عائدون مهما كان الثمن.. لبنانيون قرروا الرجوع لقراهم رغم الرفض الإسرائيلي

عائدون مهما كان الثمن.. لبنانيون قرروا الرجوع لقراهم رغم الرفض الإسرائيلي
لبنانيون قرروا الرجوع لقراهم في الجنوب

في وقت كان أبناء جنوب لبنان يستعدون للعودة إلى قراهم بعد انتهاء مدة اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يناير الماضي، فوجئوا بأن الدولة اللبنانية وافقت على تمديد ذلك الاتفاق حتى 18 فبراير المقبل. 

أثارت هذه الخطوة غضب المشتاقين إلى قراهم، فقرروا تنظيم مسيرات عودة شعبية غير آبهين بالتهديدات الإسرائيلية باستهدافهم، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 28 من العائدين خلال الساعات الأولى للعودة، فإنها ما زالت مستمرة وتلقى دعما شعبيا من قبل مشاركين يأتون من مناطق لبنانية عدة.

قال محمد حمود، من بلدة كفرملكي "نحن لا نعترف بتاريخ 18 فبراير، فتاريخنا هو يوم الأحد (27 يناير)، نحن لن ننتظر الـ18 فبراير لكي نصعد من تحركاتنا أو لكي يزيد إصرارنا على طرد الجيش الإسرائيلي من قرانا، المواجهة الشعبية بدأت وهي مفتوحة وبكل الطرق الممكنة". 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": "نحن الآن نقوم بإثبات وجودنا ولن نغادر، فوجودنا هو فعل مقاوم رغم سقوط جرحى وشهداء.. الناس تبني خيما وستبقى في أرضها مهما حاول الاحتلال منعها.. إن عودتنا هي انتصار بحد ذاته.. لم نهرب لأننا أصحاب الأرض والحق".

وتابع: "إن التهديدات الإسرائيلية متوقعة وهي لا تخيفنا ومهما سقط منا شهداء وجرحى فسنتسمر كوننا في مرحلة إثبات وجود، ونحن لدينا ثقة بالجيش اللبناني ونقدر تضحياته ونقدر مسعاه في تأمين حركة المواطنين في قراهم، فالجيش يتقدم والناس تمشي من خلفه، بحيث يكون هناك مواجهات مع جيش إسرائيل مسافة صفر أحيانا".

لا نخاف لكننا ننتظر

أما نسرين، وهي شابة جنوبية، فقالت "نحن لم نعد بعد بسبب الخطر، ولكن بالتأكيد ننتظر وصول 18 فبراير لنعود إلى قرانا، ومهما حاولت إسرائيل أن تبعدنا، سنبني منازلنا أجمل مما كانت، والناس عموما معنوياتها عالية، ولن تستسلم بسهولة، قريبا سنحتفل بالعودة، وسيكون لنا مستقبل أفضل كما نتمنى". 

وأضافت في حديث مع "جسور بوست"، "وبخصوص الدولة فنطلب منها أن تقف إلى جانب الشعب، كون أنه لا يكفي أن تطلق المواقف ورسائل الإدانة. وأما المجتمع الدولي فلا يعنينا موقفه أو كيف يفكر، فهو لا يقدم ولا يؤخر".

يذكر أن أهالي الكثير من القرى التي دخلها الجيش الإسرائيلي كانوا قد نصبوا خيما في عدد منها في رسالة تحد منهم إلى الجيش الإسرائيلي. 

لا ثقة بالمجتمع الدولي

بدوره، شدد عضو بلدية حولا الجنوبية، حسين قطيش، على عزيمة العائدين، قائلا "الناس مستمرة من دون كلل أو ملل.. فعلى الرغم من انشغال الناس بحياتها اليومية، فإنه ما يزال هناك زخم والناس لا تأبه بالمخاطر"، مضيفا "سنتابع حتى آخر نفس إلى أن نصل إلى قريتنا قبل 18 فبراير".

وأضاف قطيش في حديث مع "جسور بوست"، أنه في حال بقاء الجيش الإسرائيلي “فإننا سنستمر بخطواتنا وممكن أن يكون هناك تصعيد أكبر. وفي حال لم تقلل المقاومة عدم اتخاذ خطوات عسكرية، فسيكون هناك مبادرات فردية لمواجهة العدو.. بحيث يمكن أن يتم تشكيل جبهات مقاومة شعبية جديدة للتصدي العدو، إذ لن نسمح له بالبقاء في أرضنا مهما كان الثمن ومهما قدمنا من دماء”.

وعن مطالب الأهالي من الدولة، قال قطيش، "لدينا مطالب كثيرة من الدولة اللبنانية، هذا إن كان لدينا دولة أساسا. حتى الآن لم نر أحدا من الدولة، ولم يسأل أحد علينا إن كنا في حالة التهجير كنازحين أو حتى كأشخاص دمرت منازلهم..".

وتابع قطيش “البنى التحتية في قرانا دمرها العدو بالكامل.. لذا نريد من الدولة أن تقف إلى جانبنا لجهة توفير الخدمات العامة، كما نطلب منهم إن كان لديهم قدرة سياسية على الضغط على المجتمع الدولي، ولو أننا نشك في ذلك، من أجل وقف هذه الانتهاكات لكي يبقى لدينا بضعة منازل حتى 18 شباط فبراير”.

وختم حديثه بالقول، “بالنسبة للمجتمع الدولي فنحن لا نثق فيه نهائيا ولا بقراراته التي هي لم تكن يوما لصالحنا”.

يذكر أن ضغط أبناء قرى الجنوب على الجيش الإسرائيلي نتج عنه حتى الآن الانسحاب مما لا يقل عن 12 قرية، في وقت تستمر إسرائيل بالسيطرة على قرى أخرى وتهديد سكانها من العودة إليها.

كل الاحتمالات واردة 

ويرى الباحث والمحلل السياسي، قاسم قصير، أن "كل شيء وارد" لجهة احتمال تحايل إسرائيل على قرار وقف النار من أجل تمديده إلى ما بعد 18 فبراير. 

وأشار في حديث مع "جسور بوست" إلى أن "مصادر دبلوماسية في بيروت أكدت أن العدو سيلتزم بالاتفاق"، موضحا أن على الدولة "دعم ورعاية عودة الناس بكافة الوسائل وممارسة الضغط الدبلوماسي" لضمان عودة الناس إلى قراها.

ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة فلا يزال 112,076 شخصًا نازحين داخل لبنان على الرغم انتهاء الحرب.

إدانات لبنانية ودولية

رسميا، أكد رئيس الجمهورية جوزيف عون، دعمه عودة الجنويين إلى قراهم، داعيا إياهم إلى ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة اللبنانية، مؤكدا أن لبنان “متمسك بالانسحاب الإسرائيلي في 18 فبراير ويرفض المماطلة تحت أي ذريعة”.

وطالبت قيادة الجيش اللبناني، التي تواكب مسيرات العودة، المواطنين العائدين إلى الالتزام بالتوجيهات الصادرة في بياناتها، والتقيد بإرشادات الوحدات العسكرية المنتشرة، مشيرة إلى أنها تتابع الاعتداءات الإسرائيلية. 

وأدان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاعتداءات الإسرائيلية معتبرا أنها تشكل "انتهاكاً إضافياً للسيادة اللبنانية وخرقاً فاضحاً لترتيب وقف إطلاق النار"، مطالبا “باتخاذ موقف حازم لضمان تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.

انتهاك للقانون الدولي

وعلق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الأحداث في الجنوب معتبرا أن "استخدام القوة المميتة ضد المدنيين العائدين لمنازلهم انتهاك للقانون الدولي"، مضيفا أنه “يجب السماح للمدنيين بالعودة إلى قراهم في ظل ظروف طوعية وكريمة وآمنة”.

يذكر أن الخروقات الإسرائيلية التي سجلت منذ بداية وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024 تخطت الـ820 خرقا، كانت في معظمها تفجير منازل في عدد من القرى وتنفيذ غارات وقتل مواطنين، علما أن إسرائيل دمرت ما لا يقل عن 37 بلدة، معظمها دمرت تدميرا كاملا. 

ويقوم الجيش اللبناني بالدخول إلى قرى الجنوب تدريجيا لبسط سلطته فيها بالتنسيق مع الجهات الدولية المراقبة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه نهاية العام الفائت.

الدولة يجب أن تتحرك قضائياً 

حقوقيا، تحدثت المحامية والمختصة في القانون الدولي، ديالا شحادة، عن تقصير الدولة بحق العائدين، قائلة إنه "كما كان أداء الدولة اللبنانية فاشلا ودون الحد الأدنى المقبول خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على اللبنانيين وخاصة في الجنوب والبقاع وبيروت خلال الحرب، لجهة عدم حماية هؤلاء وعدم تأمين مراكز نزوح لائقة وكافية لهم على وجه السرعة لنقلهم إليها أو توفير الإرشادات والنصائح.. فإن هذا ينطبق أيضا في الوضع الحالي".

وأضافت شحادة في حديث مع "جسور بوست"، أنه “بمجرد ما أن تم استهداف مواطنين لبنانيين في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار.. كان لا بد من الدولة أن تمنع اللبنانيين من العودة إلى مناطقهم حتى تضمن عدم الاعتداء عليهم من قبل إسرائيل، ولكن الدولة تتصرف كما يتصرف في المجتمع الدولي حيث تكتفي بالتنديد، فمسؤولية الدولة ليست فقط في حماية مواطنيها عبر الإجراءات العسكرية، بل أيضا عبر الإجراءات الوقائية التي تحميه من التعرض للاعتداءات”.

وحول محاسبة إسرائيل على أفعالها التي تمارسها رغم وقف إطلاق النار فترى شحادة، أن “إسرائيل دولة احتلال ودولة إرهاب وإبادة جماعية وفصل عنصري، أي أنها دولة ذات جرائم ممنهجة وذات طبيعة دولية.. وأن استهداف المدنيين سواء كانوا عائدين إلى مدنهم أم لا، يقع في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وليس جرائم الحرب كون أنه لم يعد هناك نزاع مسلح قد تحتج به إسرائيل (لتبرير) وقوع أضرار بشرية.. بل هناك وقف لإطلاق النار من الجانب اللبناني من جهة واعتداء عسكري إسرائيلي متكرر من جهة أخرى على المدنيين”.

وأضافت "يمكن محاكمة إسرائيل على هذه الأفعال إذا شاءت الحكومة اللبنانية. إذ يمكن للحكومة أن توقع إعلانا بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأن تودع هذا الإعلان لدى قلم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.. علما أن هذا الإجراء ليس خارجا عن إطار عمل حكومة تصريف الأعمال (برئاسة نجيب ميقاتي) كونه من الإجراءات الضرورية القصوى للشعب اللبناني في هذه المرحلة".

وأشارت “شحادة”، إلى أنها تأمل “أن تقوم حكومة القانوني المخضرم القاضي نواف سلام (الرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة) بتأمين ملاذ قضائي معقول للمدنيين وأهالي الضحايا والمتضررين، عبر المحكمة الجنائية الدولية، كونها ليست فقط المرجع الذي يضمن المحاسبة بل أيضا الذي يضمن جبر الأضرار والتعويضات للمتضررين”.

وعما إذا كان هناك إمكانية للمواطنين اللبنانيين لتقديم شكاوى فردية عن الانتهاكات الإسرائيلية قالت شحادة، “إذا كانت المحاسبة لدى القضاء الدولي فلا يمكن للأفراد تحريك دعاوى ولكن يمكن لحكوماتهم أن تقبل باختصاص المحكمة على الجرائم الواقعة في أراضي الدولة (لبنان)، وفي هذه الحالة يمكن للدولة أو الدول الأعضاء في المحكمة أن يطلبوا من المدعي العام فتح تحقيقات، وأما جهة القضاء الوطني (خارج لبنان) والذي يتمتع باختصاص قضائي عالمي، فيمكن للمتضررين أن يرفعوا قضايا عن أنواع معينة من الجرائم أمام تلك المحاكم الوطنية”. 

وتابعت: “هذا ما رأيناه بالفعل في دول مثل ألمانيا وفرنسا وسويسرا وغيرها، حيث تمت محاكمة مجرمي حرب من سوريا مثلا، وبالتالي يمكن أن نرى نفس هذا الأمر يحدث تجاه جرائم ارتكبها مجرمو حرب إسرائيليون اليوم ضد الشعب اللبناني، ولكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تحدث من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون هناك أصحاب مصالح يحركونها عبر بالمحامين أو جمعيات حقوقية في تلك الدول. ولكن تبقى المحكمة الجنائية الدولية هي الخيار الأمثل لمحاكمة إسرائيل على جرائمها”.

وبحسب وزارة الصحة اللبنانية فإن الحرب الإسرائيلية على لبنان تسببت في استشهاد ما لا يقل عن 4040 شخصا وجرح أكثر من 16600 آخرين، بينما استشهد 83 شخصًا وأصيب ما لا يقل عن 228 آخرين منذ لحظة إعلان وقف إطلاق النار.

وأشارت تقديرات "البنك الدولي" إلى أن كلفة الخسائر المادية في لبنان بلغت نحو 8.5 مليار دولار، حيث بلغت الخسائر المباشرة نحو 3.4 مليار دولار، غالبيتها في الممتلكات والعقارات، مع تضرر أكثر من 100 ألف شقة سكنية بشكل كامل أو جزئي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية