أوروبا تغلق أبوابها.. إصلاحات الهجرة الجديدة تُلقي بظلالها على آمال اللاجئين العرب
أوروبا تغلق أبوابها.. إصلاحات الهجرة الجديدة تُلقي بظلالها على آمال اللاجئين العرب
في خطوة تاريخية تُعيد رسم خريطة الهجرة واللجوء في القارة العجوز، أقرّ الاتحاد الأوروبي حزمة إصلاحات جديدة تُشدّد قبضته على حدوده وتُلزم الدول الأعضاء بتقاسم مسؤولية استقبال الوافدين.
يأتي هذا القرار بمثابة زلزال يضرب آمال اللاجئين العرب الفارين من ويلات الحروب والاضطهاد، تاركين وراءهم ديارهم بحثًا عن الأمان والحياة الكريمة، وتشير التقديرات إلى أن الإصلاحات الجديدة ستُقلّص بشكل كبير عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بدخول أوروبا، ما يُهدد بزيادة معاناة الملايين الذين يعيشون في ظروف مزرية في مخيمات اللجوء داخل وخارج القارة.
وأقرّ الوزراء الأوروبيون بشكل رسمي، في اجتماعهم مؤخراً في بروكسل، نحو عشرة قوانين تشكل ميثاق الهجرة واللجوء، حيث سيبدأ العمل بمعظمها في عام 2026.
تتألف خطة الإصلاح من عشرة تشريعات، حظيت بدعم أغلبية كبيرة من دول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، صوتت كل من المجر وبولندا ضد الخطة بأكملها، بينما عارضت دول مثل النمسا وسلوفينيا بعض البنود المحددة.
الإصلاحات الجديدة هي نتاج أعوام من النقاش الحاد، وتعرضت لانتقادات من أولئك الذين يرغبون في تقييد الهجرة ومن النشطاء الذين يسعون لتسهيل دخول اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
أمام الدول الآن عامان لإقامة منشآت حدودية لاستضافة جماعات معينة من طالبي اللجوء أثناء خضوعهم للفحص، ولإعادتهم إلى بلادهم في حال ثبت عدم أهليتهم للحصول على صفة اللجوء، وستتمكن الدول التي تتلقى عدداً كبيراً من طلبات اللجوء من المطالبة بإرسال طالبي اللجوء إلى دول أوروبية أخرى.
وتتضمن الإصلاحات الجديدة بنودًا صارمة، مثل نظام “الفرز المسبق” حيث سيتمّ تقييم طلبات اللجوء في مراكز استقبال خارج حدود الاتحاد الأوروبي، ما قد يُعيق وصول العديد من اللاجئين المستحقين للحماية، وكذلك آليات إعادة توزيع "إلزامية" إذ ستُصبح الدول الأعضاء ملزمة بقبول حصة من اللاجئين، ما قد يُثقل كاهل بعض الدول ويفاقم التوترات الداخلية.
وكذلك تعزيز عمليات "الترحيل"، إذ ستُصبح عمليات إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية أكثر سهولة، ما قد يُعرّض بعض اللاجئين للخطر.
في خضمّ هذه التطورات المُقلقة، أطلقت المنظمات الإنسانية والحقوقية صرخات إنسانية تحذر من مخاطر هذه الإصلاحات على حياة ومستقبل اللاجئين، ففي الوقت الذي تُناضل فيه الدول العربية لمواجهة تحدياتها الداخلية، تطالب هذه المنظمات بضرورة تعاون دولي حقيقي لتقاسم مسؤولية اللاجئين بشكل عادل، ودعم الدول العربية في جهودها لدمجهم في مجتمعاتها.
ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تجاوز عدد اللاجئين السوريين في العالم 6.7 مليون شخص حتى عام 2023، مع وجود نحو مليون منهم في أوروبا، أما اليمن، فقد أسفر النزاع المستمر فيه عن تشريد أكثر من 4 ملايين يمني داخلياً، ونزوح الآلاف إلى الخارج.
وفي ليبيا، أدى الصراع المستمر إلى نزوح حوالي 1.3 مليون شخص، مع آلاف اللاجئين الذين حاولوا الوصول إلى السواحل الأوروبية عبر البحر المتوسط.
ويرى خبراء أن إصلاحات الهجرة الجديدة للاتحاد الأوروبي تمثل منعطفًا خطيرًا في مسار التعامل مع قضية اللاجئين، بينما تُغلق أوروبا أبوابها أمام الفارّين من الحروب والاضطهاد، تصبح الدول العربية مجبرة على تحمل عبء إنساني هائل، وأن الوقت حان لتكاتف الجهود الدولية وتقديم حلول إنسانية تُراعي حقوق اللاجئين وتُسهم في تحقيق الاستقرار والأمن في جميع أنحاء العالم.
ضرر بالغ للدول العربية
وعلّق الحقوقي المغربي، حسن الزرداني بقوله: لا تقتصر تداعيات هذه الإصلاحات على اللاجئين أنفسهم، بل تمتد لتُلقي بظلالها القاتمة على الدول العربية المُجاورة للاتحاد الأوروبي، والتي تعاني من تدفق هائل للاجئين، فمن المتوقع أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى زيادة العبء على الدول العربية، فمع تقلص فرص إعادة توطين اللاجئين في أوروبا، ستضطر الدول العربية إلى تحمل مسؤولية أكبر في رعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية.
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست": قد يُؤدي وجود عدد كبير من اللاجئين في الدول العربية إلى تفاقم أزمة البطالة، ما قد يُؤدّي إلى احتكاكات اجتماعية واقتصادية، وربما صعوبة دمج اللاجئين في المجتمعات العربية ما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، ومن ثم تفاقم المشكلات الاجتماعية.
حسن الزرداني
نهج شامل لمعالجة أزمة الهجرة
وقال الحقوقي التونسي مصطفى عبدالكبير: وسط نداءات متزايدة للسيطرة على الحدود وتشديد القيود، يجب على الدول الأوروبية والمجتمع الدولي ككل إدراك أن المشكلة لا يمكن حلها من خلال هذا النهج فقط، وبدلاً من ذلك، هناك حاجة ملحة لتبني نهج شامل يركز على توفير الدعم الإنساني في دول المنشأ، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات والأزمات التي تدفع الناس إلى الهروب، وضمان توفير مسارات قانونية وآمنة للهجرة، فيجب على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية، زيادة دعم المنظمات الإنسانية والتنموية العاملة في دول المنشأ للمهاجرين، يشمل ذلك تقديم المساعدات الطارئة لضحايا النزاعات والكوارث الطبيعية، إلى جانب برامج التنمية طويلة الأجل لتحسين ظروف المعيشة والفرص الاقتصادية في هذه الدول.
وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست": ستسهم هذه الجهود في التصدي للأسباب الجذرية للهجرة القسرية وتقليل الحاجة إلى اللجوء إلى رحلات خطرة عبر البحر المتوسط، ويجب أن تتضمن استراتيجيات حل النزاعات والأزمات الوساطة السياسية، والضغط الدبلوماسي، وتقديم الدعم الاقتصادي والإنساني لتسوية المنازعات بشكل سلمي، كما يجب تعزيز جهود بناء السلام والمصالحة المجتمعية في المناطق المتضررة من الصراعات.
وتابع: إلى جانب الجهود السابقة، يجب على الدول الأوروبية والمجتمع الدولي توفير مسارات قانونية وآمنة للهجرة، كذلك تطوير برامج للعمالة المؤقتة والاستقرار الدائم، مع ضمان حماية حقوق المهاجرين واحترام كرامتهم الإنسانية، كما يجب توسيع نطاق إعادة التوطين للاجئين وزيادة الفرص أمام طالبي اللجوء للوصول إلى أراض أوروبية بطرق آمنة.
واختتم عبدالكبير بأن معالجة أزمة الهجرة بشكل فعال وبطريقة شمولية هي الطريق المثلى لمنع العديد من الأزمات والتداعيات بطريقة إنسانية وعادلة.
مصطفى عبدالكبير
توفير مسارات قانونية وآمنة للهجرة ضرورة ملحة
بدوره، علّق أستاذ القانون الدولي الدكتور نبيل حلمي قائلًا: بشكل عام، يعد توفير مسارات قانونية وآمنة للهجرة أمراً حيوياً لحماية حقوق الإنسان، والحد من المخاطر والانتهاكات، وتعزيز التنمية المستدامة والتكامل الاجتماعي على الصعيدين الوطني والدولي.
وأوضح أستاذ القانون الدولي في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هناك تحديات قانونية عديدة تواجه توفير مسارات آمنة للهجرة، من أبرزها التنظيم القانوني والسياسات الوطنية للهجرة والتي تختلف من دولة إلى أخرى، ما يصعب التنسيق وتوحيد المعايير والإجراءات، وقوانين الهجرة المقيدة لا تزال موجودة في كثير من الدول، ما يحد من فرص الحصول على تأشيرات وإقامات قانونية.
الدكتور نبيل حلمي
ولفت إلى أن التعقيدات البيروقراطية تجعل عمليات التقديم على التأشيرات والإقامات معقدة وطويلة، ما يجعل من الصعب على المهاجرين الوصول إلى هذه المسارات القانونية، منوهاً بأن القيود الأمنية والسياسية تُفرض أحياناً بحجة الحفاظ على الأمن القومي، ما يضعف إمكانية توفير مسارات آمنة، كذلك التمييز والعنصرية ضد المهاجرين لا تزال مشكلة في بعض المجتمعات، ما يعوق جهود توفير مسارات قانونية وآمنة للهجرة.
وأتم: تضارب المصالح بين الدول قد يؤثر على إرادتها في توفير مسارات آمنة للهجرة ومواجهة هذه التحديات القانونية تتطلب جهودًا منسقة على الصعيدين الوطني والدولي لتحقيق توازن بين السيادة الوطنية وحقوق الإنسان للمهاجرين.