«الإيكونوميست»: منظمات حقوقية تحذر من شرعنة التمييز ضد المتحولين في بريطانيا
«الإيكونوميست»: منظمات حقوقية تحذر من شرعنة التمييز ضد المتحولين في بريطانيا
أعربت منظمات معنية بحقوق المتحولين جنسيًا في المملكة المتحدة، أبرزها منظمة "ستونوول" و"مشروع القانون الجيد"، عن قلقها الشديد من الحكم القضائي الصادر عن المحكمة العليا البريطانية في 16 أبريل الجاري، والذي قيّد تعريف "المرأة" و"الجنس" ضمن قانون المساواة ليشمل فقط الجنس البيولوجي، مستثنيًا بذلك النساء المتحولات الحاصلات على "شهادة اعتراف بالجنس".
ووفقا لتقرير نشرته "الإيكونوميست"، اليوم الخميس، حذّر سيمون بليك، الرئيس التنفيذي لمنظمة "ستونوول"، من "التداعيات الواسعة والمقلقة" التي سيُخلّفها هذا الحكم على مجتمع المتحولين جنسيًا، مؤكدًا أن القرار يتناقض مع مبدأ أساسي طالما نادت به منظمته، وهو الحماية القانونية من التمييز على أساس الهوية الجندرية.
وأضاف بليك أن من شأن هذا الحكم أن يُضعف الحماية المتوفرة حاليًا في الأماكن العامة، والمؤسسات التعليمية، وأماكن العمل، وقد يفتح الباب أمام تمييز مشروع تحت مظلة قانونية.
أما منظمة "مشروع القانون الجيد"، وهي هيئة غير ربحية تُعنى برصد السياسات القانونية وآثارها الحقوقية، فقد وصفت القرار بأنه "سابقة خطيرة"، مشيرة إلى أنه "يُعيد حقوق المتحولين جنسيًا إلى الوراء نحو 20 عامًا"، عبر تكريس فصل قانوني صارم بين النوع الاجتماعي والجنس البيولوجي، الأمر الذي كانت المملكة المتحدة قد بدأت تتجاوزه منذ إقرار قانون الاعتراف بالجنس عام 2004.
الحماية من التمييز
في المقابل، حرصت المحكمة العليا على التأكيد بأن حكمها لا يُقصي المتحولين جنسيًا من الحماية القانونية العامة، بل يحدد فقط معنى "المرأة" و"الجنس" في سياقات قانون المساواة.
وقد صرّح نائب رئيس المحكمة، اللورد هودج، لدى إعلانه الحكم بالإجماع، بأن "الأشخاص المتحولين جنسيًا يظلون محميين من التمييز والمضايقة بموجب القانون"، وأن أي تمييز ضدهم خارج الإطار المنصوص عليه يُعد غير قانوني.
وأوضح الحكم أن إدراج النساء المتحولات، حتى الحاصلات على شهادة GRC، ضمن فئة "النساء" لأغراض تتعلق بالمناصب الإدارية في الهيئات العامة أو استخدام المساحات المخصصة للنساء، يُعد تجاوزًا لتعريف الجنس البيولوجي الذي يرتكز عليه قانون المساواة.
وبذلك، قضت المحكمة بأن مصطلحي "المرأة" و"الجنس" في القانون يجب أن يُفهما في سياقهما البيولوجي، لا الاجتماعي أو الهوياتي.
فتح ملفات قديمة
برزت هذه القضية إلى السطح بعد أن اقترحت الحكومة الاسكتلندية، في عام 2018، مشروع قانون يفرض على الهيئات العامة أن يكون نصف أعضاء مجالس إدارتها من النساء، في البداية، شمل التعريف المقترح كل من يُعرّف نفسه بأنه امرأة، قبل أن تعدّله الحكومة لاحقًا ليشمل فقط من يحملن شهادة اعتراف بالجنس.
لكن منظمة "من أجل نساء اسكتلندا" (FWS)، وهي جماعة نسوية ناقدة للنظريات الجندرية، رأت في هذا التعديل تهديدًا صريحًا لحقوق النساء من الجنس البيولوجي.
وخاضت المنظمة معركة قانونية طويلة استمرت لسنوات، صعدت فيها القضية إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة بعد خسارتها في محاكم اسكتلندا، وفي النهاية، أيدت المحكمة العليا موقف المنظمة، واعتبرت أن القانون يجب أن يضمن للنساء بيئة آمنة وحصرية.
الانقسام يتعمق داخل المجتمع
عكست ردود الفعل على الحكم حجم الانقسام داخل المجتمع المدني البريطاني حول تعريف المرأة وحقوق المتحولين جنسيًا، ففي حين رحّبت منظمات نسوية بالحكم واعتبرته انتصارًا لحماية الخصوصية والكرامة، أعربت منظمات أخرى تُعنى بحقوق المتحولين عن خشيتها من أن يتحوّل هذا الحكم إلى أداة قانونية لعزلهم واستبعادهم من مجالات الحياة العامة.
وقالت نعومي كانينغهام من منظمة "سيكس ماترز" ، وهي منظمة خيرية تُعنى بمفاهيم النوع الاجتماعي، إن "العديد من المؤسسات تبنّت سياسات قائمة على تعريف الهوية الذاتية، ما أوجد ارتباكًا قانونيًا واسع النطاق"، وأكدت أن قرار المحكمة "يُوفر الآن مرجعية قانونية لتصحيح هذا المسار، ويُعيد الانضباط إلى تطبيقات قانون المساواة".
وفي سياق متصل، تخوض ممرضات حاليًا دعاوى أمام محاكم العمل ضد هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، متهمات المؤسسة بالسماح لنساء متحولات لا يحملن شهادة GRC باستخدام غرف تغيير الملابس المخصصة للموظفات.
وقد أشارت تلك القضايا إلى أثر مباشر للسياسات القائمة على "الهوية الجندرية" دون أساس قانوني صلب، ما زاد من تعقيد الموقف القانوني والمؤسسي.
مستقبل قانوني غامض
رغم أن الحكم حسم الموقف من تعريف المرأة لأغراض قانونية، فإن تأثيره الأوسع على سياسات الهوية الجندرية لا يزال غير واضح.
ورحبت الحكومة البريطانية بالحكم، بما في ذلك حكومة حزب العمال المعارض، التي أكدت أن "الأماكن المخصصة لجنس واحد ستظل محمية قانونًا دائمًا".
واعتبرت وزيرة المساواة في حكومة المحافظين، كيمي بادينوخ، أن "القول إن النساء المتحولات هن نساء لم يكن صحيحًا في الواقع، وهو الآن غير صحيح قانونيًا أيضًا".
ومع ذلك، يُتوقع أن تبقى المسألة مثار نقاش وجدال في الأوساط القانونية والحقوقية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لتحديث القوانين بما يُراعي الهويات المتنوعة، دون المساس بحقوق الفئات الأخرى.