صرخات اليأس.. كيف تؤثر الأزمات الإنسانية في نمط العنف ضد النساء عالمياً؟
صرخات اليأس.. كيف تؤثر الأزمات الإنسانية في نمط العنف ضد النساء عالمياً؟
تحت وطأة الأزمات.. كيف تتصدى المجتمعات للتحديات المتزايدة لحقوق المرأة؟
الحروب والأزمات.. نقاط التصادم حول حقوق المرأة في عصر الفوضى
بين اليأس والأمل.. كيف تقاوم منظمات حقوق المرأة العنف في ظل الأزمات؟
برلمانية سابقة: ازدياد العنف ضد المرأة في أوقات الأزمات يشكل تحدياً هائلاً يستدعي استجابة فورية وفعالة
حقوقية مصرية: ينبغي تعزيز الوعي والتثقيف بحقوق المرأة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات من العنف
في عالم يتطلع إلى مستقبل أفضل، تتراجع خطا الإنسانية في بعض مناحيه، حيث تبرز صورة مظلمة من المقاومة العنيفة لحقوق المرأة والحركات النسوية، هذا التراجع المتسارع، أشبه بالظل الذي يطارد الضوء، يعكس تزايدًا مقلقًا في المعارضة لحقوق النساء والفتيات عالميًا.
وكشف تقرير هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة عن أنشطة صندوق الأمم المتحدة الاستئماني لدعم الإجراءات المتخذة للقضاء على العنف ضد المرأة.
إن العنف ضد النساء والفتيات يشكل انتهاكًا جسيمًا ومنتشرًا على نطاق واسع لحقوق الإنسان، مما يؤثر فيهن على المستوى الفوري وطويل الأمد، بالإضافة إلى آثاره على الأسر والمجتمعات.
ووفقًا للتقرير الذي نُشر في "جسور بوست"، والذي تم عرضه في الدورة الـ56 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تبيّن أن هناك زيادة مقلقة في معارضة حقوق المرأة وردود الفعل العنيفة تجاه الحركات النسوية في مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة.
الأرقام لا تكذب، بل تروي قصة من الألم والقهر، في عام 2022، احتاج نحو 4 ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية، معظمهم من النساء والفتيات العالقات في دوامة الأزمات طويلة الأمد.
وفي هذا السياق، تتعرض 70% من النساء للعنف الجنساني مقارنة بـ35% في الأوقات العادية، ما يعكس تضاعف المعاناة في الأزمات.
البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة تعكس هذه الصورة القاتمة، في عام 2023، قدم الصندوق الاستئماني للأمم المتحدة لدعم الإجراءات المتخذة للقضاء على العنف ضد المرأة 24 منحة في 22 بلدًا ومنطقة، بلغت قيمتها الإجمالية 11.1 مليار دولار.
ومن بين هذه المنظمات، تعرف 75% بأنها منظمات لحقوق المرأة، وهو رقم قياسي، كما تعرف 92% بأنها منظمات تقودها نساء، مع أكثر من 61% من النساء في مناصب قيادية.
انتهاك جسيم لحقوق الإنسان
ووفقًا لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لعام 2023، فإن العنف ضد النساء والفتيات يمثل انتهاكًا جسيماً لحقوق الإنسان، يشبه الطاعون الذي يجتاح المجتمعات، له تداعيات فورية وطويلة الأجل على النساء والفتيات والأسر والمجتمعات بأسرها.
تصاعدت النزاعات وامتدت لأمد طويل، وزاد من تعقيد المشهد الأزمات المناخية والصدمات الاقتصادية.
هذا الخليط المتفجر من التحديات يجعل من حياة النساء والفتيات معركة يومية من أجل البقاء، ففي نيجيريا، تعرقل جهود "التحالف من أجل إفريقيا" لتطبيق قانون حظر العنف ضد الأشخاص بسبب المعارضة العنيفة، وفي الصومال، تزداد معاناة النساء في مخيمات المشردين مع تزايد حالات العنف الجنسي، وسط أوضاع أمنية متردية ونزوح جماعي نتيجة الجفاف والنزاعات.
هذه الظاهرة ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل هي قصص مأساوية لأمهات وزوجات وبنات يعانين تحت وطأة العنف والإقصاء.
ويرى محللون أنه وفي ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة الماسة إلى تمويل منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة التي تعمل كمنارات أمل وسط هذه العواصف، العالم اليوم يشهد حملات منظمة وممولة جيدًا ضد حقوق المرأة، تتسم بشراسة وردود فعل عنيفة، هذه الحملات التي تختبئ خلف "قيم" تقليدية، تهدف إلى السيطرة على الحياة الجنسية للمرأة وحقها في التحكّم بجسدها.
ساحة معركة
تاريخيًا، لطالما كانت حقوق المرأة ساحة معركة، فمنذ العصور القديمة وحتى إعلان ومنهاج عمل بيجين في عام 1995، ناضلت النساء ضد التمييز والعنف، ولكن، كما بيّن لنا التاريخ، فإن التقدم يترافق بردود فعل عنيفة.
اليوم، في ظل تصاعد الحملات المنظمة ضد حقوق المرأة، نشهد تكرارًا لهذا النمط التاريخي.
نضال تاريخي
على مر القرون، لعبت النساء دورًا حاسمًا في تشكيل مجتمعاتهن والوقوف في وجه القهر والظلم، رغم أن الكثير من قصصهن لم تروَ ولم تحظَ بالتقدير الذي تستحقه.
في العصور القديمة، كانت النساء غالبًا ما تُعتبر ملكية للرجل، سواء كان والدًا أو زوجًا في كثير من الحضارات القديمة، من مصر واليونان إلى روما والهند، كانت حقوق المرأة محدودة للغاية.
ولكن رغم ذلك، نجد أمثلة لنساء تحدين التقاليد والقوانين، مثل الملكة الفرعونية حتشبسوت التي حكمت مصر بيد من حديد، والفيلسوفة هيباتيا في الإسكندرية التي كانت رمزًا للعلم والمعرفة.
كانت هؤلاء النساء وأمثالهن استثناءات في مجتمعاتهن، ورموزًا للصمود والإرادة، ومع مرور الزمن ووصول العصور الوسطى، استمر التمييز ضد النساء بشكل كبير، حيث كانت المجتمعات الأبوية تفرض سيطرة صارمة على حياة النساء، ومع ذلك، شهدت هذه الفترة بروز شخصيات نسائية قوية مثل القديسة جان دارك في فرنسا، التي قادت الجيوش وأنقذت وطنها من الاحتلال.
مثلت جان دارك نموذجًا للمرأة القوية التي يمكنها أن تقود وتؤثر في مسار التاريخ، رغم محاولات النظام الذكوري تقليص دور النساء وحصرهن في أدوار ثانوية.
وفي العصور الحديثة، بدأت النساء في تنظيم حركات نسوية للمطالبة بحقوقهن والمساواة.
في القرن التاسع عشر، بدأت الحركات النسوية تأخذ طابعًا أكثر تنظيماً، حيث شهدت هذه الفترة ولادة حركات suffrage في الولايات المتحدة وأوروبا، التي طالبت بحق المرأة في التصويت والتعليم والعمل.
قادت هذه الحركات نساء مثل سوزان بي أنتوني وإليزابيث كادي ستانتون في أمريكا، وإميلين بانكيرست في بريطانيا، اللاتي ناضلن بلا كلل من أجل حقوقهن وحقوق أجيال النساء القادمة.
مع بداية القرن العشرين، بدأت النساء يحصدن ثمار نضالهن الطويل. حصلت النساء في العديد من الدول على حق التصويت، وبدأن المشاركة بشكل أكبر في الحياة العامة والسياسية.
ورغم هذه الإنجازات، لم يتوقف العنف ضد المرأة، بل استمر بأشكال مختلفة. العنف المنزلي، والتحرش الجنسي، والتمييز في العمل، كانت ولا تزال تحديات تواجه المرأة في كل مكان. في النصف الثاني من القرن العشرين، ومع تطور حقوق الإنسان، ازدادت حدة النضال ضد العنف الموجه ضد النساء.
اتفاقيات دولية
شهدت هذه الفترة توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية المرأة وتعزيز حقوقها، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1979.
وشهدت مؤتمرات عالمية مثل مؤتمر بكين عام 1995، الذي اعتبر حقوق المرأة جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ورغم هذه التقدمات الكبيرة، فإن القرن الحادي والعشرين لم يكن خالياً من التحديات، ما زالت النساء حول العالم يواجهن أشكالاً مختلفة من العنف والتمييز.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تتعرض واحدة من كل 3 نساء للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها، وفي مناطق النزاع، تستخدم النساء والفتيات كأدوات حرب، حيث يتعرضن للعنف الجنسي والاستغلال بشكل مروع. في السنوات الأخيرة، شهدنا تصاعدًا في الوعي بقضايا المرأة، بفضل حركات مثل #MeToo التي سلطت الضوء على انتشار التحرش والاعتداء الجنسي في جميع أنحاء العالم.
هذه الحركة وغيرها من المبادرات النسوية الحديثة تسعى إلى كسر حاجز الصمت وإعطاء النساء صوتًا للتحدث عن معاناتهن والمطالبة بحقوقهن، ومع تصاعد حدة النزاعات والأزمات الاقتصادية والسياسية في العالم، يتزايد خطر تعرض حياة النساء والفتيات للعنف.
تشير الإحصاءات إلى أن النساء في مناطق النزاع والأزمات الإنسانية يواجهن مستويات غير مسبوقة من العنف والاستغلال، كما أن الأزمات المناخية والصحية، مثل جائحة كوفيد-19، قد أدت إلى زيادة حالات العنف المنزلي واستغلال النساء والفتيات.
المرأة في خطر
وانتقدت الحقوقية والبرلمانية السابقة، ليلى حداد، الأزمة بقولها: "المرأة في خطر وكذلك المجتمع أجمع، يجب أن نعترف بأن ازدياد العنف ضد المرأة في أوقات الأزمات يشكل تحديًا هائلًا يستدعي استجابة فورية وفعالة من المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء، هذا النوع من العنف لا يقتصر على تأثيراته المباشرة على النساء والفتيات، بل يمتد ليؤثر على الأسر بأكملها وعلى المجتمعات بشكل عام، في حالات الأزمات، يتفاقم الضغط على الأسر والمجتمعات، مما يزيد من التوترات النفسية والاقتصادية، هذا التفاقم ينعكس على مستوى العنف ضد المرأة والفتاة، حيث يرتفع مستوى التعرض للعنف الجسدي والنفسي والجنسي نتيجة للظروف القاسية التي يمر بها الأفراد.
وتابعت “حداد”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، في الأوقات العادية، قد تكون هناك مؤسسات وبرامج للدعم النفسي والاجتماعي للنساء والفتيات المتعرضات للعنف، لكن في حالات الأزمات، تنخفض الخدمات المتاحة وتصبح غير كافية لتلبية الطلب المتزايد، مما يترك النساء دون حماية كافية.
وعن التأثيرات الاقتصادية السلبية، أضافت ليلى، يؤدي تفاقم الأزمات إلى تدهور الظروف الاقتصادية للأسر، مما يجبر النساء في بعض الحالات على تحمل مسؤوليات اقتصادية إضافية، هذا الوضع قد يزيد من التوترات في الأسرة ويؤدي إلى زيادة حالات العنف ضد المرأة، ولذا يجب تعزيز الوعي بأهمية حقوق المرأة والفتيات وخطورة العنف ضدهن في أوقات الأزمات، وتقديم تدريبات وورش عمل للمجتمعات المتضررة لتعزيز الوعي والاستجابة، ويجب توفير خدمات قانونية متاحة ومجانية للنساء والفتيات المتضررات من العنف، بما في ذلك التشريعات القوية والمناسبة لمكافحة العنف ضدهن، أيضًا زيادة التمويل لتقديم الخدمات الأساسية للنساء والفتيات في حالات الأزمات، مثل المأوى والرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي.
ليلى حداد
وأتمت، يجب أن نتذكر أن العنف ضد المرأة والفتاة ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو انتهاك حقوقي خطير يجب علينا جميعًا مواجهته والعمل على الحد منه بكل الوسائل الممكنة، التحديات الكبيرة التي تواجهنا تستدعي تعاوناً دولياً وجهوداً مشتركة لضمان حماية حقوق المرأة وتحقيق المساواة الجنسية في جميع أنحاء العالم.
حمايتهن تحدٍ كبير
وقالت الحقوقية المصرية، عزة سليمان: بدايةً، يجب أن نعترف بأن الحماية الفعالة لحقوق المرأة في أوقات الأزمات هي تحدٍ كبير يستدعي استجابة شاملة من القوانين الدولية والمحلية، وفي الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات الإنسانية، يتعرض النساء والفتيات لمخاطر عالية من العنف الجسدي والنفسي والجنسي، مما يزيد من التحديات التي تواجههنّ ويعزز من ضرورة حمايتهن بشكل فعال ومستدام، القانون الدولي يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز حقوق المرأة وحمايتها في الأوقات العصيبة.
وتابعت “سليمان” في تصريحات لـ"جسور بوست"، من المهم فهم كيفية تحقيق هذه الحماية من خلال الأطر القانونية المتاحة، مثل الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية التي تعالج قضايا العنف ضد المرأة بشكل شامل وفعّال، أولاً وقبل كل شيء، يجب أن تكون هناك تشريعات قوية تجرم جميع أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الأسري، والاغتصاب، والتحرش الجنسي، وكل أشكال العنف النفسي والاقتصادي، هذه التشريعات يجب أن تكون مدعومة بآليات فعالة لتنفيذها ومعاقبة المتورطين، مع توفير حماية فورية للضحايا.
وأضافت، ينبغي تعزيز الوعي والتثقيف بحقوق المرأة والفتيات، وذلك من خلال برامج تثقيفية وتوعوية في المدارس والمجتمعات، لزيادة الوعي بمخاطر العنف والطرق الآمنة للإبلاغ عنه والحصول على المساعدة، أيضًا تعزيز النظم القضائية لتكون أكثر استجابة وشفافية في معالجة حالات العنف ضد المرأة، بضمان الوصول السهل والمناسب للعدالة للضحايا دون تمييز أو تأخير.
عزة سليمان
واسترسلت، يجب تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والفتيات الناجيات من العنف، من خلال توفير خدمات الاستشارة والدعم النفسي المتخصصة، وإقامة مآوٍ آمنة للمحتاجات، أخيرًا، يجب على المجتمع الدولي والمحلي التعاون المشترك والمستمر لتعزيز حماية حقوق المرأة ومكافحة العنف ضدهن، بما في ذلك دعم وتمويل المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني التي تعمل في هذا المجال.
وأتمت، الحماية الفعالة لحقوق المرأة في أوقات الأزمات تتطلب تكامل الجهود بين القوانين الدولية والوطنية، وتعزيز الوعي والنظم القضائية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى التعاون الدولي المستمر ومتعدد الأطراف لمواجهة هذا التحدي الجسيم.