شابانا محمود.. باكورة الوزيرات المسلمات في تاريخ حكومات المملكة المتحدة
شابانا محمود.. باكورة الوزيرات المسلمات في تاريخ حكومات المملكة المتحدة
بابتسامة عريضة تملأ ملامح وجهها التي تجمع بين الأصول الباكستانية والنشأة الإنجليزية، رفعت شابانا محمود ذات الـ44 عاما، أسهم القبول والتنوع في المملكة المتحدة، بوصفها أول سيدة مسلمة تتولى منصب وزيرة العدل في تاريخ البلاد.
وشابانا محمود، صاحبة البشرة السمراء والملامح الآسيوية الحادة، هي بريطانية من أصل باكستاني كشميري، وعضوة في البرلمان من برمنغهام، وأول سيدة مسلمة تتولى منصب مستشارة المملكة المتحدة.
وفي حفل أقيم في مقر المحاكم الملكية للعدل في لندن، أدت شابانا محمود اليمين بصفتها اللورد المستشار بالبلاد، ووعدت بالدفاع عن سيادة القانون والحفاظ على القضاء مستقلا دون ضغوط أو تدخل.
وشاركت شابانا في تلك اللحظات التاريخية وهو تخطو بثبات وابتسامة تميزت بها أغلب صورها، إذ تلت بيانا قالت فيه إن "تعيينها بذلك المنصب هو أعظم شرف في حياتها"، لافتة إلى أنها قبل أن تكون سياسية كانت محامية تدرك التحديات العميقة التي تواجه النظام القضائي وتدرك العمل الشاق المنتظر.
ووفق القانون البريطاني، فإن اللورد المستشار هو وزير الدولة للعدل ووزير التاج المسؤول عن إدارة المحاكم والمساعدة القانونية في إنجلترا وويلز، وجاء تعيين شابانا محمود، عقب فوز حزب العمال المنتمية له بأغلبية الانتخابات البريطانية في يوليو الجاري.
ويعد تعيين شابانا محمود، بمثابة تتويج لحالة صعود أسهم التنوع والقبول داخل المجتمع البريطاني، وتكون ثاني أبرز الحالات هذا العام التي تشهدها المملكة المتحدة، بعد فوز الباكستاني المسلم صادق خان بمنصب عمدة لندن، في مايو الماضي، ليكون أول من يفوز بولاية ثالثة في منصبه على الإطلاق.
وشارك صادق خان، الفرحة مع ابنة بلاده، إذ دون عمدة لندن عبر حسابه بمنصة "إكس"، احتفالا بالدور الرئيسي الذي ستلعبه شابانا محمود في المملكة المتحدة، مشيدا بوعودها لدعم حقوق الإنسان والحفاظ على القضاء مستقلا.
سيرة ذاتية
وعبر موقعها الإلكتروني، تضع شابانا محمود جوانب مقتضبة من سيرتها الذاتية، وتبرز انتخابها كعضو في البرلمان عن دائرة برمنغهام في عام 2010، تلك الدائرة التي ولدت ونشأت في قلب مدينتها وكانت ترتاد مدرسة محلية فيها عندما كانت طفلة، قبل أن تشير لمحطة ثانية وتاريخية، وهي تعيينها في يوليو 2024 كمستشارة ووزيرة للدولة لشؤون العدل.
لكن بين الميلاد والمنصب التاريخي، سيرة ذاتية كبيرة سياسية واجتماعية، تظهر في نشاط امرأة ذات خلفية قانونية قادت معارك انتخابية وتحت قبة البرلمان لمواجهة التحديات، وتمكنت خلال سنوات معدودة أن تجد لفكرها موضع قدم بين أصحاب القرار بالمملكة المتحدة.
ووفق البيانات المُعلنة، ولدت شابانا محمود في 17 سبتمبر عام 1980، ونشأت في مدينة برمنغهام البريطانية، وتعود أصولها إلى إقليم كشمير في باكستان، وعاشت بعض طفولتها بالطائف السعودية، حيث كان والدها يعمل بإحدى الشركات، وتخرجت في كلية القانون في جامعة أكسفورد، وعملت بمهنة المحاماة.
وانتخبت شابانا محمود في انتخابات مجلس العموم للمملكة المتحدة لعام 2010 عن دائرة برمنغام ليديوود ممثلة لحزب العمال، حيث كانت رفقة روشانارا علي وياسمين قريشي، من أوائل النائبات المسلمات في المملكة المتحدة.
وبمسار نشاطها السياسي مع حزب العمال البريطاني، شغلت شابانا محمود عددا من المناصب الوزارية بحكومات الظل التي يشكلها الحزب، أولها في أكتوبر عام 2010، كوزيرة للشؤون الداخلية، كما أصبحت لاحقا وزيرة للأعمال والابتكارات، وفي عام 2013 تسلمت منصب وزير المالية بحكومة الظل.
وفي نوفمبر 2016، انتخبت شابانا محمود كنائب لرئيس منتدى السياسة الوطنية لحزب العمال، وبالشهر ذاته عارضت اقتراحًا في البرلمان لسحب الدعم البريطاني عن التحالف العربي بقيادة السعودية في تدخله عسكريًا باليمن.
وأعيد انتخاب شابانا محمود في الانتخابات المبكرة لعامي 2017 و2019، ومع الفوز الكاسح لحزب العمال في يوليو الجاري بالانتخابات العامة في المملكة المتحدة، أنهى الحزب 14 عاما من سيطرة المحافظين على السلطة، عبر إدارة 5 قادة مختلفين، وتم تعيين شابانا محمود بمنصب وزيرة العدل.
مواقف مضيئة
ولشابانا محمود، مواقف لافتة لا سيما بشأن القضية الفلسطينية، ففي أبريل الماضي، أكدت في لقاء لها مع صحيفة "التايمز"، أن "حزب العمال خسر ثقة المسلمين بسبب حرب غزة"، مشيرة إلى أن حزبها قد يجد صعوبة في إصلاح العلاقات مع المجتمعات الإسلامية، في إشارة إلى مواقفه إزاء حرب إسرائيل على غزة.
وتدعو شابانا محمود مرارا إلى وقف الحرب على قطاع غزة، على النقيض من مواقف كير ستارمر، زعيم حزب العمال والذي يدعم إسرائيل صراحة، ورغم ذلك لم يحول هذا الخلاف في اختيار الأخير لشابانا محمود لتولي منصب وزيرة العدل.
ومنذ اللحظة الأولى لتعيينها، اشتبكت الوزيرة الجديدة مع ملف السجون، لافتة في تصريحات حديثة خلال زيارة إحدى السجون في بريطانيا إلى أن السجون كانت تعمل بنسبة 99 بالمئة من طاقتها منذ بداية عام 2023، موجهة اللوم لحكومة المحافظين السابقة.
ووفق وزيرة العدل البريطانية، سيتم إطلاق سراح آلاف السجناء بموجب خطة جديدة بعد أن يقضوا 40 بالمئة من عقوباتهم، كما ستقوم الحكومة بتوظيف 1000 ضابط مراقبة بحلول مارس من العام المقبل، لحل أزمة الاكتظاظ التي تهدد بـ"انهيار تام للنظامين القانوني والأمني".
وبحسب تصريحات شابانا محمود، وصفت تلك الخطة بـ"الطريقة الوحيدة لتجنب الكارثة"، مضيفة أنه إذا نفدت الأماكن في السجون ستضطر المحاكم إلى تأجيل سجن الجناة، ولن تتمكن الشرطة من اعتقال المجرمين الخطيرين، وهي أزمة ستعرض الجمهور للخطر.
ووفق طرح شابانا محمود، فإنه اعتبارًا من سبتمبر المقبل ستخفض الحكومة بشكل مؤقت نسبة العقوبات السجنية التي يقضي أصحابها في السجن من 50 بالمئة إلى 40 بالمئة في إنجلترا وويلز، وسط تأكيدات حكومية بوضع ضمانات واستثناءات للحفاظ على سلامة الجمهور وخطط إطلاق سراح واضحة لإدارة الجناة بأمان في المجتمع.
وخلال الأيام الأولى من مباشرة عملها، نشرت وزارة العدل بالمملكة المتحدة، مقطعا مصورا لنشاط شابانا محمود، حيث التقت العاملين في قطاعي السجون والمراقبة، وقالت بكل وضوح إن "هناك تحديات عميقة تواجه النظام القضائي"، متعهدة ببذل مزيد من الجهد.
تنوع وشمولية
ويكشف المسار القانوني والسياسي لشابانا محمود، عن تنوع كبير دفع كثيرا من البريطانيين من أصول عربية وإسلامية إلى الوصول لمناصب عليا بالبلاد، إذ تفتخر لندن بتنوعها حيث يحدد 46 بالمئة من سكانها أنفسهم بأنهم آسيويون أو سود أو مختلطون أو آخرون.
وفي يناير الماضي، قال مكتب الإحصاء الوطني البريطاني (رسمي)، إنه من المتوقع أن يزيد تعداد سكان المملكة المتحدة 6.1 مليون نسمة بحلول عام 2036 بسبب الهجرة، ليصل إجمالي تعداد السكان إلى 73.7 مليون نسمة.
وتشكل الأقليات العرقية ثلث عدد السكان في المملكة المتحدة، حسب دراسة لمؤسسة "بوليسي أكستجانغ" نشرت في 2014، فيما نحو ربع المواليد الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات هم من الأقليات العرقية في بريطانيا، بينما كانت نسبة 95 بالمئة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 60 عاما من ذوي البشرة البيضاء.
ويعد تعيين البريطانية من أصل باكستاني شابانا محمود إنجازا كبيرا للمجتمع المسلم في المملكة المتحدة، حيث إنها تمثل علامة فارقة في تحقيق التنوع والشمولية في الحكومة البريطانية.