تونس في 2023.. حصاد مسيرة حقوق الإنسان لـ"الخلف در"

تونس في 2023.. حصاد مسيرة حقوق الإنسان لـ"الخلف در"

بعد أن كانت درة تاج دول الربيع العربي، تعيش تونس في أزمة سياسية واقتصادية خانقة منذ أكثر من عامين على وقع فرض إجراءات استثنائية أدت إلى تجميد البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء.

ومنذ يوليو 2021، شهد البلد العربي على وقع تلك الإجراءات الاستثنائية، تقييدا جليا في حالة حقوق الإنسان والحريات العامة، وضمانات المحاكمات العادلة للمعارضين، والتمييز ضد المهاجرين وغيرها.

وقالت منظمات حقوقية دولية، إن السلطات التونسية اتخذت حزمة من الإجراءات القمعية ضد المعارضين والمنتقدين والشخصيات السياسية، بما يشمل إجبارهم على عدم تغيير إقامتهم، وإخضاعهم لمنع السفر ومحاكمتهم -في محاكم عسكرية أحيانا- لانتقادهم العلني للرئيس أو القوات الأمنية أو مسؤولين آخرين.

وساهمت الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس التونسي قيس سعيد في إضعاف المؤسسات الحكومية المصممة لتشكل ضوابط على السلطات الرئاسية وأعاقت التحول الديمقراطي في البلاد.

على مدى العامين الماضيين، تعرض قضاة ووكلاء عامون للفصل التعسفي ومحاكمات جنائية مسيسة، وزيادة في تدخل السلطة التنفيذية، بينما يلاحق محامون قضائيًا بسبب أدائهم وممارستهم حقهم في حرية التعبير.

وفي يوليو 2022، أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا بإجراء استفتاء وطني على مشروع دستور جديد ليحل محل دستور 2014، بتشكيل لجنة صياغة تتكون من أعضاء عيّنهم الرئيس التونسي، ونشرت المسودة قبل ثلاثة أسابيع فقط من الاستفتاء، دون إتاحة مدة زمنية مناسبة لإجراء نقاش أو حوار مجتمعي عليها.

واعتُمد الدستور الجديد بنسبة 94.6 بالمئة من أصوات الناخبين المؤهلين، بنسبة مشاركة تصل إلى 30.5 بالمئة، ودخل حيز النفاذ في 17 أغسطس من العام نفسه بعد إعلان النتائج النهائية.

وتضمن الدستور الجديد العديد من الحقوق، لكنه لم يشمل تحديد الضوابط والتوازنات اللازمة لحمايتها، إذ لم يضمن بالكامل استقلالية القضاء و"المحكمة الدستورية" التي لم ترَ النور حتى الآن.

في سبتمبر 2022، أصدرت "المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" حكما ينص على أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد كانت غير متناسبة، وأمرت بإلغاء العديد من المراسيم، بما في ذلك المرسوم الذي عطّل العمل بالجزء الأكبر من دستور 2014، وأمرت بإنشاء المحكمة الدستورية في غضون عامين.

وقد نبذت تونس الحكم الاستبدادي في عام 2011 على وقع ثورة شعبية ملهمة وتبنت نهجًا ديمقراطيًا، لكن نظامها السياسي الذي يوزع السلطة بين الرئيس والبرلمان لم يجتذب تأييدًا شعبيًا بعد شلل سياسي وركود اقتصادي على مدى سنوات.

حرية التعبير

ووفق تقارير محلية ودولية، شهدت تونس تراجعا كبيرا في حرية التعبير والصحافة، حيث عمدت السلطات إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة الصحفيين ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بالتعبير، بما في ذلك انتقاد الرئيس وقوات الأمن والجيش، وحوكم بعضهم في محاكم عسكرية.

وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية سجن المحامي عبدالرزاق الكيلاني، وهو وزير سابق والعميد السابق للمحامين، ومحاكمته في محكمة عسكرية بتهم "الإخلال بالراحة العامة" و"هضم جانب موظف عمومي" على خلفية مشادة كلامية بينه وبين قوات الأمن أثناء محاولته زيارة أحد موكليه.

عبدالرزاق الكيلاني

كما تم القبض على الصحفي صالح عطية ثم حوكم في محكمة عسكرية بتهم "نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يُثبت صحة ذلك"، و"المس من كرامة الجيش"، و"الإساءة للغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات".

وبحسب بيان للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين"، شهد العامين الماضيين ارتفاعا في مضايقة الصحفيين واحتجازهم بسبب عملهم، وصار الوصول إلى المعلومات أكثر صعوبة، كما تراجعت تونس في مؤشر حرية الصحافة لـ"مراسلون بلا حدود" من المرتبة 73 إلى المرتبة 94.

وفي سبتمبر 2022، صدر مرسوم جديد يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، قال معارضوه إنه "يقيد بشدة حرية التعبير والصحافة والحق في الخصوصية"، لأنه يُعاقب إنتاج أو ترويج أو نشر "أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة" بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، أو إلى عشر سنوات إذا كان ذلك يستهدف موظفين عموميين.

صالح عطية

حقوق المرأة

ورغم تعيين امرأة في منصب رئيس الحكومة، وهي المهندسة والسياسية التونسية نجلاء بودن، والتي تعد المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب في شمال إفريقيا، فإن المراقبين قالوا إن "الرئيس لم يمنحها أي استقلالية سياسية ولم يفعل أي شيء يُذكر للنهوض بحقوق النساء".

وتقع تونس في حالة جدل واسع بشأن حقوق المرأة في الميراث، إذ عرض الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي مشروع قانون على البرلمان يعتبر المساواة في حقوق الميراث هي الأصل، لكن لم يتم اعتماده حتى الآن.

ورغم اعتماد قانون مكافحة العنف ضد المرأة في عام 2017، الذي نص على خدمات دعم جديدة وآليات وقاية وحماية للضحايا، فإن هناك العديد من أوجه القصور في تنفيذه، لا سيما في الطريقة التي تعالج بها الشرطة والسلطة القضائية شكاوى العنف الأسري. 

ويظل نقص التمويل الحكومي لإنفاذ القانون ثغرة كبيرة في تونس، وكذلك قلّة مراكز الإيواء التي تؤوي النساء اللاتي لا يجدن مكانا يلجأن إليه، كما تسبب حل البرلمان في منع مناقشة أو اعتماد أي تشريع من شأنه تعزيز حقوق النساء.

وأبقى دستور 2022 على بعض أحكام دستور 2014، إذ نص على أن النساء والرجال "متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أيّ تمييز"، وألزم الدولة باتخاذ إجراءات للقضاء على العنف ضدّ المرأة.

غير أن هذا الدستور الجديد يضمن بندا جديدا نص على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية" وأن الدولة مسؤولة على تحقيق مقاصد الإسلام (الفصل 5).

ويقول محللون تونسيون إن نص هذه المادة عادة ما يستخدم في تبرير فرض قيود على الحقوق، وخاصة حقوق المرأة، بناءً على تأويلات الشريعة الإسلامية.

وانتخب قيس سعيد، وهو أستاذ القانون الدستوري السابق، في عام 2019 وتعهد آنذاك بتطهير الساحة السياسية من الفساد، فيما يواجه انتقادات حادة بـ"الانقلاب على المؤسسات الديمقراطية والانتقال إلى حكم الرجل الواحد، وإجراء إصلاحات سياسية تفتقر إلى المصداقية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية