تشريع ألماني لحماية الأطفال.. هل يكون طوق نجاة لمنع الاستغلال والعنف الجنسي؟
تشريع ألماني لحماية الأطفال.. هل يكون طوق نجاة لمنع الاستغلال والعنف الجنسي؟
مع كشف عدد من التقارير الحقوقية عن تعرض أكثر من 50 طفلًا يوميًا للاعتداء الجنسي في ألمانيا، اتجهت الأنظار لتشريع جديد أقره البرلمان لتعزيز حماية الأطفال من العنف الجنسي في بلد أوروبي ينتظر حكومة جديدة، وينغمس في مواجهة تداعيات حرب أوكرانيا التي دفعت أوروبا في أزمات عديدة.
ووفق تقديرات غير رسمية، يتواجد في ألمانيا نحو 10.5 مليون طفل، إذ صادقت ألمانيا على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 1992، وألزمت نفسَها باحترام حقوق الأطفال والشباب وحمايتها وضمانها، وينطبق ذلك على جميع الأطفال في ألمانيا، بغض النظر عن وضع إقامتهم.
وفي ألمانيا نحو 40 بالمئة من الأطفال دون سن 5 سنوات ينحدرون من أصول أجنبية، فيما تعد مكاتب رعاية رعاية الشباب على مستوى البلديات أحد أبرز الجهات المسؤولة عن حقوق الطفل في ألمانيا، إلى جانب وجود أكثر من 560 مكتبا لشؤون الشباب في ألمانيا معنيا بمتابعة تلك الحالات.
وفي عام 2021، نفذت مكاتب رعاية الشباب في ألمانيا ما يقرب من 198 ألف إجراء لتقييم المخاطر على رعاية الأطفال، وهي النسبة الأعلى خلال السنوات على الإطلاق، وفي العام نفسه بدأت محاكم الأسرة ما مجموعه 28 ألفا و600 إجراء، حول أطفال وشباب استوجب تدخل المكتب ومحكمة الأسرة لحمايتهم.
وفي ألمانيا، تعتبر مسألة رعاية الأطفال والشباب مسألة مهمة للغاية، حيث أنفقت عليها الدولة عام 2020 ما بلغ نحو 59 مليار يورو، سواء على شكل معونات أو نفقات دور الرعاية، بحسب تقارير رسمية صادرة من الحكومة الألمانية.
تشريع حاسم
وبجانب الإجراءات الحثيثة تلعب القوانين دورا حاسما آخر، إذ وافق المشرعون الألمان بالإجماع على قانون جديد يهدف إلى تعزيز حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية، من خلال إنشاء هياكل متطورة لدعم التحقيقات وتوفير حماية أكبر للضحايا، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية.
ويشمل القانون الذي أقره البرلمان تدابير إضافية لتعزيز دور المفوض المستقل المعني بقضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال، إلى جانب دعم الناجين وضمان حقوقهم القانونية، فضلا عن إلزامه الحكومة الألمانية المقبلة، التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية في 23 فبراير الجاري، بإشراك المفوض المستقل في جميع الإجراءات التشريعية المتعلقة بحماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية.
ويقدم المفوض حسب القانون تقريرا سنويا إلى البرلمان الألماني، يسلط الضوء على نقاط الضعف في القوانين الحالية والقضايا التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا، إذ تعد أحد أبرز بنود القانون الجديد، تسهيل وصول ضحايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال إلى الملفات القضائية التي قد تكون مرتبطة بقضاياهم، مما يعزز الشفافية ويساعد في توفير العدالة للضحايا.
وتأتي تلك الخطوة التشريعية، فيما أكدت وزيرة الأسرة الألمانية، ليزا باوس، أن القانون يأتي في إطار جهود حكومية مستمرة لحماية الأطفال، مضيفة أن القانون الجديد يمثل خطوة حاسمة في تحسين آليات الحماية والدعم للضحايا، لا سيما أن أكثر من 50 طفلًا في ألمانيا يتعرضون يوميًا للاعتداء الجنسي، مضيفة: "نبذل كل ما في وسعنا لمنع هذه الجرائم ومعالجتها ومكافحتها بكل الوسائل المتاحة".
وقضية الاعتداءات ضد الأطفال في هذا البلد الأوروبي تعود لسنوات، إذ يقول معارضون إن ألمانيا تفشل في حماية أطفالها بما يكفي، خاصة وأن الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة من العيار الثقيل، لكن حالات الاعتداء تزداد بشكل مروع.
ويكشف المحققون الألمان عن وجود شبكات لنشر المواد الإباحية للأطفال في ألمانيا، حيث تعاملت الشرطة في 2019 مع أكثر من 12.000 حالة لمواد إباحية للأطفال، وهي نسبة تفوق 65 بالمئة على النسبة المسجلة في 2018.
وأشارت تقارير في يونيو 2022، إلى أنّ العنف الجنسي أيضاً ينتشر في المدارس الألمانية، إذ تقدر السلطات الألمانية أنّ طالباً أو اثنين في كل فصل دراسي يتأثر بالعنف الجنسي، حيث ارتفع عدد الأطفال أو المراهقين الذين يتبين أنهم يشاركون مثل هذه المواد على وسائل التواصل الاجتماعي عشرة أضعاف منذ عام 2018 وشكلوا أكثر من 14500 حالة في عام 2021.
خطوة إيجابية
وقالت مديرة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، الحقوقية انتصار السعيد، إن "إقرار هذا القانون الجديد في ألمانيا يعد خطوة إيجابية تعكس الالتزام بحماية الضحايا ولكن يتطلب تطبيق هذه السياسات بفعالية في المجتمع تضافر جهود جميع الجهات المعنية من الحكومة إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية".
وأضافت “السعيد” في تصريح لـ"جسور بوست": "بالنسبة لألمانيا رغم أنها من الدول المتقدمة في حماية حقوق الإنسان ولديها نظام قانوني قوي، فإن مشكلة العنف والاعتداءات الجنسية على الأطفال والنساء لا تزال موجودة بنسب مرتفعة".
وعزت أسباب ذلك إلى أن معظم الضحايا يواجهون صعوبة في الإبلاغ عن الاعتداءات بسبب الخوف من الفضيحة أو العواقب الاجتماعية، وهذه السرية المجتمعية ثقافة قد تبقي القضايا مخفية رغم وجود قوانين قوية، إلى جانب الأنماط الثقافية والاقتصادية التي قد تساهم في تفشي العنف، مثل الضغط النفسي والبطالة والمشاكل الأسرية، التي يمكن أن تخلق بيئة قد ترفع من حالات العنف.
وتابعت انتصار: "الاختلافات في التطبيق على الأرض رغم وجود قوانين وتشريعات متطورة، فإن تطبيق هذه القوانين يظل أمرًا صعبًا في بعض الأحيان، بسبب نقص الموارد أو اختلاف درجات التفاعل بين الأجهزة القانونية والمؤسسات الاجتماعية مع القضايا في المجتمعات المختلفة".
القوانين وحدها لا تكفي
من جانبه، أكد المحامي رضا الدنبوقي، المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، أن القوانين لها القدرة على تحقيق المصلحة العليا للأطفال، خاصة وأن هذه المجتمعات تضع حقوق الإنسان في مقدمة اهتماماتها، وهذا ما ينعكس في القانون الألماني الجديد الذي يهدف إلى تعزيز حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية، من خلال إنشاء هياكل متطورة لدعم التحقيقات وتوفير حماية أكبر للضحايا الناجين من العنف.
وأوضح الدنبوقي في تصريح لـ"جسور بوست" أن القوانين وحدها لا تكفي لحماية المرأة والأطفال، بل يجب أن تكون هناك جهود مشتركة من قبل الحكومات والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية لتعزيز الوعي حول هذه القضايا وتوفير الدعم للضحايا".
وأشار إلى أنه في ألمانيا يُعتبر العنف الأسري والجنسي جريمة يعاقب عليها القانون، فمثلاً المادة 176 من قانون العقوبات الألماني (StGB) تحظر الاعتداء الجنسي على الأطفال وتعاقب عليه بالسجن لمدة تتراوح بين 3 سنوات و15 عاما.
وأوضح رضا الدنبوقي أن الدستور الألماني (GG) يحمي حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والسلامة الجسدية، فالمادة 2 من الدستور الألماني تنص على أن "كل شخص له الحق في الحياة والسلامة الجسدية".
ورغم وجود هذه القوانين والتنظيمات، لا يزال العنف الأسري والجنسي يمثل مشكلة كبيرة في ألمانيا، فوفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، يتعرض العديد من الأطفال والنساء للعنف الأسري والجنسي كل عام، بحسب قوله.
وأضاف الدنبوقي أن أسباب زيادة العنف ترجع إلى "قلة الوعي، والتهاون في حماية الأطفال من العنف الجنسي يؤدي إلى عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال، إلى جانب ضعف القوانين والتنظيمات التي تهدف إلى حماية الأطفال من العنف الجنسي".
وتابع: "ثقافة الصمت التي تنتشر في بعض المجتمعات المحلية في ألمانيا أدت إلى عدم الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي على الأطفال، حيث إن المجتمع الألماني رغم انفتاحه الظاهر فإنه مجتمع محافظ يخشى نقاش تلك الحالات أملا في عدم تعلقها بذاكرة الطفل من ناحية وخشية سؤال الأبوين أو القائمين على رعاية الطفل عن جريمة الإهمال وتعريض حياة الطفل للخطر من ناحية أخرى".
ومضى قائلا: "من المهم العمل على تعزيز الوعي حول هذه القضايا وتوفير الدعم للضحايا، وأن يستمر العمل على حماية حقوق المرأة والأطفال في ألمانيا والعالم أجمع، حيث إن حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ وثبت أن الجميع يتأثر".