مصر 2023.. قطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يسبق نظيره السياسي والمدني
مصر 2023.. قطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يسبق نظيره السياسي والمدني
بمشهد المنافسة بين 4 مرشحين في الانتخابات الرئاسية، والتي تعد الاستحقاق الأهم والأكبر في البلاد، اختتمت مصر عام 2023 بفوز الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بفترة رئاسية جديدة تمتد بين عامي 2024 و2030.
وشهد البلد العربي، الأكبر من حيث عدد السكان، جملة من الأحداث والقرارات والإنجازات والإخفاقات خلال العام الجاري، أبرزها إجراء حوار وطني بين مختلف أطياف التيارات السياسية.
ومنذ أواخر يوليو وحتى أواخر سبتمبر الماضيين، عقدت الأمانة الفنية للحوار الوطني، العديد من الجلسات لمناقشة أبرز القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وسط حضور ممثلي الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الأهلية والخبراء والشخصيات العامة.
فيما سعت السلطات المصرية إلى تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان عقب استضافة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 27" والذي عقد في نوفمبر 2022، إذ أعادت تشكيل لجنة العفو الرئاسي لإخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.
وقالت مصادر من لجنة العفو الرئاسي، في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام، إنه تم الإفراج عن أكثر من 1400 شاب من تيارات سياسية مختلفة منذ تشكيل اللجنة في أبريل 2022 وحتى مطلع نوفمبر 2023.
وكثفت بعض القوى الفاعلة في المجتمع، أبرزها تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين (منصة حزبية وسياسية)، جهودها لإعادة دمج وتأهيل المفرج عنهم على ذمة قضايا سياسية، وذلك من خلال تقديم كل أوجه الدعم المادي والاجتماعي والنفسي والصحي وغيرها.
انتقادات دولية
وعلى مدى يومي 14 و15 نوفمبر الماضي، عقدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب مراجعتها الدورية لسجل مصر الحقوقي في ما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، ضمن فعاليات الدورة الـ78 للجنة الأممية.
ولم تشارك مصر في مثل هذه المراجعة منذ 20 عامًا، غير أن ممثلي الحكومة المصرية قدموا استيضاحات على الأسئلة والحالات التي أثارها واستعرضها أعضاء اللجنة خلال المراجعة.
وأثناء مناقشة تشريعات مكافحة الإرهاب في مصر، طلبت اللجنة من الحكومة المصرية الرد على بيان أدلت به المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أعربت فيه عن قلقها الشديد من "إساءة توظيف قوانين مكافحة الإرهاب والأمن القومي لتجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان".
واستعرض الوفد المصري جوانب التحسن الذي طال التشريعات المصرية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، مؤكدا أن حالات التعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز يتم التحقيق فبها بشكل وافٍ من جانب سلطات مستقلة.
على صعيد موازٍ، قدمت 5 منظمات حقوقية مصرية تقريرا موازيا بشأن ممارسة جريمة التعذيب في أماكن الاحتجاز إلى لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة.
ودعت المنظمات وهي: (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ولجنة العدالة، والمفوضية المصرية لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومركز النديم)، الحكومة المصرية إلى إجراء إصلاح يفي بالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان.
ولا تزال مصر تواجه عدة انتقادات دولية بشأن أوضاع السجناء وتقييد الحريات وتوقيف معارضين واستهداف النشطاء السياسيين، غير أن القاهرة تؤكد مرارا حرصها على الالتزام بالقانون ومبادئ حقوق الإنسان.
جهود دبلوماسية
وفي إطار مكانتها الإقليمية وانعكاسات ذلك على الأوضاع الداخلية، اشتبكت مصر من خلال أذرعها الدبلوماسية وقوتها التفاوضية الناعمة مع عدد من القضايا الإقليمية الساخنة، أبرزها الأوضاع في السودان وليبيا وفلسطين، كما أعادت علاقاتها مع تركيا بعد سنوات طويلة من القطيعة.
وفي منتصف عام 2023، رفعت مصر وتركيا التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء، ووافقتا على تبادل سفيرين في خطوة مهمة لإصلاح العلاقات بينهما بعد تجميد في العلاقات دام نحو 10 سنوات.
وقالت وزارتا خارجية البلدين، في بيانين منفصلين، إن أنقرة عيّنت صالح موتلو شن سفيرا لها في العاصمة المصرية القاهرة، بينما عيّنت مصر بدورها عمرو الحمامي سفيرا لها في العاصمة التركية أنقرة.
سبق هذا التمثيل الدبلوماسي عقد لقاءات جمعت وزيري خارجية البلدين المصري سامح شكري والتركي هاكان فيدان، ما أسهم في تخفيف التوتر الذي استمر خلال العقد الماضي، على خلفية تأييد ودعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين بمصر.
وفي يوليو 2023، اجتمعت الفصائل الفلسطينية بمدينة العلمين (شمال غربي البلاد) للاتفاق على تشكيل لجنة بهدف "إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة"، بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وزعيم حركة حماس إسماعيل هنية، في حين قاطعت ثلاثة فصائل الاجتماع، وهي حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة ومنظمة الصاعقة الفلسطينية.
وفي سبتمبر الماضي، أعلن الجيش المصري عن إنشاء معسكر إغاثة بمنطقة "مرتوبة" الليبية قرب مدينة درنة (شرق)، للتخفيف عن المتضررين من الإعصار في المناطق المتضررة، وتقديم كل أوجه الرعاية الطبية والإنسانية لهم.
وشاركت عدد من طائرات البحث والإنقاذ المصرية في انتشال الجثث وإنقاذ المصابين في المناطق المنكوبة التي ضربها إعصار "دانيال"، وذلك إلى جانب تقديم العديد من المساعدات الإنسانية العاجلة ووسائل الإعاشة للمواطنين في العديد من المناطق التي يصعب الوصول والخروج منها في ليبيا.
فيما بذلت مصر جهودا دؤوبة لتحقيق التهدئة وحقن الدماء ودفع مسار الحل السلمي في السودان، عقب صراع مسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أسفر عن مقتل نحو 9 آلاف وإصابة عشرات الآلاف.
واستقبلت العاصمة المصرية أكثر من 300 ألف لاجئ سوداني هربوا من ويلات الحرب في بلادهم، إضافة إلى إرسال شاحنات إغاثية وطبية وغذائية في المعابر البرية بين مصر والسودان.
إصلاحات حثيثة
بدوره، قال الخبير الحقوقي البارز ونائب مدير مركز جسور للدراسات الاستراتيجية (غير حكومية، مقره القاهرة) عبدالناصر قنديل، إن النظام المصري يميل إلى تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل أكبر من نظيرتها السياسية والمدنية.
واستشهد قنديل في تصريح لـ"جسور بوست"، بقيام الحكومة المصرية بتعديل قانون العمل وتمكين النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والاهتمام بقانون الأحوال الشخصية وتعديل قانون الطفل والحديث بشكل مباشر عن تجريم التنمر وغيرها، ما يثبت نجاحا كبيرا من الدولة في هذا المجال.
وأضاف: "انتهجت الحكومة أيضا سياسات تطور وتدريب وتأهيل للموظفين العموميين، وفي المقدمة منهم المعنيون بإنفاذ القانون في الجهاز الشرطي، وهذا انعكس على انخفاض معدل الانتهاكات أو جرائم التعذيب بشكل كبير خلال السنوات الماضية، لا سيما عقب إعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021".
وتابع: "جرى أيضا تحسين أوضاع السجناء وتغيير ثقافة التعامل مع النزلاء في أماكن الاحتجاز لتتحول من التنكيل والتعذيب إلى التهذيب والإصلاح، إضافة إلى التوسع في حجم الزيارات لمراقبة الأوضاع الإنسانية في السجون".
وأشاد عبدالناصر قنديل بـ"افتتاح 3 مجمعات كبرى لمراكز الاحتجاز توفر بيئة أكثر أمانا للسجناء، بعكس أماكن الاحتجاز التقليدية والتي لم تكن توفر الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية والرعاية الصحية للنزلاء".
وعوّل قنديل على جلسات الحوار الوطني في معالجة العديد من الملفات الحساسة، أبرزها ملاحقة النشطاء وتوفير بيئة عمل آمنة لمنظمات المجتمع المدني وإطلاق الحريات العامة، في مقدمتها الرأي والتعبير.
ودعا إلى ضرورة تصفية ملف المحتجزين احتياطيا على ذمة قضايا سياسية، ووضع إطار زمني للانتهاء من هذه القضايا وخاصة الحبس الاحتياطي، لتعزيز هذه الحقوق بمعالجات مرنة وأكثر هدوءاً واتزانا وانفتاحا، بهدف خلق بيئة سياسية مواتية وقطع الطريق أمام المزايدات والانتقادات الدولية.