الزواج العرفي في تونس بين تناول الدراما والرفض المجتمعي والقانوني
الزواج العرفي في تونس بين تناول الدراما والرفض المجتمعي والقانوني
بعد تناول الزواج العرفي في الدراما.. تونسيات لـ«جسور بوست»:
عنف مسلط ضد المرأة ينتهك حقوقها وحرياتها ويقمعها
الزواج العرفي لا يعترف به القانون ولا يمنح الزوجة تعويضاً للأضرار التي سببها الزوج
في الزواج العرفي الابن لا يعتبر شرعياً ولا يحق له الميراث
أثار المسلسل التونسي "براءة" جدلًا، بعد تطرقه لقضية الزواج العرفي المجرّمة محليًا، ما جعل السلطات تتدخل وتصدر بلاغا تتمسك فيه بمجلة الأحوال الشخصية، التي تفرض نموذجًا مجتمعيًا يقوم على ضمان الحقوق المكتسبة للمرأة التونسيّة وقيم الجمهوريّة ومدنيّة الدولة.
ومسلسل "براءة" لمخرجه سامي الفهري بطولة فتحي الهداوي وريم الرياحي وأحلام الفقيه ومحمد السياري وكوثر الباردي وياسين بن قمرة.
ووصلت أصداء النقاشات إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، بعدما اشتكت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي، خلال لقائها به واعتبرت الجربي أن التطرق للزواج العرفي في عمل فني، هو "عملية تمييع وتبسيط وتهيئة الناس لقبول مثل هذه الظواهر التي ناضلت النساء من أجل القضاء عليها وعلى تعدد الزوجات".
ويجرم القانون التونسي المُقرّ عام 1957، هذا النوع من الزواج كما يمنع تعدد الزوجات ويعاقب المخالفين بالسجن لمدة 5 سنوات.
وبحسب إحصائية نشرتها صحيفة "الصباح" التونسية عام 2021، تم تسجيل 1718 قضية زواج عرفي في البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، الرقم الذي أرجع هذه الظاهرة على طاولة النقاش لمعرفة أسبابها.
"جسور بوست" ناقشت تونسيات للوقوف على حقيقة المشكلة ودلالة تناول الدراما الرمضانية لها.
الزواج العرفي إهانة وإهدار لحقوق المرأة
هاجمت مريم حمودة قائدة بالكشافة التونسية الزواج العرفي قائلة: "إن المرأة هي الأم والأخت والبنت والحبيبة والزوجة، هي عمود المجتمعات فكيف لأحد أن يهينها أو ينقص من قيمتها، إلا أنه في القرن الـ21 في مجتمعاتنا كثيرًا ما نجد المرأة لا تزال معرضة للعنف، خاصة الجنسي تحت ستار الزواج العرفي، ورسميا منذ سنة 1956 منع هذا النوع من الزواج، وأصدرت مجلة الأحوال الشخصية فيه عقوبات تصل إلى السجن.
تتابع: “مفهوم تعدد الزوجات، إهانة للمرأة وزواج بصفة غير قانونية، والمرأة فيه غير محمية أمام القضاء في حالة تعرضها للعنف، وحتى إذا أرادت الانفصال فالقانون لا يمنحها أية حق في تعويض للأضرار التي قد سببها الزوج، كذلك نفقة ابنهما فهو لا يعتبر ابنًا شرعيًا، ولا يحق له أن يطالب بنصيبه في الميراث بعد وفاة أبيه”.

وأكدت مريم أنها لا تقبل مشاركة زوجتين لرجل واحد، فهو دون أن يدرك لن يستطيع أن يعدِل بينهما حيث قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] وسيكون له ميل لواحدة على حساب الأخرى خاصة وأن الزوجة الثانية ستكون في الخفاء، أي لن يعلم أحد أنها متزوجة لأن القانون يجرم تعدد الزوجات، لذلك هي مضطرة لأن تنكِر دائما علاقتها بالرجل الذي تزوجته خارج الصيغة القانونية، وبذلك اعتبر تعددُ الزوجات عنفا مسلطا ضد المرأة ينتهك حقوقها وحرياتها ويقمعها، وتضيف: "ما يؤكد وجهتي هو مشاركتي في مشروع "بصمة الكشفية"، وموضوعه "التصدي للتطرف العنيف" وخاصة العنف المسلط على المرأة، وتطرقنا في جلسات المشروع إلى القرارات الأممية والإستراتيجية، وأهمها القرار 1325 الصادر سنة 2000، والذي يقر بأهمية مشاركة المرأة في حفظ السلام وحل النزاعات".
هل أخطأت الدراما
تقول الإعلامية نهال محمد: "شخصيًا ومثل فئة كبيرة من التونسيين ضد طرح مسألة الزواج العرفي في الدراما، لأنها وسيلة تؤثر على الرأي العام، وتحثه على تقليدها دون وعي، وقد حسمت القوانين التونسية مسألة تعدد الزوجات سلفًا، فلمَ تسليط الأضواء عليها حاليًا، وما يجعلنا نرفض تلك المسالة وبشدة أن المخرج وإلى الحلقة الـ11 لم نرَ أي رسالة أو عبرة، على العكس يأتي مشجعًا على الزواج العرفي، عارضًا جميع الثغرات القانونية في هذا النوع من الزواج".
وتستطرد: "الزواج العرفي ومهما كانت قوانين وعادات الدول، فإنه انتهاك لحقوق وكرامة المرأة وهو تقليل من قيمتها وكأن المرأة وسيلة للمتعة الجنسية وللشؤون المنزلية، وليس أمامها سوى السمع والطاعة خوفا من ذلك الرجل الجبروت الذي يحميها و"يستر عليها"، وفور انتهاء متعته تجد نفسها في طريق الهاوية والفساد، لأنها خسرت نفسها ومستقبلها وحقوقها.

إجراءات رسمية مشددة
أصدرت وزارة المرأة والأسرة والطفولة بيانًا، تطالب فيه السلطات المعنية بتفعيل صلاحياتها، والتدخل لما احتواه المسلسل من مشاهد عنف ضد المرأة.
ودعت وزارة الأسرة التونسية الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري إلى ممارسة صلاحياتها على خلفية الجدل الذي أثاره المسلسل.
وقالت الوزارة في بيان: "ندعو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلى ممارسة صلاحيّاتها، لضمان احترام المعايير الخاصة بتصنيف الإنتاجات الدرامية وتحديد الفئات العمرية المعنية بمشاهدتها والمواقيت المناسبة لبثها، تحقيقا لمصلحة الطفل الفضلى"، مذكرة بـ"الدور المحوري للأسرة في حماية أبنائها".
وأكدت الوزارة أن "الزواج العرفي" هو زواج على خلاف الصيغ القانونية وجريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحرية، طبقا للفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصيّة وللقانون عدد 3 لسنة 1957 المتعلق بتنظيم الحالية المدنية، مشيرة إلى أن الجريمة المذكورة لا ينطبق عليها الفصل 53 من القانون الجزائي والمتعلّق بظروف التخفيف، وعبرت عن رفضها كافة "أوجه التطبيع مع جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة"، داعية كل الفاعلين وفي مقدّمتهم مؤسسات الإعلام وأهل الفن والثقافة إلى المساعدة على تكريس الالتزام المجتمعي الشامل بتطبيق مقتضيات القانون 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة.
وشدّدت وزارة المرأة على التزام الدولة التونسية بـ"حماية الحقوق المكتسبة للمرأة، والعمل على دعمها وتطويرها، واتخاذ كافة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة".