غزة.. مقبرة القانون الدولي الإنساني!!
غزة.. مقبرة القانون الدولي الإنساني!!
منذ عقود طويلة، يعاني قطاع غزة وطأة الاعتداءات المتكررة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل مستمر.
ومع كل تصعيد عسكري للاحتلال، تتفاقم الأزمة وتتلاشى مظاهر الحياة الطبيعية، ليصبح قطاع غزة المحاصر أشبه بمقبرة للحقوق والقوانين الدولية الإنسانية.
وأضحى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2005 أحد أبرز مظاهر انتهاك القانون الدولي الإنساني، هذا الحصار الشامل، الذي يقيّد حركة الأفراد والبضائع، أدى إلى نقص حاد في الإمدادات الأساسية؛ مثل الغذاء والدواء والوقود ومواد البناء، وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية كيف أثر هذا الحصار بشكل كارثي في حياة المدنيين، وخاصة الأطفال والمرضى وكبار السن.
إن الحصار الجماعي للسكان المدنيين يتعارض بشكل مباشر مع اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقوبات الجماعية، كما أن تقييد وصول المساعدات الإنسانية الضرورية يشكل انتهاكًا للحق في الحياة والصحة، وهما من الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي.
ويشهد قطاع غزة تدميرًا مباشرًا متعمدًا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي قضى على البنية التحتية المدنية وحياة السكان.
وخلال هذه الهجمات العسكرية البربرية، وثقت تقارير وقوع هجمات عشوائية أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، ومن لم يمت من القصف العشوائي مات من الجوع وخاصة الأطفال الصغار.
إن مبدأ التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية هو حجر الزاوية في القانون الدولي الإنساني، ومع ذلك، يبدو أن هذا المبدأ يتم تجاهله تمامًا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في اعتدائه على غزة.
كما أن تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية الأخرى يشكل انتهاكًا لحظر الهجمات على الأعيان المدنية، وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان العديد من حالات استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي - المدعوم من أمريكا - القوة المفرطة وغير المتناسبة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك خلال المظاهرات والاحتجاجات، واستخدام الرصاص الحي والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع بشكل غير قانوني أدى إلى إصابات خطرة وإعاقات دائمة وحتى الوفاة في صفوف المدنيين العزل.
يحظر القانون الدولي استخدام القوة المفرطة التي لا تتناسب مع التهديد المباشر، كما أن اللجوء إلى وسائل وأساليب قتالية تسبب آلامًا لا داعي لها أو إصابات مفرطة يتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني.
أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في استمرار تدهور الوضع الإنساني والقانوني في غزة هو إفلات نتنياهو -وكل وزراء حكومته- من العقاب على الانتهاكات التي ارتكبها، ولا يزال يرتكبها حتى اللحظة، ونادرًا ما يتم التحقيق معه بشكل جدي في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولا يتم محاسبته ولا محاسبة رجال حزب اليمين المتطرف الإسرائيلي، فصدق من قال: "من أمن العقاب أساء الأدب".
هذا الإفلات من العقاب يرسل رسالة ضمنية بأن القانون الدولي الإنساني يمكن انتهاكه دون عواقب، ما يشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في المستقبل.
إن مساءلة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة هي خطوة أساسية لضمان احترام القانون وتحقيق العدالة للضحايا.
وقد زاد الطين بلة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني الداخلي، الذي يعيق جهود توحيد الصف الفلسطيني، وتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة؛ هذا الانقسام يضعف من قدرة الفلسطينيين على المطالبة بحقوقهم بشكل موحد، ويزيد من تعقيد جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه الوضع في غزة، ويجب على الدول والمنظمات الدولية الضغط على جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ لاحترام القانون الدولي الإنساني وقواعد الحرب، ويتضمن ذلك المطالبة بإنهاء الحصار غير القانوني، وضمان حماية المدنيين، وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في تلك الانتهاكات الموثقة، ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم الإنساني اللازم لسكان غزة وتلبية احتياجاتهم الأساسية؛ فإن التخلي عن مسؤولية حماية المدنيين في غزة سيجعل من القطاع بالفعل مقبرة للقانون الدولي الإنساني، ويقوض مصداقية النظام القانوني الدولي برمته.
إن الوضع في قطاع غزة يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية، وكل المنظمات الدولية، لن يمحوها مرور الزمن، كما أن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني، والحصار الخانق، والتهجير القسري لسكان غزة، واعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتكررة، والإفلات من العقاب، كلها عوامل تجعل من غزة أكثر من مجرد منطقة منكوبة؛ بل تجعلها مقبرة للمبادئ والقيم التي يسعى القانون الإنساني الدولي لحمايتها.
ويجب على ضمير حكومات العالم الحر أن يستيقظ ويدرك أن حماية القانون الإنساني الدولي في غزة ليست مجرد واجب قانوني، بل هي ضرورة إنسانية وأخلاقية ملحة، حتى لا يتقهقر العالم إلى الوراء، ويحكمه غير قانون الغاب الذي يفترس فيه القوي الضعيف!!
* نقلاً عن صحيفة الأهرام