية الخلاقة والابتكارية ووسائل ضمان مشاركة الأصوات المختلفة.     

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية