في بلاد الحريات.. القتل والطرد مصير الداعمين لغزة

في انتهاك صريح لحقوق الإنسان

في بلاد الحريات.. القتل والطرد مصير الداعمين لغزة

في تطور مقلق للأحداث الدولية، يواجه الداعمون للقضية الفلسطينية تهديدًا جديدًا يتمثل في خطر طردهم واستبعادهم من أعمالهم أو التهديد بقتلهم، بسبب مواقفهم المؤيدة لقطاع غزة. 

ويعتبر هذا الإجراء انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والمبادئ الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير. 

وتشير التقارير إلى أن العديد من الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل تمارس ضغوطًا قوية على الأفراد والمنظمات الداعمة لقضية غزة، وذلك من خلال تهديدهم بالطرد وإلحاق العواقب القانونية والاجتماعية بهم.

 وكان العديد من المشاهير العاملين بدول غربية والمؤيدين للقضية الفلسطينية، تلقوا تهديدات بالطرد من أعمالهم ومنازلهم وبعضهم استبعد بالفعل، كان منهم الـ"تيك توكر" الشهير كرم قباني، وبعض نجوم الرياضة العرب، منهم الهولندي من أصل مغربي أنور الغازي، والمهاجم الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما، ولاعب النادي التركي "بينديكسبور" أحمد حسن كوكا من مصر، وكذلك تونسية طردت من مسكنها في كندا وآخرين.

تصعيد مقلق يهدد حرية التعبير ويقوض الجهود الدبلوماسية المبذولة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تتعارض هذه الإجراءات بشكل صارخ مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. 

فحسب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، وهذا الحق يشمل حرية امتلاك الآراء دون تدخل ولا تقييد ولا قيد". 

كما تكفل المواثيق الدولية حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية وسلامة، وينبغي أن يتم احترام هذا الحق بلا تمييز، كذلك لا ينبغي أن تكون الدول المؤيدة لإسرائيل مستخدمة للترهيب والتهديد للقمع السياسي والتضييق على حرية التعبير، وأن تلتزم هذه الدول بمبادئ حقوق الإنسان وتعزز الحوار والحرية الفكرية بدلاً من ذلك. 

ويرى محللون هاتفتهم "جسور بوست"، أن على المجتمع الدولي إدانة هذا النهج القمعي ودعم حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية ومن دون تهديدات أو تعسف، كما يجب على المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي العمل بجد للتصدي لهذه الانتهاكات.

ويعيش سكان قطاع غزة في ظروف صعبة جدًا، حيث تعاني المنطقة من الفقر المدقع والحصار الإسرائيلي المستمر، ومؤخرًا تحديد في السابع من أكتوبر الحالي لقصف جوي عنيف أدى لمقتل الآلاف أغلبهم من الأطفال.

"جسور بوست"، ترصد بعض حالات الطرد والتهديد به وتناقش الأزمة مع خبراء ومحللين عن تداعياتها القانونية وآثارها النفسية والاجتماعية.

هؤلاء عوقبوا بسبب آرائهم

لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه وفق ما تكفله كل القوانين والدساتير في كل العالم تقريبًا، لكن يبدو أن الحرية في التعبير لا تشمل غزة والفلسطينيين.   

طُردت من منزلها

الناشطة التونسية آمنة معرب المقيمة في مدينة مونتريال الكندية أحد الأمثلة على ذلك التحيّز. 

فقد تعرضت مساء السبت للطرد من منزلها لمشاركتها منشورًا على فيسبوك ساندت فيه فلسطين والقضية الفلسطينية.

فصل التيك توكر مصري من العمل في فرنسا

تداول متابعو مواقع التواصل الاجتماعي عددا من المنشورات بشأن التيك توكر المصري كريم قباني، بعدما ظهر في مقطع فيديو يروي فيه كواليس فصله من العمل في فرنسا بسبب فلسطين. 

وأشار التيك توكر كريم قباني، في مقطع فيديو له عبر حسابه بموقع تيك توك، إلى أنه تم طرده من العمل بسبب تضامنه مع القضية الفلسطينية، قائلا: "مشوني من الشغل عشان آرائي مثيرة للجدل، وفيه زميلة في العمل دائما تنشر دعمها لقوات الاحتلال الإسرائيلي عبر خاصية استوري".

وقال كريم قباني، في تصريحات لوسائل إعلامية: “اللي حصلي ده ولا حاجة بالنسبة للي بيشوفه ويعيشه إخواننا في غزة، وأنا بإذن الله هلاقي شغل تاني قريب، وفيه ناس كتير هنا فرنسا مصريين وفرنسيين بيساعدوني”. 

وأضاف: “مش أنا لوحدي اللي اتكلمت عن فلسطين، وفيه غيري كتير مسكتوش عن الحق ودعموا القضية الفلسطينية، وتعليقي الوحيد على اللي حصل معايا إن الحمد لله على كل شيء”. 

كريم قباني

ووجه كريم قباني رسالة دعم لأهالي غزة، قائلا: "أهالينا وإخواننا في غزة.. أنا بدعمهم من قلبي في أي مكان، سواء هنا في فرنسا أو على السوشيال ميديا، وعايز أقولهم لا تيأسوا وإن شاء الله خير، وربنا مع الحق، وحسبي الله ونعم الوكيل وبشكر المتابعين اللي تواصلوا معايا.. وكلامهم هوّن عليا زعل الفصل من الشغل". 

واستكمل كريم قباني تصريحاته قائلا: “صاحب الشغل قالي دا بجد؟، وأنا رديت قولت له أنا مش بتخانق، لكن هو قالي كريم أنت بقالك فترة بتنزل استوري وريلز ودا مش أصح حاجة عشان عندك فولورز كتير والعملاء مش هيعجبهم كدا، قولتله يعني إنت عايزني أوقف اللي بعمله ده، ولكن هو قالي لأ”. 

وأضاف: “كلموني يوم إجازتي من الشغل وقالولى تعالى، وفعلًا روحت لقيتهم بيمضوني على ورقة فيها بنود إن إحنا الإتنين نستغنى عن بعض، وقبل ما أروح لقيتهم خرجوني من جروب الواتس آب، أنا حسيت بالظلم شوية، بس ده ولا حاجة بالنسبة للي بيتظلموا في فلسطين”.

نجوم الرياضة العرب بين المنع والتهديد والطرد

دخل عدد من نجوم الرياضة العرب أو ذوي الأصول العربية المحترفين خارجيًا على خط المواجهة الصعبة مع الكيانات الرياضية الكبرى والأندية ووسائل الإعلام العالمية وحتى خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي التي يقف أغلبها عائقاً أمام دعم الشعب الفلسطيني في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. 

ووفقًا لتقارير إعلامية، أصبح لاعب كرة القدم الهولندي من أصل مغربي أنور الغازي أول المتضررين مباشرة من سياسات الأندية الأوروبية، حين أعلن ناديه ماينز الألماني، أمس الثلاثاء، إيقافه تماماً لأجل غير مسمى بعد إعلانه التضامن مع فلسطين في تدوينة عبر حسابه على منصة "إنستغرام". 

ونشر النادي الألماني بياناً عبر موقعه الرسمي وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه "نادي ماينز يعفي أنور الغازي من التدريبات والمباريات، هذا الإعفاء هو رد على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي تم حذفه، وبهذا اتخذ الغازي موقفاً لا يطاق بالنسبة إلى النادي بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وسبق إصدار البيان مناقشة تفصيلية بين مجلس الإدارة واللاعب". 

وسار نادي نيس الفرنسي على خطى ماينز حين أعلن، اليوم الأربعاء، إيقاف لاعبه الجزائري يوسف عطال رداً على دعمه للشعب الفلسطيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي وارتداء الوشاح الفلسطيني مع زملائه في المنتخب الجزائري قبل المباراة الودية أمام منتخب كاب فيردي، التي انتهت بفوز "محاربي الصحراء" بنتيجة (5-1) استعداداً للتصفيات الإفريقية. 

ووفقًا لوسائل إعلامية، قال نيس في بيان "بعد عودة يوسف عطال من المنتخب الوطني الجزائري، حيث كان هناك منذ تاريخ التاسع من أكتوبر، استدعى مسؤولو نادي نيس لاعب الفريق الذي اعترف بأنه أخطأ، وأزال المنشور الذي نشره بسرعة وتقدم باعتذار كتابي وعلني، ومع ذلك نظراً لطبيعة المنشور وجدية الأمر، اتخذ النادي قراراً بفرض عقوبات تأديبية أولية على الفور ضد اللاعب في انتظار أي إجراءات إضافية قد تتخذها السلطات الرياضية والقضائية، وفي هذا الصدد، اختار النادي إيقاف يوسف عطال لأجل غير مسمى".

وأبرز لاعب المنتخب المصري لكرة القدم ونادي بينديكسبور التركي أحمد حسن كوكا حجم القيود المفروضة على منشوراته الداعمة لفلسطين عبر منصة "إنستغرام"، وكتب "تحذير من إنستغرام بتقييد التعليقات على صفحتي فجأة قلل الوصول لها، وربما سيتم إغلاق حسابي بعد ذلك، ولكن هل تعتقدون أنني أهتم، في الواقع هذا يظهر للعالم مدى أهمية أن نتحدث! بالمناسبة أخبرني أحد الأصدقاء أن الرئيس التنفيذي لشركة إنستغرام هو أمريكي إسرائيلي، وهذا يفسر كل شيء". 

أحمد حسن كوكا يوجه رسالة شديدة اللهجة بسبب القضية الفلسطينية - موقع بصراحة  الإخباري

وأعلن المهاجم الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما لاعب الاتحاد السعودي دعمه لفلسطين، حين كتب عبر حسابه على منصة "إكس"، "كل صلواتنا من أجل سكان غزة الذين يقعون ضحايا لهذا القصف الظالم الذي لا يستثني النساء ولا الأطفال كل يوم". 

ولجأ حارس المرمى الإسرائيلي السابق دودو أواتي إلى سب بنزيما بخمس لغات هي الإسبانية والعربية والإنجليزية والفرنسية والعبرية. 

وكان لاعب المنتخب المصري للسباحة عبدالرحمن سامح كشف في تصريحات إعلامية عقب تتويجه بذهبية سباق 50 متراً فراشة في بطولة كأس العالم باليونان، أنه تعرض لتهديدات بالقتل بسبب دعمه للشعب الفلسطيني. 

وقال: "لا أعلم إن كان بإمكاني الاحتفال، كان أسبوعاً صعباً للغاية من الناحية الذهنية، لقد تلقيت تهديدات بالقتل وكان الناس يهاجمونني طوال الأسبوع بسبب دعمي فلسطين". 

"تذهب عائلتي إلى النوم وهي لا تعلم ما إذا كان شخص ما سيقتحم غرفتي، ويشعرون بالقلق في كل مرة لا أرد فيها على مكالمة".

معاداة للإنسانية ومخالفة للقانون الدولي

انتقد خبير القانون الدولي، الدكتور نبيل حلمي الأمر بقوله، إن هذا السلوك المعادي للإنسانية والمخالف للمعايير الدولية يفتقر إلى الأخلاق والعدالة، ويجب أن تتحمل الدول المسؤولية لأفعالها وتتجنب تهديد الداعمين بالطرد وتحترم حقهم في التعبير عن آرائهم وتقديم المساعدة الإنسانية، نحن بحاجة إلى تعاون دولي للتصدي لهذا التحدي وضمان حماية حقوق الإنسان، ويجب أن يقف المجتمع الدولي معًا ضد أي محاولة لترهيب الداعمين  ومعاقبة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان وتستخدم الضغوط الاقتصادية كوسيلة للضغط على الداعمين للقضية الفلسطينية.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": لحماية حقوق الداعمين للقضية الفلسطينية يتطلب ذلك إجراءات وجهود مشتركة من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، بحيث تُحمى حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحوار العام بحرية، سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، دون الخوف من التهديدات أو الانتقام، أيضًا يجب زيادة الوعي العام حول قضية فلسطين وحقوق الإنسان، وتوضيح أهمية حماية حقوق الداعمين للقضية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحملات الإعلامية والتثقيفية، وتوفير المعلومات الدقيقة والموثوقة للجمهور. 

الدكتور نبيل حلمي

واستطرد: ينبغي على المجتمع الدولي الضغط على الدول التي تتبنى سياسات قمعية ضد الداعمين للقضية الفلسطينية، وأن تدعم حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، يمكن تحقيق ذلك من خلال الحوار الدبلوماسي، وإصدار بيانات ضغط وتقارير توثق انتهاكات حقوق الإنسان، كذلك تعزيز التضامن الدولي مع الداعمين للقضية الفلسطينية، سواء من خلال الدعم المالي أو السياسي أو القانوني، ويمكن للدول والمنظمات الدولية تقديم المساعدة والدعم للأفراد والمنظمات المستهدفة والعمل على تعزيز حقوقهم وحمايتها، أيضًا توفير التدريب والتعليم للداعمين للقضية الفلسطينية حول حقوقهم والاستراتيجيات القانونية للدفاع عن أنفسهم.

وأتم: ينبغي على الداعمين للقضية الفلسطينية التعاون مع المنظمات الحقوقية والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يمكن لهؤلاء الخبراء تقديم المشورة القانونية والدعم القانوني والمساعدة في حماية حقوق الداعمين والتصدي لأي انتهاكات قانونية، حال حدوث أي انتهاكات قانونية لحقوق الداعمين يجب اللجوء إلى الدعاوى القانونية والدفاع عن الحقوق المنتهكة.. ينبغي العمل مع المحامين المتخصصين في حقوق الإنسان لضمان تقديم الدعم القانوني اللازم والدفاع عن الضحايا.

آثار نفسية واجتماعية مقلقة

من جانبه، علّق أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، الدكتور طه أبو حسين بقوله: إن التعرض للتهديد بالطرد بسبب دعم القضية الفلسطينية والحصار على غزة يمكن أن تترتب عليه آثار اجتماعية ونفسية على المهددين، ومن بين هذه الآثار القلق والتوتر النفسي، قد يعاني المهددون بالطرد من حالات مستمرة من القلق والتوتر النفسي بسبب المخاوف من فقدان وظيفتهم واستقرارهم المالي والمعيشي، وقد يعيشون في حالة من الاستنفار المستمر وعدم اليقين بشأن مستقبلهم، كذلك العزلة الاجتماعية، حيث قد يفقدون دعم الزملاء في العمل أو المجتمع المحلي، وقد يشعرون بالانفصال والعزلة نتيجة فقدان العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين، وقد يظهر لديهم انخفاض في مستوى التركيز والانتباه، وزيادة في مشاعر الحزن والاكتئاب، وتدهور في الرضا الذاتي، وقد يعانون أيضًا من اضطرابات النوم والقلق المستمر. 

الدكتور طه أبو حسين

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، قد يتعرض المهددون بالطرد للتهميش والتمييز في المجتمع بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، وللإهانة والتجاهل والتمييز في الأماكن العامة وحتى في بيئة العمل، وقد يؤدي القلق المستمر وعدم اليقين إلى توتر العلاقات العائلية ومشكلات في الحياة الزوجية والأسرية، وقد يتأثر المهددون بالطرد برغبتهم في المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية. 

واستطرد: آثار سلبية عديدة قد تدمر حياتهم، فقد يشعرون بالخوف من التعبير عن آرائهم والمشاركة في الأنشطة العامة خشية تعرضهم للمزيد من التهديدات والانتقام، ويجب أن نلاحظ أن هذه الآثار قد تختلف من شخص لآخر وتعتمد على الظروف الفردية والبيئة المحيطة بهم، ومن المهم أن يتلقوا الدعم الاجتماعي والمساعدة النفسية للتعامل مع هذه الآثار ومواجهة التحديات التي يواجهونها.


 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية