"فورين أفيرز": العديد من الروس يدعمون "بوتين" وليس "الحرب"
"فورين أفيرز": العديد من الروس يدعمون "بوتين" وليس "الحرب"
فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسمياً بولايته الخامسة، في الانتخابات الرئاسية الروسية التي جرت في منتصف مارس، بنسبة 87% من الأصوات، وهي أعلى نسبة إقبال مسجلة في تاريخ البلاد ما بعد الاتحاد السوفيتي، ويظل "بوتين" يتمتع بشعبية كبيرة وفقاً لأغلب المقاييس، وقد أظهرت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات مباشرة أن نسبة تأييده تزيد على 80%.
ووفقا لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، من المحتمل أن يخشى بعض الناخبين إخبار مستطلعي الرأي بخلاف ذلك، ولكن بالنسبة لـ"بوتين"، فإن هذا النوع من الخوف يكاد يكون جيدًا مثل الدعم الحقيقي، وفي كلتا الحالتين، يتجنب الروس عموماً الاحتجاج العلني، وهذا يساعد الكرملين على الإفلات من الترويج لانتصار "بوتين" الساحق في الانتخابات باعتباره تأييدًا لكل من الرئيس وسياسته بشأن الحرب في أوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، فإن هذه الأرقام بعيدة كل البعد عن كونها مؤشرًا موثوقًا للدعم الشعبي للحرب، ويشكك العديد من الروس، بمن في ذلك ناخبو "بوتين"، في تصميم الكرملين على مواصلة الصراع المستمر منذ عامين، ورغم أن معدلات تأييد "بوتين" مثيرة للإعجاب، فإن بيانات المسح الصادرة عن دراسة الانتخابات الروسية (RES)، تشير إلى أن أغلبية ضئيلة فقط من أنصاره يفضلون الآن الاستمرار على المسار الصحيح في أوكرانيا.
وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي يبذلها الكرملين لحشد الدعم، فإن ما يقرب من واحد من كل أربعة من مؤيدي "بوتين" يعارض استمرار الحرب، ويقول نفس العدد تقريبًا إنهم غير متأكدين مما إذا كانوا يؤيدون الحرب (19%) أو يرفضون الإجابة على السؤال، وهذا يعني أن ما يزيد قليلاً على نصف مؤيدي "بوتين" (54%) يعتقدون أن روسيا يجب أن تواصل الحرب.
ومن بين كل الناخبين الروس، كان التأييد لحرب بوتين أقل حدة، وفي أكتوبر 2023، قال 43% فقط من الروس إنهم يؤيدون استمرار ما يشير إليه الكرملين بـ"العملية العسكرية الخاصة"، وعندما طُلب منهم تحديد موقفهم من الحرب، اختار ثلث الذين شملهم الاستطلاع الإجابة: "لا، أنا لا أؤيد استمرار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا"، وامتنع ما يقرب من ربعهم عن الإدلاء برأيهم.
ولأن حكم المستبد الشعبي أسهل من حكم مستبد لا يحظى بالشعبية، وفق المجلة، فإن "بوتين" يتتبع الرأي العام عن كثب، ويعمل الكرملين بلا كلل لتشكيل هذه الآراء، ولكن جهوده لزيادة الدعم لبوتين ذاته كانت أكثر نجاحاً من محاولاته لتعزيز الدعم للحرب.
وتمثل هذه النتائج أخباراً جيدة وأخرى سيئة بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها، إن تراجع الدعم للحرب بين المواطنين الروس لن يجبر في حد ذاته "بوتين" على إنهاء هجومه على البلاد، ونظراً للقمع الواسع النطاق الذي يمارسه الكرملين ضد المجتمع المدني والمعارضة العامة، فقد يتمكن من الاستمرار في شن الحرب من دون دعم شعبي قوي لها.
ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الحماس الشعبي قد يؤدي إلى تعقيد هذه الجهود، وفي غياب الدعم الشعبي القوي، سيحتاج “بوتين” إلى الاعتماد بشكل أكبر على القمع لإحباط المعارضة، كما أن الافتقار إلى الحماس الشعبي لاستمرار الحرب يزيد من صعوبة تجنيد الجنود والحفاظ على الروح المعنوية ويزيد من تكلفة شراء الدعم الشعبي، وقد قام الكرملين بالفعل بزيادة الإنفاق الاجتماعي وتوسيع الحوافز المالية للتطوع في الجيش.
ويقدم أحدث استطلاع أجرته RES رؤية واقعية للدعم الشعبي لنظام "بوتين"، وعلى عكس آمال بعض المراقبين في أن يؤدي تراجع الدعم للحرب إلى انهيار حكم "بوتين"، وتشير النتائج إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة.
وساهمت RES، بقيادة فريق من العلماء بدعم من مؤسسة العلوم الوطنية، في فهم تطور الرأي العام الروسي وسلوك التصويت لما يقرب من 3 عقود، وفي استطلاعات الرأي الوطنية التي أجريت حول كل انتخابات رئاسية روسية ظهر فيها "بوتين" كمرشح، وجد الفريق أن دعمه متعدد الأبعاد.
ويواصل “بوتين” الاعتماد على قاعدة واسعة بين الروس العاديين، وهو الدعم الذي تراكم على مدى ما يقرب من ربع قرن والذي يمكن أن يدعمه حتى لو كان العديد من هؤلاء الداعمين يشعرون بالاستياء من الحرب نفسها.
وتستمر جاذبية “بوتين” أيضًا في الاعتماد على إدارته لاقتصاد البلاد، وارتباطه بشكل متزايد بالقيم المحافظة التي يتردد صداها لدى العديد من المواطنين الروس، وكان التلاعب بمصادر الدعم الأخرى هذه جزءًا من استراتيجية بوتين طوال الوقت، وهو تكتيك غالبًا ما يتم التغاضي عنه في التحليلات الغربية لاستراتيجية الحرب الروسية.
فمنذ بداية الغزو، على سبيل المثال، دأب على التقليل من أهمية ما يسمى بالعملية العسكرية الخاصة، مشيراً إلى أن القوات المسلحة سوف تتولى هذه العملية، تاركاً أغلب الروس العاديين يمارسون حياتهم كالمعتاد، وشدد أيضًا على الرسالة التي مفادها أن روسيا ظلت مستقرة واستمرت في الازدهار خلال الحرب.
كما يدعم الروس "بوتين" على الرغم من معارضتهم للحرب، لأنهم متفائلون بشكل عام بشأن أداء الاقتصاد في مواجهة العقوبات الغربية، ويعتقد حوالي نصفهم أن الاقتصاد إما لم يتغير أو أنه قد تعافى خلال الأشهر الـ12 الماضية، (على النقيض من ذلك، فإن 14% فقط من الروس الذين لا يؤيدون “بوتين” ويعارضون الحرب يرون الاقتصاد الروسي في هذا الضوء الإيجابي).
ويعد الروس الذين يؤيدون "بوتين" ولكنهم مناهضون للحرب هم أيضاً أكثر ميلاً إلى تجنب الخسائر المالية الشخصية منذ الحرب، حيث أفاد ثلاثة من كل أربعة أن مواردهم المالية لأسرهم ظلت كما هي أو تحسنت خلال العام الماضي، ويقول أكثر من نصف المشاركين الذين يعارضون "بوتين" والحرب إن وضعهم الاقتصادي قد تدهور.
ولكنْ، هناك توتر في الجهود التي يبذلها الكرملين للتقليل من شأن الحرب وتعزيز الشعور بالحياة الطبيعية، وفي لحظات مختلفة، أكد أن معركة روسيا -في أوكرانيا وضد الغرب-هي معركة وجودية وأن كل روسي يجب أن يقوم بدوره، وكانت لحظة أخرى من هذا القبيل عندما أمر بوتين "بالتعبئة الجزئية" في خريف عام 2022، داعيا مئات الآلاف من الروس للقتال، وتتناقض مثل هذه التحركات مع رسائل الكرملين الأخرى التي تسعى إلى التقليل من شأن الحرب.
وإذا استمر "بوتين" في الترويج لسرد وجودي وتعب أنصاره من الحرب، فقد يصبحون أكثر عرضة للانفصال عنه إذا اتخذت التطورات منعطفاً سلبياً في مجالات أخرى يهتمون بها، مثل الاقتصاد.
وقد يزداد هذا الخطر إذا تزايدت المعارضة للحرب أو إذا تدهورت التوقعات الاقتصادية لروسيا، على سبيل المثال، يُظهر بحثنا أن أنصار "بوتين" الذين يعارضون استمرار الحرب ما زالوا منقسمين حول ما إذا كان تمويل الهجوم يجب أن يكون له الأولوية على البرامج الاجتماعية.
ويعكس هذا جزئياً نجاح الكرملين، حتى الآن على الأقل، في زيادة الإنفاق الاجتماعي والحفاظ على الشعور بالاستقرار الاقتصادي حتى مع وضع الاقتصاد بقوة على حافة الحرب.
وإذا شهدت روسيا انحداراً اقتصادياً أو مطالبة بالمزيد من الإنفاق الاجتماعي، فإن هذا الإذعان للحرب قد يتضاءل، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تآكل قاعدة "بوتين".