المفكر الفرنسي أوليفييه روا في حواره لـ«جسور بوست» (2-2): إيران حققت ذروة نفوذها في الشرق الأوسط.. والسلطة الفلسطينية فشلت في تمثيل شعبها
المفكر الفرنسي أوليفييه روا في حواره لـ«جسور بوست» (2-2): إيران حققت ذروة نفوذها في الشرق الأوسط.. والسلطة الفلسطينية فشلت في تمثيل شعبها
نموذج جماعة "الإخوان" فشل ولن يصل للحكم في العالم العربي مرة أخرى
الجيل العربي الجديد لا يؤمن بالدولة "الدينية الإسلامية".. والأحزاب المبنية على أساس ديني أصبحت لكبار السن فقط
حل الدولتين خيار يفتقد الاهتمام الدولي.. وسياسة الاستيطان الإسرائيلية خطأ كبير
الولايات المتحدة وافقت على عودة "طالبان" للحكم بعد إنجاز مهمتها في أفغانستان بقتل "بن لادن"
حاوره في فلورنسا- محمد الحمادي
في الحلقة الثانية من حوار العالِم السياسي الفرنسي أوليفييه روا -الأستاذ في الجامعة الأوروبية- بفلورنسا، مع "جسور بوست" أكد روا أن نموذج جماعة "الإخوان" فشل ولن يصل إلى الحكم في العالم العربي مرة أخرى، بعدما أفقد الجيل العربي الجديد الإيمان بالدولة "الدينية الإسلامية".
وأشار روا إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بالتضامن العربي المطلوب أو حتى الاهتمام الدولي الكبير.. وعلى صعيد الملف النووي الإيراني أوضح أن طهران تنتهج سياسة حافة الهاوية حيث تسعى إلى رفع العقوبات مع بقاء "الخيار النووي" مطروحاً.
لنتحدث عن "الإسلام السياسي"، وكما أعلم، أنت مهتم بهذا الشأن، ولديك كتبك في هذا الموضوع، هل ترى أن جماعات الإسلام السياسي قد انتهت؟
الأمر يعتمد على ما تقصده بـ"الإسلام السياسي" وإذا اعتبرنا أن المقصود هو نموذج جماعة "الإخوان" الحالية: نعم، لأنه ببساطة هذا النموذج قد فشل، وهذا ليس فقط لأنه تمت السيطرة عليهم في مصر، فقد تكرر هذا أيضاً عندما تولوا مقاليد الحكم في تونس والمغرب، فلا يوجد ما يسمى بالدستور الإسلامي، أو العدالة الإسلامية، لن ينجح ذلك. السياسة تغلب على الدين، وعندما يكون لديك ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية"، لا يعني ذلك أن مبادئ الإسلام سوف تحكم الدولة، بل على العكس، الدولة هي التي تتحكم في الإسلام، سواء كان ذلك في إيران، أو أي مكان تريده، حيث إن أغلب الأحزاب الإسلامية إما تتحول إلى أحزاب محافظة أو تنتمي ليمين الوسط، أو يفقدون بوصلتهم، ويصبحون غير قادرين على احتكار "الإسلام السياسي"، ويصبحون أحزاباً عادية، بنفس مستوى الأحزاب الأخرى، مع وجود بعض الفساد والانتهازية، ولن تكون لديهم هُوية حقيقية، وهذا يتضح بالنظر إلى الربيع العربي، حيث كانت المرة الأولى -منذ ثلاثين عاماً- التي نرى فيها مظاهرات في الشوارع، ولم ترفع المظاهرات شعارات مثل "القرآن دستورنا"، أو أنه يجب تطبيق الشريعة، فالجيل الجديد لا يؤمن بالدولة الإسلامية. والأحزاب الإسلامية، ومنها "الإخوان المسلمين"، هي أحزاب لكبار السن، وليس لديهم جيل جديد.
ترى كيف يستخدم المتطرفون الإسلاميون الديمقراطية، فمثلاً في أغلب الانتخابات في الشرق الأوسط، حققوا الفوز، ليس لأنهم الأفضل، ولكن ربما، لأنهم الأكثر تنظيماً ولديهم داعمون، وهذا ما حدث، ولقد مررنا بخبرات وتجارب معهم في تونس، ومصر، وبعد كل هذا التغيير وبعد تجربتهم، أصبحوا خارج السلطة من جديد، فهل تعتقد أنهم يمارسون الديمقراطية بطريقة صحيحة، مثلما تطبقها الدول الغربية؟ وهل يمكنهم تولي مقاليد السلطة وممارسة الحكم بطريقة ديمقراطية؟
نعم، هم يلعبون طبقاً لقواعد الديمقراطية، بغض النظر عن البلد، لكن في تونس، لعبوا في ظل الديمقراطية، ولم يكن من الواضح أن لهم خطة أو أجندة سرية، وإذا كانت لديهم أجندة سرية فمن الواضح أنها فشلت، وهم يلعبون طبقاً للقواعد المعروفة، لكن اللعب طبقاً للقواعد يعني أنك يجب أن تستسلم وتتخلى عن الحكم أحياناً، وأنت تعرف طبيعة الأيديولوجية الخاصة بشكل "الدولة الإسلامية"، وهكذا كان عليهم أن يصبحوا حزباً مثل الآخرين، وهذا جعلهم يفقدون جزءاً من التأييد والشعبية، لأن من يدعمونهم نوعان من الناس؛ الأول، هم من يؤمنون بالأيديولوجية الإسلامية وبحكم الشريعة، وقد أصيبوا بخيبة أمل، والنوع الثاني، وهم الأشخاص الذين صوتوا لصالحهم لأنهم الحزب الوحيد المنظم، لأنه لا يوجد أي أحزاب سياسية أخرى، وهؤلاء شعروا بإحباط شديد، بسبب عدم كفاءة الإخوان المسلمين بعد توليهم السلطة، لذا فإن الأمر ليس لعبة مزدوجة، فجزء من الإسلاميين لم تكن أيديولوجيتهم مناسبة أو تسمح لهم بانتهاج طريقة براغماتية لحكم البلاد، لذلك فقدوا تأييد الجانبين؛ من يؤيدون الأيديولوجية الإسلامية التي قالوا إنهم يمثلونها، وكذلك المؤيدون للديمقراطية الذين أرادوا طريقة جديدة في تعامل الحكومة مع أمور الحكم.
لنتحدث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نحن نرى التطبيع الذي حدث بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب خلال الفترة الماضية، هل تعتقد أن هذه هي بداية النهاية لهذا الصراع، أم أن هناك أي حل ضمن تلك العملية أو الفكرة؟
تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية ليس له علاقة بتحسن الوضع بالنسبة للفلسطينيين، وعلى العكس فإن ذلك هو نتيجة عدم اهتمام الرأي العام العربي بالقضية الفلسطينية، والأمر لا يقتصر على أن بعض الحكومات قررت التحدث مع إسرائيل على مستوى عالٍ، إنه أكثر من ذلك، وأنت تعلم أن القضية الفلسطينية باتت تحظى بتأييد أقل من جانب الرأي العام في كثير أو أغلب الدول العربية، لكن القضية الفلسطينية لا تزال تحظى بشعبية في المغرب وتونس، وتحظى بتأييد وتضامن رجل الشارع، ولكن في مصر، وفي السعودية، وفي الخليج، انتهت، ولا يوجد تضامن حقيقي مع الفلسطينيين والأسباب معقدة، لكن أحد الأسباب هو فشل السلطة الفلسطينية في تمثيل الفلسطينيين، أو فرض إرادة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لذا فإن التطورات الحالية في علاقات إسرائيل والدول العربية تعني ببساطة أن القضية الفلسطينية أصبح يُنظر إليها -في دول الخليج على سبيل المثال- على أنها قضية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وليست بين الدول العربية وإسرائيل.
الآن، بعد ما يقرب من 70 عاماً، كان هناك أسلوب لتعامل الدول العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية.. بعد كل تلك السنوات ما الطريقة المثلى لمعالجة تلك القضية؟ وما أفضل الأساليب للوصول إلى حل للوضع الحالي؟
أعتقد أن المجتمع الدولي، فقد التأثير القوي على إسرائيل، كما أنه أيضاً غير مهتم بممارسة أي ضغوط عليها.. بالطبع الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يلومون إسرائيل بشكل منتظم بسبب الاعتداء على حقوق الإنسان في فلسطينيين أو حتى عرب إسرائيل، لكن الأمر لا يتعدى ذلك، وما من دولة تريد حقاً ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل، ولهذا، أصبحت القضية الفلسطينية قضية إسرائيلية، ولا يعني ذلك أن الأمر محبط، لكنه يعني أن الصراع داخلي، في مساحة الأراضي التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون، ونعرف طبعاً وجهة النظر الإسرائيلية، فإسرائيل تريد الحصول على السلام وتحويل الفلسطينيين إلى أقلية صغيرة، أو كما تعلم، (إلى مواطنين من الدرجة الثانية)، لكنّ هناك أناساً آخرين في إسرائيل يعتقدون أنه يجب علينا إعادة التفكير في الرابط بين الفلسطينيين وإسرائيل، ولا أعتقد أن حل الدولتين الآن يحظى باهتمام أحد، لا أحد يهتم حقاً بحل الدولتين فكيف نعطي الفلسطينيين حقوق المواطنة داخل إسرائيل، هذه هي القضية بالنسبة لي، سواء في مناطق حكم ذاتي أو في تصور شكل من أشكال التكامل السياسي، لا أعرف بالتحديد، وأعتقد أن سياسة الاستيطان بالنسبة لإسرائيل، خطأ؛ لأنهُ سينتج عنها تغيير ديموغرافي، وبالتالي إخلال بالتوازن الديموغرافي، وعاجلاً أم آجلاً سيكون لدينا جيل جديد من الفلسطينيين مؤمنين بالقومية الفلسطينية، وليست لديهم فرصة للمشاركة السياسية.
لنتحدث قليلاً بشأن منطقتنا العربية، ربما عندما نطالع الخريطة، نرى أن لدينا مشكلات كثيرة من حولنا في أفغانستان وإيران وفي تركيا لديهم بعض المشكلات، وما أتحدث عنه يوجد على حدود الدول العربية، وخاصة في أفغانستان، ما رأيك في التغييرات الأخيرة بعد تولي طالبان مقاليد الحكم في أفغانستان؟ هل تعتقد أنهم سيدفعون أفغانستان إلى الأفضل؟
لا نعلم بعد.. لقد أصبحت "طالبان" في موقع المسؤولية، وأصبحوا كذلك لأن الأمريكيين سمحوا لهم بتولي زمام الأمور، وقد قرر الأمريكيون عدم معارضة تولي "طالبان" السلطة، ويجب أن ننظر إلى الصورة الأكبر، فالأمريكيون والغرب، وقوات الناتو، تدخلوا في أفغانستان بسبب أحداث 11 سبتمبر، وليس بسبب "طالبان"، وعندما قتل أسامة بن لادن عام 2011، تم إنجاز المهمة، وأصبح التساؤل بين الأمريكيين: ماذا نفعل في أفغانستان؟ نبني الدولة أم نساعد مجتمعاً؟ هذا ليس عملنا أو اختصاصنا، وعلى اعتبار أنه ليس لديهم ما يفعلونه في أفغانستان، تفاوضوا مع "طالبان" ولم يفعلوا شيئاً لمنع "طالبان" من تولي زمام الأمور، وانتهى الأمر.
والآن لا نستطيع إلا أن نعترف بقوة "طالبان"، لقد أعطيناهم مفاتيح أفغانستان، لذلك ستكون أزمة كبيرة إذا قلنا لهم "لا نريد التحدث إليكم".
النقطة الثانية، هي أنه لا توجد معارضة حقيقية في أفغانستان، بالطبع توجد معارضة في المجتمع المدني، ولا سيما المجتمع المدني في كابول، والطبقة الوسطى، وبالتالي هناك معارضة ثقافية قوية لطالبان، لكن لا توجد معارضة سياسية أو عسكرية، وانتهى النظام القديم لأنه كان فاسداً، والآن أفغانستان في وضع صعب جداً من الناحية الإنسانية، وتعاني البلاد من مشكلات مثل الجوع.
وبالنسبة إلى طالبان، فلديهم تحديات كثيرة، ومن الناحية الجيوستراتيجية هم لا يدعمون الإرهاب في الخارج، فهم يقاتلون تنظيم "داعش" مثلما يحدث في الغرب، و يعترفون بالحدود، وقد تعهدوا بعدم التدخل خارج الحدود الوطنية لأفغانستان، لذا يريدون من الغرب أن يفتح السفارات في كابول ويقيموا علاقات دبلوماسية، بالإضافة إلى التفاوض، ومن جهة أخرى، لا يمكننا منحهم السلطة في كابول، ثم نقول لهم إننا لن نتحدث معكم، هم الآن في موقع المسؤولية، وعلينا أن نتفاوض معهم، والواقع أن أساس المفاوضات واضح جداً، وهو إذا لم يتسببوا بأي مشكلات خارج حدودهم، فسيكون الأمر لا بأس به بالنسبة لنا.
هل ترى أن الانسحاب الأمريكي وضع أفغانستان على طريق أفضل؟
لقد كان الأمر فوق الاحتمال، بسبب مشكلات القوات الأمريكية في أفغانستان، فهم لم يعرفوا ماذا كانوا يفعلون هناك، فإذا كانوا يحاربون الإرهاب، فإن الإرهاب قد انتهى، وإذا كانوا يحاربون طالبان فلماذا تلك الحرب؟ فالحركة تقود تمرداً، والأمريكيون لم يرغبوا في مكافحة التمرد، لقد أرادوا دعم الحكومة في كابول، لكنها كانت فاسدة، فلماذا ندعم حكومة فاسدة؟ لم يكن لذلك معنى، لذا أعتقد أن قرار الأمريكيين بالانسحاب منطقي، ولا يعد هزيمة، فلم يكن لديهم ما يفعلونه، ولم تكن هناك مقارنة بينه وبين الانسحاب من مدينة سايجون بفيتنام في عام 1975، وربما شجع ذلك بوتين على الهجوم على أوكرانيا، لأنه اعتقد أن الأمريكيين لن يتدخلوا، ومن الناحية السياسية، لم ينجح الأمريكيون في إدارة انسحابهم، ولكن من الناحية الجيوسياسية أعتقد أنها ليست مشكلة.
عندما ترى المفاوضات في فيينا، وكذلك مواقف النظام الإيراني في الداخل.. كيف ترى اتفاق الغرب والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني؟
إيران تريد أن ينتهي الأمر بها إلى رفع العقوبات لأنهم في حاجة إلى ذلك، لكنها لا تريد إنهاء "الخيار النووي"، وأنا لا أقول إنهم يريدون امتلاك القنبلة النووية غداً، لكنهم يريدون إبقاء الخيار مفتوحاً، لأن مجرد الاحتفاظ بالخيار سيكون وسيلة ردع، وسط الفوضى الإقليمية، وإذا كنت لا تعرف إذا ما كانوا يمتلكون قنبلة نووية أم لا، فعندئذٍ سيكون هناك تأثير للردع بشكل أو بآخر، لذا تسعى طهران للعب على الوضعين الافتراضيين.
ولكن بالمقابل أعتقد أن إيران قد حققت ذروة نفوذها في الشرق الأوسط، ولن يمكنهم الذهاب إلى أبعد من ذلك، ففي سوريا، إذا فاز بشار الأسد لن يحتاج إلى الدعم الإيراني بعد الآن، وإن لم يفز فإن إيران تعلم أن دعمه سيكون مكلفاً مع مكاسب قليلة على المدى القصير أو الطويل، والشيء نفسه في لبنان، فحزب الله موجود بسبب إسرائيل، لكنه لن يدمر إسرائيل أبداً، وإذا حدثت حرب، فإن إسرائيل سوف تدمره، لذلك فإن الإيرانيين لن يدفعوا العالم إلى الهاوية، لكنهم سينتهجون سياسة حافة الهاوية، وهذا الأمر لن يكون دائماً، وفي العراق، هناك قومية عراقية، والأمر لم يعد مسألة الشيعة مقابل السنة، لقد انتهى ذلك، وأغلب الشيعة العراقيين يؤمنون بذلك، وإيران ليست لها قاعدة شعبية في العراق، صحيح أن بعض أمراء الحرب موالون لهم، وكذلك بعض الأحزاب الصغيرة، ولكن على المستوى الشعبي، لا يحظون بأي تأييد.
إذاً ماذا يفعلون هناك؟ هل يعملون على تفتيت العراق؟ وماذا يستفيدون من ذلك؟ إذا تركوا العراق، فسوف تظهر دولة قومية عراقية مرة أخرى وهذا ليس في صالح الإيرانيين، إذاً مشكلة إيران الكبرى أنه لا يوجد لديها خيار حقيقي في المستقبل إلا الإبقاء على هذا النوع من عدم الاستقرار حول حدودهم، وهو ما لن يمكنهم من إقامة دولة قوية، وهو مأزق السياسة الإيرانية الآن.
سؤالي الأخير دكتور روا هو عن الغرب، هل تعتقد أن ما نلاحظه صحيح؟ فالدول الغربية أو المجتمعات في الغرب أصبحت لها ميول يمينية، وأحياناً نشعر ببعض التغيير في الدولة الغربية أو الأوروبية، وكذلك ما حدث في التغطية الإعلامية خلال الحرب في أوكرانيا، وطريقة تحدث بعض المراسلين، كل ذلك يعطي إشارات على أن هناك تغييراً، هل تعتقد أن هناك شيئاً ما قد تغير؟
أولاً، التحول نحو اليمين أمر يمكن ملاحظته، لكن علينا أن نكون حذرين، فهو ليس تحولاً في القيم والأخلاق، وهكذا في كل مكان على الأقل في أوروبا وكندا، أنت تعلم أن البرلمان هناك قد صوّت لصالح السماح بالزواج من الجنس نفسه، وكذلك دعم الرأي العام والبرلمان الحق في الإجهاض، والحرية الجنسية تتزايد، ولكن ليس لدينا تحول نحو مجتمع أكثر يمينية، أو تحفظاً، على العكس من ذلك، فإن عدد المؤمنين بعقائد قد قلّ الآن، وهذا يشمل الولايات المتحدة، لذا فإن التحول هو بشكل أساسي يتمحور حول سيادة الدولة ومكافحة الهجرة، فهو خطوة دفاعية ضد الهجرة والإسلام، وما إلى ذلك، ولكن بعد ذلك، فإن الأثر الكبير للحرب الأوكرانية- الروسية هو أن الرأي العام الأوروبي قد أدرك أن دولنا لا تستطيع حمايتنا، ويجب أن نتوحد، ففرنسا لا تستطيع محاربة روسيا السوفيتية، ولا يمكن لألمانيا محاربة روسيا، ولكن يمكن لأوروبا وحلف شمال الأطلسي محاربتها، لذا فإن الشيء الكبير الذي فعله بوتين كان تقوية الفكرة الأوروبية، بينما الشعوبية الآن في وضع سيئ للغاية، فهي تتراجع في استطلاعات الرأي، لأن الشعبويين أحبوا بوتين، الرجل الصالح الوطني، لكنهم الآن يدركون أن القومية الروسية أوروبية بالكامل، وهذا لم يكن صحيحاً، وعلينا أن نوحد الفرنسيين والألمان وغيرهم ضد التهديد الروسي، فنتاج العدوان الروسي على أوكرانيا كان تقوية المشاعر المؤيدة لأوروبا في أوساط الرأي العام الأوروبي، وليس الشعور القومي، أو الشعور بالسيادة الذي كان يغذيه الشعبويون.