ثورة الـ"AI" في العالم العربي.. تحسين جودة التعليم وتجارب تعليمية فعالة

العرب والذكاء الاصطناعي "2"

ثورة الـ"AI" في العالم العربي.. تحسين جودة التعليم وتجارب تعليمية فعالة

تعد التكنولوجيا وبخاصة الذكاء الاصطناعي من أهم الأدوات التي تسهم في تطوير مجال التعليم وتحسين جودة التعليم في المدارس والجامعات العربية. 

ويوفر الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة لتخصيص وتحسين تجارب التعلم بحيث تصبح أكثر فعالية وملائمة لاحتياجات الطلاب المختلفة.

في هذا التقرير من سلسلة، "العرب والذكاء الاصطناعي"، نناقش كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة التعليم وتوفير تجارب تعليمية مخصصة وفعالة في المدارس والجامعات العربية. 

ووفقًا لتقارير متخصصة، يعتبر الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحليل البيانات التعليمية وفهم أداء الطلاب واحتياجاتهم، ويمكن استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحليل البيانات الضخمة المتولدة من سجلات الطلاب والاختبارات والتفاعلات التعليمية عبر الإنترنت، كما يمكن للنظم الذكية تحليل هذه البيانات وتحديد نماذج واتجاهات وتوفير تقارير تحليلية تفصيلية للمعلمين والإدارات التعليمية، هذا يساعد في توجيه الجهود التعليمية وتحديد المناهج والمواد التعليمية المناسبة. 

ويمكن استخدام تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج تعليمية مخصصة وتكييف التعليم وفقًا لاحتياجات كل طالب، للنظم الذكية أن تتعلم من سجلات الطلاب وتحليل الأنماط والتفاعلات لتوفير خطط تعليمية فردية وتوجيهات مخصصة لكل طالب، على سبيل المثال، يمكن للنظم الذكية توفير تمارين تعليمية مخصصة ومواد إضافية لطلاب يعانون صعوبات في فهم مفاهيم معينة، أو تحديات لطلاب متميزين يحتاجون إلى تحديات أكثر تطورًا. 

وتشير دراسة حديثة إلى أن ما يقرب من 19% من الوظائف في الولايات المتحدة معرضة -بطريقة مباشرة- لأن تخسر ما لا يقل عن 50% من مهامها بسبب التطورات الحديثة في النماذج اللغوية الضخمة، وتتأثر مهام 80% من الوظائف بنسبة لا تقل عن 10%. 

ووفقًا لتقرير حديث صادر عن ماكينزي، فإن التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي التوليدي ستسهم في تسريع عملية أتمتة الأعمال، ليصل مدار وتيرة التسريع هذه إلى ما يقرب من عقد من الزمن، بهذا يمكن أتمتة نصف أنشطة العمل الحالية بين عامي 2030 و2060، مع نقطة انتصاف في عام 2045، وهو التقدير الذي يختلف عن تقديرهم السابق الصادر عام 2017.  

ومما لا شك فيه أن هذا التحول تتبعه انعكاسات متعددة على التعليم، يتعلق بأولويات التعليم سواء من ناحية طبيعة المهارات والسمات الشخصية المستهدف تنميتها، أو من ناحية التخصصات المستهدفة بالتوسع أو التقليص. 

وتأثيرات الذكاء الاصطناعي على التعليم منها ما يتعلق بطبيعة المهام التعليمية لكلٍ من المعلم والطالب، ومن المتوقع بأن التقدم الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُعْمل تأثيره الأكبر في ما يسمى بوظائف الياقة البيضاء (white collar jobs)، وهي الوظائف المكتبية والإدارية، التي يُعتمد في إنجاز مهامها كثيرًا على التواصل اللغوي قراءةً وكتابةً واستماعًا وتحدثًا، وهي تعد منطقة تأثير جديدة للذكاء الاصطناعي، الذي كان تهديده لا يتجاوز عتبة الوظائف ذات الأعمال البدنية (blue collar jobs) مثل البناء والزراعة وصيد الأسماك.

هذه التقديرات تتقاطع مع التقديرات التي تشير إلى أن حاملي الدبلوم والبكالوريوس والماجستير هم أكثر عرضة من غيرهم لتأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي. 

وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على التعليم العالي، فمن المتوقع أن تُراجع مفردات التخصصات لتكون ملائمة لمجموعة المهام الجديدة التي يتطلبها سوق العمل. 

ومن المتوقع كذلك أن يراجع القبول الموسع في بعض التخصصات مع انخفاض الطلب عليها، في المقابل سيزيد الطلب في تخصصات أخرى، على سبيل المثال: تشير دراسة إلى أنه من المتوقع أن يزيد الطلب على المتخصصين في الذكاء الاصطناعي بما يساوي 40%. 

يضاف إلى ذلك، تطالعنا نتائج لافتة تشير إلى أن المهام التي تستلزم مهارات التفكير الناقد هي أقل عرضة للأتمتة أو للتأثر من تطورات النماذج اللغوية الضخمة، الأمر الذي يزيد من أهمية إعادة تصميم البرامج التعليمية من حيث المنهج وطرق التدريس والتقويم بما يعزز من مهارات التفكير الناقد.

ويشير تقرير ماكنزي إلى أن قطاع التعليم هو القطاع الأكثر تأثرًا من بين كل القطاعات بالتطورات الحديثة للذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن الممكن أن تصل نسبة أتمتة العمليات التعليمية التي ينجزها المعلمون حاليًا إلى 54% بحلول عام 2045م، وهذا يشمل التحضير للدروس والتخطيط لها وبناء الاختبارات وتصحيحها وإجراء المراجعات.

هذا مما يساعد على تحرير أوقات المعلم لاستثمارها استثمارًا أمثل مع الطلاب، وهو ما قد يسهم في نهاية المطاف في تقديم حل لما يُعرف في التعليم بـ"مشكلة سيجما 2"، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار إمكانية توافر أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم التفريدي (personalized learning).

وترتكز هذه المشكلة على دراسة شهيرة تشير إلى تحسن طرأ على نتائج الطلاب الذين يتلقون تعليمًا فرديًا من قبل معلمين خصوصيين (tutors) بحوالي درجتَيْ انحراف معياري، مقارنةً بالتدريس التقليدي الذي يتلقاه الطلاب في غرفة الصف، وهو ما يجعل أداءهم يرتفع إلى أفضل من 98% من أقرانهم.

الذكاء الاصطناعي في التعليم - تحفيز الطلاب وتحسين مستوى التعليم

تعزيز الوصول إلى التعليم

وعلق الخبير في الذكاء الاصطناعي، المهندس محمد شكري الخولي بقوله، إن الذكاء الاصطناعي يمكنه إفادة العملية التعليمية بشكل ممتاز، من خلال توفير تجارب تعليمية مخصصة ومتاحة عبر الإنترنت، كذلك يمكن لمنصات التعلم الافتراضي المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تقدم محتوى تعليميا متنوعا وملائما لاحتياجات الطلاب في أي وقت ومن أي مكان، هذا يساعد في توفير فرص التعلم للطلاب الذين قد يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم التقليدي بسبب العوائق الجغرافية أو الاجتماعية.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم التوجيه الأكاديمي والمشورة المهنية للطلاب، وبفضل تحليل البيانات وتوجهات الطلاب، يمكن للنظم الذكية توفير معلومات مفصلة حول المسارات الأكاديمية المناسبة والمهن المستقبلية، أيضًا تقديم نصائح مخصصة للطلاب بناءً على قدراتهم واهتماماتهم، ما يساعدهم في اتخاذ قرارات تعليمية ومهنية مستنيرة. 

واستطرد، نستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في ورش العمل مع طلاب الجامعات وهي تساعدنا كثيرا، ويوفر الذكاء الاصطناعي أدوات تقييم متقدمة تساعد في تحسين عملية تقييم الطلاب، ويمكن استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحليل أداء الطلاب في الاختبارات وتقديم تقارير شاملة عن قواعد قوتهم وضعفهم، هذا يمكن المعلمين من توجيه الطلاب بشكل أفضل وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تعزيز وتطوير. 

وأتم، يمثل الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال التعليم العربي، حيث يمكن استخدامه لتحسين جودة التعليم وتوفير تجارب تعليمية مخصصة وفعالة في المدارس والجامعات العربية، كما يساهم في تحليل البيانات وتحقيق التعلم الشخصي وتعزيز الوصول إلى التعليم وتقديم التوجيه الأكاديمي وتحسين عملية التقييم، ومن المهم أن تستثمر المؤسسات التعليمية والحكومات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتوفير الدعم اللازم لتطبيقها بفعالية، لتعزيز مستقبل التعليم ورفع مستوى التعليم في المنطقة العربية.

حياة سبايدرمان في مصر ورحلته من الطفولة للمعاش

المهندس محمد شكري الخولي

نهضة وتحديات

وعما يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي من نهضة وما يعيقه من تحديات في مجال التعليم، تحدث عبدالله القبيسي، صاحب شركة "كابيتال" المتخصصة في خدمات الذكاء الاصطناعي بقوله، إن ما قدمه الذكاء الاصطناعي للتعليم يعد نهضة كبيرة في هذا المجال، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز التعلم المستمر ومفهوم "الحياة طوال الحياة"، ويمكن للنظم الذكية تقديم توصيات وموارد تعليمية مستمرة للطلاب والمعلمين بناءً على احتياجاتهم ومستوياتهم، ما يساعدهم على الاستمرار في تنمية مهاراتهم والتعلم المستمر.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، توجد بعض التحديات التي ينبغي معالجتها عند استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، مثل الخصوصية وأمان البيانات، ويتعين ضمان حماية بيانات الطلاب والمعلمين في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في المدارس والجامعات، أيضًا ينبغي أن يتم تصميم وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم بطريقة تضمن العدالة وتعاملا عادلا لجميع الطلاب بغض النظر عن خلفياتهم واحتياجاتهم، وعلى الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي في التعليم، يجب أن يتم الاستمرار في تعزيز التفاعل الإنساني والتواصل بين المعلمين والطلاب، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة للمعلمين بدلاً من استبدالهم.

واستطرد، ينبغي أن توفر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم توضيحًا وشرحًا واضحًا لطرق عملها وأسس اتخاذ القرارات، ما يساعد المعلمين والطلاب في فهم كيفية استخدامها والاستفادة منها، وعلى الرغم من هذه التحديات، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين تجربة التعلم وتمكين الطلاب والمعلمين في المدارس والجامعات العربية، ويتطلب الأمر توجيها وجهودا مستمرة لتطوير وتحسين هذه التقنيات وضمان استخدامها بطرق مسؤولة وفعالة.

الذكاء الاصطناعي في التعليم

الذكاء الاصطناعي في الدول العربية

وقال مدير مدرسة "الموصل" الحديثة بالعراق المهندس مهند خضير، هناك بعض الدول العربية التي تهتم بتطبيق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم، منها الإمارات العربية المتحدة والتي تعمل على تعزيز استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم، حيث قدمت العديد من المبادرات والمشاريع مثل "مدرسة الذكاء الاصطناعي" و"مدرسة زايد للذكاء الاصطناعي" لتعزيز التعلم المدعوم بالذكاء الاصطناعي، كما تعمل السعودية على تطوير التعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم التكنولوجيا في العديد من الجوانب التعليمية مثل التحليلات التعليمية والمنصات التعليمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، تعمل مصر أيضا على تعزيز التعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي وتطبيقه في المدارس والجامعات، وتم تنفيذ مشاريع وبرامج مثل "مبادرة تعليم مصر الرقمي" و"مشروع الذكاء الاصطناعي للتعليم" بهدف تحسين جودة التعليم وتعزيز الابتكار التعليمي، وتعتبر البحرين أيضًا واحدة من الدول التي تسعى لتعزيز التعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتم تنفيذ مشاريع ومبادرات تهدف إلى تطوير البنية التحتية التكنولوجية للتعليم وتعزيز استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية. 

واستطرد، هناك العديد من الأدوات المستخدمة في العملية التعليمية التي يمكن أن يلجأ إليها الطلاب وتكون مفيدة لهم، كمنصات التعلم الإلكتروني، وتعتبر منصات التعلم الإلكتروني مثل Moodle وBlackboard وGoogle Classroom من أهم الأدوات التي يستخدمها الطلاب في التعلم عن بُعد، وتسمح هذه المنصات للمدرسين بتوفير الموارد التعليمية والمهام والاختبارات عبر الإنترنت، وتمكن الطلاب من الوصول إلى المحتوى التعليمي والتفاعل مع المدرسين والزملاء، ويوجد العديد من التطبيقات التعليمية المحمولة التي يمكن استخدامها على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. 

واستكمل، توفر هذه التطبيقات مجموعة متنوعة من الموارد التعليمية التفاعلية مثل الألعاب التعليمية، ومقاطع الفيديو التعليمية، واختبارات المعرفة، وبعض التطبيقات المشهورة تشمل Duolingo لتعلم اللغات وKhan Academy لمختلف المواضيع التعليمية، ويستخدم الطلاب الوسائط المتعددة والمحتوى التفاعلي لتعزيز عملية التعلم، ويمكن استخدام الصور والرسوم التوضيحية ومقاطع الفيديو والمحاكاة التفاعلية لتوضيح المفاهيم وجعلها أكثر إشراكًا وفهمًا. 

No description available.

المهندس مهند خضير

وأتم، تستخدم الروبوتات التعليمية مثل NAO وASIMO ومجموعة Lego Mindstorms لتعزيز التعلم العملي وتطوير مهارات التفكير العلمي والبرمجة، وتسمح هذه الروبوتات للطلاب بالتفاعل مع التكنولوجيا وتطبيق المفاهيم العلمية في بيئة تعليمية محفزة، ويمكن للواقع الافتراضي والواقع المعزز تحسين التعلم من خلال توفير تجارب واقعية وتفاعلية، كذلك يمكن استخدام هذه التقنيات للتفاعل مع العالم الافتراضي والمعزز واستكشاف المفاهيم بطرق جديدة وشيقة. 

وتتباين نسبة استخدام هذه الأدوات في الوطن العربي بين البلدان والمؤسسات التعليمية.. بعض البلدان تعتمد بشكل كبير على التعلم عن بُعد واستخدام المنصات الإلكترونية، في حين يكون الاعتماد على التطبيقات التعليمية المحمولة والتكنولوجيا التفاعلية متفاوتًا، ولكن من المهم أن نلاحظ أن العملية التعليمية تتطور باستمرار، ويظهر دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التعلم وتسهيله. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية