تقرير: الجفاف الذي يجتاح المغرب نذير شؤم لإمدادات الغذاء العالمية

تقرير: الجفاف الذي يجتاح المغرب نذير شؤم لإمدادات الغذاء العالمية

 

تتوقع السلطات المغربية انخفاض محصول القمح الحالي جراء أزمة الجفاف دون مستوى 2.5 مليون طن، وهو أقل بكثير من المعتمد في الميزانية الوطنية، وأدنى مستوى للمحصول في المملكة منذ أزمة الغذاء العالمية عام 2007.

أما الواردات من القمح، فستكون 3 أضعاف هذه الكمية، حسب توقعات الحكومة الأمريكية، وهو الموسم الخامس من 6 مواسم ينخفض فيه الإنتاج دون الواردات بحسب تقرير لوكالة بلومبرج.

تشير هذه البيانات إلى تحولٍ واضح في قدرة المغرب على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، وإلى زيادة الإنفاق، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة فاتورة إعادة إعمار بقيمة 120 مليار درهم (12 مليار دولار) بعد زلزال سبتمبر المميت.

ورغم أن الدول المجاورة تستعد لجني محصولٍ أفضل من الحبوب هذا العام، فإن محاصيل مصر تأثرت أيضاً بشدة الحرارة، بينما عانت الجزائر وتونس من الجفاف العام الماضي.

يقول الباحث في "المعهد القومي للبحوث الزراعية" التابع للدولة عبدالرحيم حندوف: "يعيش قطاع الزراعة في مأساة، خاصة بالنسبة للحبوب. سنستورد كمية أكبر من القمح على المديين القصير والمتوسط لأن إصلاح الوضع سيتطلب وقتاً طويلاً".

ويوضح القائم بأعمال نائب المدير العام لـ"المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة" مايكل باوم، وهو منظمة لا تهدف للربح، أن موجات الجفاف المتتالية قلصت إنتاج المغرب السنوي من القمح اللين والقمح الصلب والشعير إلى 3 ملايين طن، مقابل 10 ملايين طن في موسم الأمطار قبل 3 سنوات.

هذا الوضع لا ينذر بغدٍ أفضل بالنسبة للفلاحين الذين يزرعون الطماطم والفلفل والفراولة والزيتون التي تملأ رفوف المتاجر الكبرى خارج المغرب.

فلا تزال الكردان، وهي أكبر منطقة زراعية مروية تبلغ مساحتها 10 آلاف هكتار، بدون مياه منذ نوفمبر، وسط انخفاض حاد في الاحتياطي الذي تحتفظ به معظم السدود الرئيسية في المملكة.

وفرضت السلطات قيوداً على صادرات البصل والبطاطس إلى غرب إفريقيا للمساعدة في دفع الأسعار نحو الانخفاض في السوق المحلية.

وزير الفلاحة محمد الصديقي صرح أمام أعضاء المجلس التشريعي في أبريل الماضي بأن زراعة الحبوب في البلاد انخفضت إلى 2.5 مليون هكتار هذا العام، مقابل 4 ملايين هكتار في السنوات الأخيرة.

وبينما يؤكد باوم أن "موجات الجفاف أصبحت أكثر تواتراً وأشد قسوة"، فإنها أيضاً تغذي التضخم في أسعار الغذاء، إذ يفيد أحمد العامري، عضو مجلس إدارة "تعاونية ريهام" في منطقة فاس-مكناس، وهي إحدى أكبر مؤسسات الإنتاج الزراعي، بأن سعر القمح الصلب ارتفع بنسبة 85% منذ عام 2020.

يعد المغرب من البلدان الرئيسية التي تستورد الحبوب من فرنسا، وأنفق 562 مليون يورو (602 مليون دولار) على الواردات العام الماضي، وفقاً لمكتب المحاصيل في منظمة "فرانس أغريمير" (FranceAgriMer).

ارتفعت العقود الآجلة لقمح الطحين المتداولة في باريس إلى أعلى مستوى لها في عام واحد في مايو، قبل أن تتراجع.

تفاقم الفجوة بين الريف والحضر

وفق التقرير يفاقم الطقس القاسي التفاوت الكبير في الدخل بين المناطق الحضرية والريفية، حيث فقد الريف العام الماضي ما يقدر بنحو 200 ألف وظيفة، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني إلى 13%.

ويعمل ثلثا مزارعي الحبوب على قطع أرض تقل مساحتها عن 3 هكتارات، ومعظمهم لا يملكون جراراً زراعياً، ولا يستطيعون شراء البذور أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية، ولا يحصلون على تمويل، ولا على الكثير من التدريب على تقنيات الزراعة البديلة، بحسب حندوف. مضيفاً: "أصبحت زراعة الحبوب مرادفاً للبؤس في الريف المغربي".

في ظل هذه الظروف، تعمل الدولة على التكيف. فهي تدفع ببرنامج لاستخدام الحراثة المحافظة على التربة في مليون هكتار بحلول عام 2030، وهي تقنية يمكن أن تزيد المحصول بحوالي 30% مع الحفاظ على خصوبة التربة ورطوبتها.

وتستخدم الحراثة المحافظة على التربة في مساحة 100 ألف هكتار حتى الآن.

وبحسب "المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية"، ومقره الرباط، فإن البرامج العامة خلال العقود الأخيرة "لم تخدم بعدالة الزراعات البعلية"، وبدلاً من ذلك قدمت إعانات كبيرة للمناطق المروية التي لم تتحكم في استهلاكها للمياه.

وأوصى المعهد بإعطاء الأولوية للإمدادات للمزارع الصغيرة التي "تساهم في الأمن الغذائي الوطني"، أي إطعام الناس لتجنب أي احتمال للاضطرابات.

المعهد، الذي أنشئ بموجب مرسوم ملكي، أضاف بتقرير صادر في فبراير: "تجد الزراعة المغربية نفسها في وضع حرج غير مسبوق".

الجفاف يضر بأهداف مشاركة المرأة

في الوقت عينه، يضر الجفاف ببرنامج المملكة لتعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد. فعلى مدى شهرين، لم تشترِ عائشة عواتشو و10 زميلات لها في العمل أي قمح صلب لصنع "الكسكس" الذي حصلت بسببه تعاونية "المرأة والعمل" التي تشتغل فيها على جائزة حكومية.

يرجع ذلك إلى أن الحبوب المعروضة كانت باهظة الثمن وذات جودة رديئة، على حد قولها. حيث وصل السعر إلى 7300 درهم للطن هذا العام، مقارنةً بحوالي 4000 درهم عندما افتتحت التعاونية عام 2014.

وتكسب النساء حوالي 500 درهم فقط في الشهر، ومعظمهن هن المعيلات الوحيدات لأسرهن.

وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.

وأكد خبراء في مجال البيئة خطورة حرائق الغابات والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية