"واشنطن بوست": المستقبل الاقتصادي لسكان غزة شرط مسبق لأي سلام دائم

"واشنطن بوست": المستقبل الاقتصادي لسكان غزة شرط مسبق لأي سلام دائم

خلال الجزء الأكبر من عقدين من الزمن، كان النمو الاقتصادي في غزة على وشك الركود وسط الصراع والقيود الإسرائيلية على حركة الأشخاص والبضائع، وغالبا ما ركزت "حماس" على الأهداف العسكرية، ومع قلة الاستثمار الخارجي وقلة الوظائف، انخفضت مستويات المعيشة مع ازدياد فقر سكان غزة، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

في العام الماضي، اعتمد 80% من السكان على المساعدات الدولية، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، وتوقع البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي "الاسمي" في عام 2023، مدفوعا بالتعافي من جائحة فيروس كورونا والمزيد من تصاريح العمل لسكان غزة للعمل في إسرائيل.

وأصبح معظم النشاط الاقتصادي متوقفا وسط رد إسرائيل على الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر، وقد خلف القصف والغزو البري نحو 11500 قتيل فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة في غزة، وقد نزح حوالي 1.5 مليون شخص -معظم سكان غزة- وفقا للأمم المتحدة.

وجاء في بيان صدر هذا الشهر عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، ومقره رام الله، في الضفة الغربية: "توقف اقتصاد غزة عن العمل اعتبارا من الربع الأخير من عام 2023، وسيظل كذلك إلى أجل غير مسمى".

ولا يزال من المستحيل إجراء تقديرات دقيقة أو نهائية للأضرار الاقتصادية، خاصة بعدما أغلقت إسرائيل حدودها مع غزة، وأدخلت كمية ضئيلة من المساعدات عبر حدود غزة مع مصر.

وقالت السلطات الفلسطينية في رام الله إن الناتج الاقتصادي لغزة يبلغ 10%، وقال المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني رجا الخالدي: "إذا كان هناك أي شيء، فهو اقتصاد من نوع الكفاف".

ونشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا هذا الشهر يقدر أن 61% من الوظائف في غزة قد فقدت، إلى جانب 857 مليون دولار من النشاط الاقتصادي، ما أعاد الاقتصاد إلى الوراء "لسنوات عديدة".

وعلى الرغم من أن غزة لديها تاريخ طويل من الصراع، فإنه لا توجد أوجه تشابه مع حجم الدمار الحالي.

قدر بعض المسؤولين الفلسطينيين التكلفة الاقتصادية للعملية البرية الإسرائيلية في غزة في عام 2014 بأكثر من 6 مليارات دولار، لكن الحرب الحالية أطول بالفعل وأكثر تدميرا.

قال ريتشارد كوزول رايت، وهو المؤلف الرئيسي لتقرير عن اقتصاد غزة نشره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الذي نشر في سبتمبر: "لم نصل إلى القاع بعد".

ووفقا لـ"واشنطن بوست"، بعد انحسار العنف، سيكون المستقبل الاقتصادي لسكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة خطا آخر للمعركة، وشرطا مسبقا لأي سلام دائم.

ويقول بعض الخبراء إن الضغط الذي مورس على غزة في السنوات التي سبقت 7 أكتوبر زاد من الدعم لحماس، لكن كثيرين في إسرائيل يقولون بدلا من ذلك إن البلاد أصبحت متساهلة للغاية مع اقتصاد غزة، ما سمح لحماس بإثراء نفسها.

وقال نائب مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل، تشارلز فريليش، إن الكثيرين في إسرائيل شعروا أن المستوى المتزايد من التعاون الاقتصادي مع الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة قد ثبت أنه "فشل شامل".

من سيئ إلى أسوأ

ويقول الخبراء إن غزة، بموقعها الساحلي وأراضيها الصالحة للزراعة وسكانها الشباب، يمكن أن يكون لها اقتصاد منتج، بل ومزدهر.

قبل بضعة عقود، كان بعض الاقتصاديين الإسرائيليين يأملون في أن تحذو غزة حذو سنغافورة، مع بضعة ملايين من الشباب الذين هم إما الآن أو سيكونون متعلمين جدا"، كما قال الخبير في اقتصادات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب بول ريفلين، ولكن "لم يحدث ذلك".

ويبلغ نصيب الفرد من الدخل في غزة ربع دخله في الضفة الغربية، وفقا لصندوق النقد الدولي، وقد اتسعت هذه الفجوة بشكل كبير منذ عام 2005، عندما انسحبت إسرائيل عسكريا من غزة، ومنذ أن تولت حماس السلطة.

وتسيطر إسرائيل بإحكام على حدودها مع غزة، وتحد من الصادرات من القطاع وتقيد وارداتها، مشيرة إلى مخاوف بشأن استيراد السلع "ذات الاستخدام المزدوج" التي يمكن توجيهها إلى أسلحة.

وفقا لمنظمة العمل الدولية، فإن 40% فقط من السكان يمكنهم العمل -أرقام عام 2021- ووظف القطاع المدني الذي تديره حماس حوالي 50 ألف شخص، أي حوالي عشر القوى العاملة المقدرة في غزة.

في وقت سابق من هذا العام، أفاد مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة بأن عدد الأشخاص العاملين في البناء قد انخفض من 70 ألفا قبل القيود إلى 700، على الرغم من الطفرة السكانية في غزة، الحرب ستجعل احتياجات الإسكان أكثر حدة.

قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، عبدالله الدردري: "استغرق الأمر 4 سنوات من الصراع في سوريا لتدمير حصة مماثلة من المساكن".

وقال كوزول رايت إن غزة لم تكن "اقتصادا فعالا" قبل الحرب الحالية، وقال بعض الاقتصاديين إن الأراضي الفلسطينية، وغزة على وجه الخصوص، شهدت "تراجعا في التنمية"، مع اعتماد السكان بشكل متزايد على  المساعدات.

وفي عام 2020، قدر الأونكتاد أن إجمالي الخسائر الاقتصادية لغزة بين عامي 2007 و2018 بلغ 16.7 مليار دولار.

أمل ضئيل

تظهر صور الأقمار الصناعية أن أحياء غزة الضخمة قد دمرت منذ الشهر الماضي، بما في ذلك مناطق في مدينة غزة كانت معروفة بالنشاط التجاري.

وألغت إسرائيل تصاريح الفلسطينيين الذين عملوا في البلاد، وتم ترحيل أولئك الذين كانوا في إسرائيل، وجعلت العقوبات الصارمة إرسال الأموال إلى غزة أمرا صعبا، وأصبحت المساعدات شحيحة.

وفي عام 2021، بدأت الحكومة الإسرائيلية عملية من شأنها أن تسمح لـ 17500 من سكان غزة بالعمل في إسرائيل، ولكن معظم الذين تقدموا بطلبات لم يحصلوا على تصاريح.

وسمحت إسرائيل بتدفق الأموال من قطر -عشرات الملايين من الدولارات شهريا- إلى غزة، جزئيا حتى تتمكن حماس من الحفاظ على عمل الحكومة.

وحتى قبل 7 أكتوبر، كان بعض الإسرائيليين يثيرون تساؤلات حول حكمة هذه السياسات، وكتب الصحفي العسكري المخضرم عاموس هاريل في صحيفة "هآرتس" قبل أسبوع فقط من الهجوم أن فكرة أن سكان غزة يمكنهم الضغط على حماس لإجراء تحسينات اقتصادية كانت "فكرة خاطئة".

ويقول النقاد إن حماس لم تركز أبدا على تحسين الظروف الاقتصادية لأولئك السكان في غزة، الذين يصنف الكثير منهم كلاجئين، وبالتالي كانوا ضمن مسؤولية الأمم المتحدة، ويبدو أن الجماعة استخدمت الكثير من أموالها لبناء شبكة واسعة من الأنفاق.

وشددت وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات بشدة على حماس، متهمة قادتها بالعيش "في رفاهية" بينما يواجه سكان غزة "آفاقا اقتصادية صعبة".

وقال نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليخ، إنه من الواضح أن إسرائيل لن تسمح بعد الآن لأشخاص من غزة بالعمل في البلاد.

وأضاف: "ستكون هناك محاولة لإنهاء أي تدخل ومسؤولية إسرائيلية عن توفير الكهرباء والمياه وأشياء من هذا القبيل"، في إشارة إلى الخدمات التي قدمتها إسرائيل بموجب اتفاقات أوسلو لعام 1993.

وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن هذا الشهر إن أي اتفاق سلام "يجب أن يتضمن آلية مستدامة لإعادة الإعمار".

وقدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني هذا الشهر أن تكلفة إعادة البناء قد تصل إلى 20 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.

كما قال الخبير في اقتصادات الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية الأسترالية، أنس قطيط: "يمكن أن ينكمش اقتصاد غزة بنسبة 30 إلى 70%.. السبيل الوحيد لتعافي الاقتصاد، إن وجد، هو من خلال التدخل الدولي المكثف".

وقال "الخالدي": "كان وضعا غير مقبول قبل الحرب.. نحن نعلم مدى مساهمة ذلك في الشعور باليأس الذي اعتاد عليه أهل غزة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية