من النصوص إلى التغيير الحقيقي.. اتفاقية إفريقية لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات

من النصوص إلى التغيير الحقيقي.. اتفاقية إفريقية لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات
جانب من المنتدى

في خطوة وُصفت بأنها تحول تاريخي في مسار حماية حقوق المرأة في القارة السمراء، اعتمد الاتحاد الإفريقي في فبراير 2025 أول اتفاقية قانونية شاملة تهدف إلى إنهاء جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات في إفريقيا، وقد مثّل هذا القرار، الذي جاء بعد سنوات من الجهود الحقوقية والدبلوماسية، لحظة فارقة في النضال الطويل نحو العدالة والمساواة بين الجنسين، خاصة في ظل تزايد معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي وتراجع الأطر المؤسسية لحماية النساء في عدد من الدول.

وفق تقرير نشرته شبكة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان الخميس لا تقتصر الاتفاقية، المعروفة باسم اتفاقية الاتحاد الإفريقي لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات (AU-CEVAWG)، على الإدانة الرمزية، بل تشكل صكًا قانونيًا مُلزمًا للدول الموقعة، وتهدف إلى توحيد الجهود الوطنية والإقليمية لمكافحة مختلف أشكال العنف، بما فيها العنف الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي والرقمي.

منصة للحوار والعمل

في منتدى المنظمات غير الحكومية الذي انعقد تحت مظلة اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، اجتمع ممثلون عن المجتمع المدني والخبراء القانونيين لمناقشة الخطوات التالية بعد اعتماد الاتفاقية وأدارت الجلسة المفوضة جانيت صلاح نجي، نائبة رئيس اللجنة الإفريقية والمقررة الخاصة المعنية بحقوق المرأة في إفريقيا، التي أكدت أن "اللحظة الحالية تتطلب تحويلاً حقيقيًا من التعهد السياسي إلى التزام عملي على أرض الواقع".

وشارك في الجلسة عدد من القيادات النسوية البارزة من مختلف أنحاء القارة، بينهن بريسيلا ياغو سيساي، الأمينة التنفيذية لجمعية المرأة لتمكين النساء والضحايا، وجاكلين موتيري من منظمة "غريس أجندة" في كينيا، وأدجو ديلالي كلوتسيه، مديرة البرامج في منظمة "فام أفريكا سوليداريتي"، وقد أجمع المتحدثون على أن التحدي الأكبر أمام الاتفاقية ليس في صياغتها القانونية بل في تنفيذها العملي وتعميمها بين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي.

دعوة للعمل الجماعي

في كلمتها الافتتاحية، شددت المفوضة جانيت نجي على أن الاتفاقية الجديدة ليست مجرد إعلان نوايا بل "نقطة انطلاق نحو تغيير جذري في تعامل إفريقيا مع قضايا العنف ضد النساء والفتيات" وأوضحت أن الاتفاقية تكمل ولا تحل محل بروتوكول مابوتو الصادر عام 2003، والذي وضع الأسس الأولى لحماية المرأة الإفريقية من التمييز، مؤكدة أن الاتفاقية الجديدة تمثل "جيلًا ثانيًا" من الإطار القانوني للعدالة الجندرية في القارة.

وأضافت أن "عددًا محدودًا فقط من الدول وقّع على الاتفاقية حتى يوليو 2025، بينها غامبيا وأنغولا وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية"، مشيرة إلى ضرورة حشد إرادة سياسية واسعة لتسريع التصديق عليها وتحويلها إلى التزامات قانونية نافذة في التشريعات الوطنية.

أصوات الناجيات في صميم النقاش

من جانبها، أكدت بريسيلا ياغو سيساي، التي تعمل بشكل مباشر مع ضحايا العنف، أن الواقع على الأرض لا يزال صعبًا في العديد من الدول الإفريقية، حيث تعيق الأعراف الاجتماعية والخوف من الوصمة إجراءات العدالة، وقالت إن "الناجيات يواجهن صمتًا مزدوجًا: من المجتمع ومن مؤسسات الدولة، وهو ما يجعل التبليغ عن الجرائم تحديًا بحد ذاته".

ودعت إلى اعتماد نهج يضع الناجيات في صميم السياسات العامة، من خلال تقديم الدعم القانوني المجاني، والخدمات النفسية، والمأوى الآمن، كما طالبت بدور أكبر للإعلام والمؤسسات الدينية في تفكيك الأعراف التي تبرر العنف، مشددة على أن "التغيير الثقافي لا يقل أهمية عن الإصلاح القانوني".

معالجة آثار العنف 

تناولت الناشطة الكينية جاكلين موتيري أهمية السرد في معالجة آثار العنف، معتبرة أن "عندما تُسلب القصة، تُسلب الحياة"، وأوضحت أن شهادات الناجيات يجب أن تكون جزءًا من الذاكرة الجماعية، ليس فقط كتوثيق للمآسي، بل كأداة لإعادة الاعتبار والكرامة.

وانتقدت بطء الإجراءات القضائية في كثير من الدول الإفريقية، مؤكدة أن العدالة لا تقتصر على التعويض المادي بل تشمل الاعتراف الرمزي والمعنوي بمعاناة الضحايا، داعية إلى إصلاح أنظمة العدالة لتكون أكثر حساسية تجاه قضايا النوع الاجتماعي.

اتفاقية تُكمل المسار وتفتح آفاقًا جديدة

من جانبها، أشارت أدجو ديلالي كلوتسيه إلى أن الاتفاقية لا تلغي بروتوكول مابوتو، بل توسع نطاقه ليشمل أنواع العنف المستجدة، بما في ذلك العنف الرقمي الذي تتعرض له الفتيات والناشطات على الإنترنت، ولفتت إلى أن ارتفاع جرائم قتل النساء في عدة بلدان إفريقية يجعل من الاتفاقية أداة ضرورية لمساءلة الحكومات عن التزاماتها القانونية.

وقالت إن "الاتفاقية وثيقة حية يجب أن تتفاعل مع الواقع المتغير، وتستند إلى التجارب المعاشة للنساء في القرى والمدن والجامعات"، داعية إلى تبسيط نصوصها وترجمتها إلى لغات محلية لضمان وصولها إلى جميع فئات المجتمع.

المجتمع المدني في الواجهة

أبرزت مداخلات المشاركين من منظمات حقوق الإنسان أن التحدي الأكبر يكمن في توطين الاتفاقية داخل الهياكل المجتمعية، عبر برامج توعية تشمل الشباب والقادة التقليديين والدينيين. فالعنف ضد النساء في إفريقيا لا ينفصل عن أنماط السلطة والأعراف التي تكرّس الهيمنة الذكورية.

وأكد المتحدثون أن حملات التوعية يجب أن تتجاوز اللغة القانونية الجامدة إلى خطاب إنساني قريب من الناس، يعتمد على قصص واقعية وشهادات، ويربط بين العدالة الجندرية والتنمية الاجتماعية، كما دعوا إلى إشراك الإعلام المحلي في تسليط الضوء على نجاحات النساء والمجتمعات التي تتبنى ممارسات إيجابية في مجال المساواة.

بين الالتزام القانوني والواقع الإنساني

تشير بيانات الاتحاد الإفريقي إلى أن أكثر من 45 في المئة من النساء في القارة يتعرضن لشكل من أشكال العنف خلال حياتهن، فيما يظل الوصول إلى العدالة محدودًا بسبب ضعف الأنظمة القضائية ونقص التمويل المخصص لبرامج الحماية، ويؤكد خبراء أن الاتفاقية الجديدة تمثل فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني عبر التزامات واضحة ومُلزمة.

لكنهم يشددون في الوقت ذاته على أن التشريع وحده لا يكفي، بل يجب أن يصاحبه استثمار حقيقي في التعليم والتمكين الاقتصادي ومكافحة الفقر، إذ تشير الدراسات إلى أن النساء الأكثر فقرًا أو في المناطق الريفية هنّ الأكثر عرضة للعنف.

نحو قارة خالية من الخوف

اختتمت المفوضة جانيت نجي الجلسة بالتأكيد على أن "إفريقيا أمام فرصة تاريخية لتأكيد التزامها بحماية نصف سكانها من العنف والتمييز"، وأضافت أن الاتفاقية تمثل "خريطة طريق نحو قارة تعيش فيها جميع النساء والفتيات في أمان وكرامة"، داعية الدول الأعضاء إلى الإسراع في التصديق عليها وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها.

وأكد المشاركون في المنتدى أن التصديق يجب أن يُتبع بخطط وطنية متكاملة تشمل المساءلة والتمويل والمراقبة الدورية، حتى تتحول الاتفاقية من وثيقة قانونية إلى واقع ملموس في حياة ملايين النساء والفتيات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية