"فورين أفيرز": استبدال "الأونروا" يتطلب مواجهة مخاطر سياسية ولوجستية كبيرة

"فورين أفيرز":  استبدال "الأونروا" يتطلب مواجهة مخاطر سياسية ولوجستية كبيرة

لم تكن هناك حرب أو أزمة أو عملية سلام بين إسرائيل وأي خصم لها لم تتطلب استجابة من الأمم المتحدة، ورغم خلافاتهم، فإن الافتراض بأن أي موقف قد يصبح أسوأ كثيرا من دون مشاركتها كان مبدأ مقبولا بشكل عام، وكانت الحرب التي عقبت الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر تحدياً لهذا الافتراض، وخاصة بالنسبة لإسرائيل، وفقا لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.

والآن على الرغم من سنوات من العمل مع وكالة الأمم المتحدة الرئيسية التي تقدم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين، والمعروفة باسم الأونروا، تسعى إسرائيل الآن إلى تفكيكها.

في يناير، زعم مسؤولون إسرائيليون أن ما يصل إلى 12 من موظفي الأونروا في غزة شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، وأشاروا إلى أن أكثر من 1000 من موظفي الأونروا في غزة (من إجمالي 13 ألف) ينتمون إلى حماس أو الجهاد الإسلامي.

وعلى الرغم من أن الأونروا ردت على هذه الاتهامات بإنهاء عقود بعض موظفيها وإطلاق تحقيق داخلي، فإن ذلك لم يكن كافيا لردع الولايات المتحدة وحفنة من المانحين الآخرين عن تعليق الدعم المالي في انتظار إجراء تحقيق أكثر شمولا. 

ورغم كونها أكبر مانح منفرد للوكالة، في 23 مارس، أقر الكونجرس مشروع قانون يحظر التمويل الأمريكي للأونروا لمدة عام، مما أدى فعليا إلى تأجيل اتخاذ قرار بشأن استئناف الدعم إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر.

وعلى الرغم من أن وجود "الأونروا" يتعرض للتهديد، فإنها تظل عنصرا أساسيا في جهود الإغاثة الدولية الطارئة في غزة، وتعمل مرافقها كنقاط توزيع للمساعدات وملاجئ لجزء كبير من أكثر من 1.7 مليون نازح.

وترى "فورين أفيرز" أنه رغم أن الأونروا تعاني من مشكلات خطيرة، والعديد منها يسبق الصراع الحالي، فمن الصعب التفكير في أي بديل، وسيكون من الأصعب وضع مثل هذا البديل، وخاصة في ظل الحرب والأزمة الإنسانية المستمرة.

وتقدم “الأنروا” الخدمات لأكثر من 5.9 مليون فلسطيني في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، ورغم أنها جزء من الأمم المتحدة، فإنها كيان فلسطيني بامتياز، وذلك لأن ولاية "الأونروا" مرتبطة بالصراع المستمر، وتقديم خدماتها، من وجهة نظر الفلسطينيين، تمثل ضمانة دولية لحقوقهم.

ولدى "الأونروا" كادر صغير نسبيا من موظفي الخدمة المدنية الدولية على رأسها، ولكن الجزء الأكبر من موظفيها يتكون من حوالي 30 ألف فلسطيني، بمن في ذلك المعلمون والأطباء والممرضات والمهندسون.

وفي الواقع، فإن مقارنة "الأونروا" بأي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة يكاد يكون من المستحيل، على سبيل المثال، لدى "اليونيسف"، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية عادة عشرات من الموظفين في مكتب قطري معين يقدمون الدعم الفني وأحيانا المالي للمنظمات غير الحكومية المحلية ومؤسسات الدولة لتنفيذ البرامج، ونادرا ما ينخرطون في التنفيذ المباشر للخدمات كما تفعل “الأونروا”.

وحتى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا تحمل إلا القليل من التشابه، فعلى النقيض من "الأونروا"، تعمل  وفقاً لاتفاقية عام 1951 بشأن اللاجئين، وبالتالي تدعم إعادة التوطين في بلدان ثالثة عندما يكون ذلك ممكناً، وهو ما لا تفعله الأونروا بالطبع.

وأعفت “الأونروا” الدول المضيفة (الأردن ولبنان وسوريا) من تحمل المسؤولية عن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدودها، وكذلك أعفت السلطة الفلسطينية و"حماس" من حصة كبيرة من المسؤولية عن تقديم الخدمات.

وكانت إسرائيل دائما واضحة في رغبتها في رؤية نهاية ولاية "الأونروا"، نظرا لدفاع الوكالة عن الفلسطينيين وخاصة تسجيلها لأحفاد اللاجئين، حيث ترى إسرائيل أن هذا يديم الصراع بل ويهدد وجود إسرائيل، لأنه يدعم فكرة أن هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين لهم الحق في العودة يوما ما إلى إسرائيل، وهو أمر ترفضه إسرائيل من حيث المبدأ.

ومع ذلك، فإن علاقات "الأونروا" مع إسرائيل أكثر تعقيدا بكثير مما يقترحه كثير من منتقدي الوكالة في إسرائيل والولايات المتحدة، ومن منظور عملياتي، فإن إسرائيل، استفادت بشكل كبير من تواجد “الأونروا” لأنها تقدم خدمات كانت تقع على عاتق إسرائيل منذ أن استولت على هذه الأراضي.

وعلى الرغم من أن بعض السياسيين في إسرائيل دعوا باستمرار إلى إنهاء عمل "الأونروا"، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية اعتمدت منذ فترة طويلة على دور "الأونروا" في تحقيق الاستقرار وقدرتها على تقديم المساعدات، وكانت العلاقات مع قوات الدفاع الإسرائيلية مثمرة بشكل عام ولكن غير يوم 7 أكتوبر هذه الحسابات. 

وتتضمن خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لغزة ما بعد الحرب، تفكيك “الأونروا”، لكن فكرة وجود أي بديل، على الأقل في المدى القصير إلى المتوسط، هي فكرة قد تختلف معها بشدة الأمم المتحدة ومعظم المانحين والفلسطينيين.

ويعد استبدال كيان يقدم خدمات شبيهة بالدولة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة ليس بالأمر السهل القيام به، وبعيداً عن المخاطر الواضحة المتعلقة بغزة والضفة الغربية، هناك أيضاً القضية الأقل مناقشة والتي تتعلق بكيفية تأثير التغييرات في ولاية "الأونروا" على الأردن ولبنان وسوريا.

وستكون هناك أيضاً تداعيات سياسية هائلة، بما في ذلك بالنسبة لدولة مثل الأردن، التي لا يوجد بها عدد كبير من السكان الفلسطينيين فحسب، بل لديها أيضاً معاهدة سلام مع إسرائيل، ولذلك، فإن التفكير في ما قد يتطلبه الأمر لاستبدال "الأونروا" يتطلب مواجهة عقبات سياسية ولوجستية كبيرة.

في غزة وحدها، يعني ذلك إما تقليص أو استبدال الموظفين والإدارة في 22 عيادة صحية، ويعني ذلك إيجاد موظفين جدد لـ183 مدرسة تخدم حوالي 286 ألف طالب، وفي جميع أنحاء المنطقة، فإنه سيؤثر على أكثر من 500 ألف طالب و140 عيادة صحية يتم خدمتها بشكل مباشر من قبل الأونروا، ولم تقم أي وكالة تابعة للأمم المتحدة على الإطلاق بتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم على أساس عاجل.

ورغم أن ذلك ممكن من حيث المبدأ، فإنه من الناحية العملية سيتطلب جهدا ووقتا هائلين، وسيكون مكلفا للغاية، وسوف تواجه مقاومة شرسة من قبل القيادة الفلسطينية وكذلك المستفيدين أنفسهم.

الخيار الأقل سوءاً

تعد الأونروا "مطلوبة"، ويعود ذلك جزئيا إلى واقع تساعد على استدامته، وهذا أيضًا يترك الجهات المانحة مسؤولة عن قائمة متزايدة من الخدمات التي كان من الممكن، وربما كان ينبغي، أن تمولها أو تتولاها جهات أخرى، بما في ذلك السلطة الفلسطينية والبلدان المضيفة للاجئين الفلسطينيين.

بالنسبة لأغلب الجهات المانحة التي تدعم الإصلاح، فإن السؤال يدور حول الحكمة من القيام بذلك الآن، في خضم أزمة إنسانية ملحمية، ولهذا السبب يحاول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يائسا تجنب نفاد تمويل الأونروا أو تفكيكها.

وأظهر التاريخ أن حجب التمويل لم يجبر “الأونروا” على التغيير أو يتسبب في زوالها، عندما قطعت إدارة ترامب التمويل، عوض المانحون الأوروبيون وغيرهم النقص، واليوم، وفي إطار الاستجابة للأوضاع المتدهورة بسرعة في غزة، استأنفت كندا والسويد وأستراليا تمويلها حتى الآن، 

ويمكن أن يؤدي إنهاء التمويل الأمريكي للأونروا بشكل دائم إلى إزالة النفوذ الأمريكي أو إضعافه.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية