«من اللعب إلى الولاء».. كيف تستهدف العلامات التجارية عقول الأطفال عبر منصات التواصل؟
«من اللعب إلى الولاء».. كيف تستهدف العلامات التجارية عقول الأطفال عبر منصات التواصل؟
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية للتسويق، حيث تتنافس الشركات على جذب انتباه الجمهور من جميع الفئات العمرية، بمن في ذلك الأطفال، هذه الفئة التي تعد واحدة من أكثر الشرائح الاستهلاكية حساسية، تشكل هدفًا مغريًا للعلامات التجارية التي تسعى إلى بناء ولاء مبكر للمنتجات.
وفقًا لتقرير نشرته منظمة اليونيسف، يستخدم 73% من الأطفال في الفئة العمرية من 6 إلى 12 عامًا منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، ما يعكس أهمية هذا المجال كمصدر رئيسي للتأثير على سلوكهم الاستهلاكي.
وتستغل الشركات هذه الأرقام الكبيرة من خلال استراتيجيات تسويقية موجهة، حيث تُستخدم البيانات الضخمة لتحديد الأنماط السلوكية للأطفال وتخصيص الإعلانات بناءً على اهتماماتهم. دراسة أجراها مركز الأبحاث حول الإعلام والأطفال أظهرت أن حوالي 64% من الأطفال يقولون إنهم يرون إعلانات تستهدفهم مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
تركز هذه الإعلانات على الألعاب، والملابس، والمنتجات الترفيهية، ما يؤدي إلى تكوين مفاهيم جديدة لدى الأطفال حول الهوية والمكانة الاجتماعية.
وتشير أبحاث حديثة إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للإعلانات الرقمية بشكل مكثف يميلون إلى تطوير رغبات شرائية قوية منذ سن مبكرة، وفقًا لدراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن 40% من الأطفال يعانون من مشاعر القلق المرتبطة بالضغوط الاجتماعية الناتجة عن الإعلانات، ما يؤكد تأثير التسويق الرقمي على صحتهم النفسية.
هيمنة العلامات التجارية
هذا التوجه نحو تشكيل سلوك المستهلك منذ الصغر يعزز من هيمنة العلامات التجارية على عقل الطفل، وقد تؤدي هذه الهيمنة إلى بناء عادات استهلاكية غير صحية، حيث يميل الأطفال إلى تفضيل المنتجات المشهورة على حساب الجودة أو الفائدة.
تطرح هذه الظاهرة العديد من الأسئلة حول حقوق الأطفال وأخلاقيات التسويق الرقمي. وفقًا لميثاق حقوق الطفل، يجب على جميع الأطراف احترام حقوق الأطفال وحمايتها، بما في ذلك الحق في الخصوصية وعدم التعرض للاستغلال ومع ذلك، تُظهر التقارير أن العديد من استراتيجيات التسويق الرقمي لا تأخذ في الاعتبار هذه الحقوق، ما يثير قلقًا كبيرًا بين الأهل والنشطاء.
تشير دراسة من منظمة "إكسبو" إلى أن 67% من الأهل يشعرون بالقلق بشأن المحتوى الإعلاني الموجه لأطفالهم، وأن 58% منهم يرون أنه ينبغي تنظيم التسويق الرقمي للأطفال بشكل أكثر صرامة.
ولا تزال التشريعات المتعلقة بالتسويق الرقمي للأطفال في كثير من الدول متخلفة عن متطلبات العصر، فقد أظهرت دراسة حديثة من مركز بحوث الطفل والأسرة أن 55% من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية قد تعرضوا لإعلانات غير مناسبة لأعمارهم، وفي المقابل، هناك دول مثل السويد والنرويج التي تفرض قيودًا صارمة على الإعلانات الموجهة للأطفال، حيث تحظر الإعلانات تمامًا للأطفال دون سن الـ12 عامًا، ما يشكل نموذجًا يُحتذى في مجال حماية حقوق الأطفال.
ومع تصاعد المخاوف من التأثيرات السلبية للتسويق الرقمي على الأطفال، بدأت بعض الشركات في إعادة النظر في استراتيجياتها، العديد من العلامات التجارية بدأت تضع معايير أخلاقية لتوجيه إعلاناتها، مع التركيز على تقديم محتوى تعليمي أو ترفيهي يتماشى مع قيم المجتمع.
ويبقى السؤال.. هل يكفي ذلك لحماية الأطفال؟
تؤكد الأبحاث أن التسويق الرقمي للأطفال لا يقتصر فقط على الإعلانات التقليدية، بل يشمل أيضًا الحملات الترويجية عبر المؤثرين. حيث أظهرت دراسة أجرتها جمعية التسويق الرقمي أن حوالي 70% من الأطفال يثقون برأي المؤثرين الذين يتابعونهم على منصات مثل يوتيوب وإنستغرام وبالتالي، تصبح إعلانات المؤثرين أداة قوية لتوجيه سلوك الأطفال.
وما يثير القلق هو أن العديد من هؤلاء المؤثرين لا يتبعون قواعد واضحة بشأن كيفية تسويق المنتجات للأطفال، ما يزيد من احتمال تعرض الأطفال للمحتوى المضلل.
في المقابل، يُعزى بعض النجاح الذي تحققه الشركات في استهداف الأطفال إلى غياب الوعي القانوني والتنظيمي حول التسويق الرقمي. وفقًا لمنظمة حماية المستهلك، فإن 75% من الأهل يفتقرون إلى المعرفة حول كيفية حماية أطفالهم من المحتوى الإعلاني الضار، كما أن هناك نقصًا في التعليم حول كيفية التفاعل مع المحتوى الرقمي بشكل آمن.
دور الأهل كمراقبين
ومع ازدياد استخدام الأطفال للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يبرز دور الأهل كمراقبين رئيسيين، تشير الدراسات إلى أن استخدام أدوات التحكم الأبوي يمكن أن يكون له تأثير كبير في تقليل تعرض الأطفال للمحتوى الإعلاني غير المناسب.
وأظهرت دراسة من مركز الأبحاث الاجتماعي أن 82% من الأهل الذين استخدموا أدوات التحكم الأبوي أبلغوا عن شعورهم بمزيد من السيطرة على المحتوى الذي يشاهده أطفالهم، لكن يجب أن تكون هذه الأدوات مصحوبة ببرامج توعية للأهل حول كيفية استخدامها بشكل فعال.
التحديات التي يواجهها الأطفال في الفضاء الرقمي تتطلب تعاونًا فعّالًا بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني، يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تحظر التسويق الموجه للأطفال، بالإضافة إلى برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الوعي بالمخاطر المرتبطة بالتسويق الرقمي، يجب أن تلعب المدارس دورًا فاعلًا في تعليم الأطفال كيفية التعامل مع المحتوى الإعلاني، وتطوير مهارات التفكير النقدي لديهم، إذ أظهرت دراسة أجراها مركز الأبحاث التربوي أن 70% من الأطفال الذين تلقوا تعليمًا حول كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي أصبحوا أكثر وعيًا بالمحتوى الذي يتعرضون له.
يجب أن يكون الهدف النهائي هو خلق بيئة آمنة للأطفال، حيث يمكنهم استكشاف الفضاء الرقمي دون التعرض لضغوط تسويقية غير مبررة. إن حماية الأطفال من الاستغلال الرقمي ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية.
في الوقت نفسه، يجب أن تتبنى الشركات ممارسات تسويقية أكثر أخلاقية يمكن أن يكون ذلك عبر استخدام الإعلانات المسؤولة التي تركز على تقديم قيمة حقيقية للأطفال بدلاً من التركيز على الربح فقط. هناك حاجة إلى تعزيز الشفافية في الإعلان، ما يتيح للأطفال وأولياء أمورهم فهم طبيعة المحتوى الذي يتعرضون له.
ويجب أن تُعطى الأولوية لإجراء دراسات دورية حول تأثير التسويق الرقمي على الأطفال، حيث يمكن أن تساعد هذه الدراسات في توجيه السياسات المستقبلية وضمان حماية الأطفال من الاستغلال.
تعزيز الوعي العام
مع استمرار تقدم التكنولوجيا، يتطلب الوضع الراهن تعزيز الوعي العام حول التسويق الرقمي وتأثيراته على الأطفال يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير استراتيجيات شاملة لحماية الأطفال وتعليمهم كيفية التفاعل بشكل آمن مع المحتوى الرقمي.
ويتطلب بناء مجتمع واعٍ جهودًا مستمرة وتعاونًا حقيقيًا بين جميع المعنيين، من خلال العمل معًا، يمكننا أن نضمن للأطفال بيئة رقمية آمنة، حيث يمكنهم التعلم والنمو والتفاعل بشكل إيجابي دون التعرض للمخاطر التي يفرضها التسويق الرقمي.
تحديات التسويق الرقمي
وقال أستاذ الإعلام الرقمي الأردني، مروان شحادة، إن استخدام شركات البرمجيات والتطبيقات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية، يطرح قضايا معقدة تتعلق بتأثير التسويق الرقمي على الأطفال، تُوجه هذه الشركات إعلاناتها إلى فئة عريضة تشمل الأطفال من سن مبكرة حتى المراهقة، ما يترتب عليه صرف مبالغ مالية كبيرة لإنتاج مسلسلات وبرامج كرتونية على هذه المنصات.
وتابع شحادة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، تُظهر هذه البرامج تأثيرات سلبية على سلوك الأطفال وهويتهم، إذ تروج لثقافات جديدة قد تكون بعيدة أو غريبة عن مجتمعاتنا وتقاليدنا. وبجانب هذا، نلاحظ تحولًا في الهوية من خلال الدعايات والبرامج الكرتونية التي تركز بشكل متزايد على موضوعات الجندرية والشذوذ الجنسي، ما يؤثر على آراء الأطفال وعلاقاتهم بأقرانهم، وتتبدل اتجاهات الرأي بين الأطفال، حيث يبدؤون بمناقشة ما يشاهدونه، ما قد يؤدي إلى تغير سلوكهم بشكل سلبي، ومن هنا، يجب أن نكون حذرين من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، وأن نحدد استخدامات هذه المنصات ونراقب المحتوى بشكل جيد لضمان عدم تأثيره سلبًا على أطفالنا.
وأضاف، إذا اكتشفنا أي محتوى ضار، ينبغي أن نعمل على منعه، ونتخذ الإجراءات القانونية ضد الشركات التي تسهم في نشره. إن تأسيس هيئة رقابية لتحديد معايير واضحة وتنظيم المحتوى الذي يُعرض على الأطفال يعد اقتراحًا مهمًا لمواجهة هذه التحديات.
واسترسل، في ظل الفوضى التي يعاني منها الإنترنت، يتعين علينا حماية هويتنا الثقافية وتقاليدنا، يجب أن نكون مدركين للضغوط التي يتعرض لها الأطفال، وكيف أن الثقافة الليبرالية قد أثرت على المجتمعات المحافظة من خلال هذه المنصات لذا فإن إنشاء هيئة رقابية، سواء كانت شعبية أو رسمية، يمكن أن يساهم في وضع تشريعات تحد من وصول مثل هذه المحتويات إلى مجتمعاتنا.
وأتم، التأثير السلبي لهذه المنصات لا يقتصر على الأطفال فقط، بل يمتد أيضًا إلى الشباب الذين قد يغيرون هوياتهم ويتبنون أفكارًا غير متوافقة مع قيمنا، ولذلك علينا اتخاذ خطوات فعالة لضمان سلامة أطفالنا وحمايتهم من هذه التأثيرات، خاصة في ظل سهولة الوصول إلى الإنترنت في كل بيت، ما يجعل مراقبة المحتوى الذي يشاهده الأطفال ضرورة ملحة.
حماية الأطفال في عصر التسويق الرقمي
وقالت خبيرة التسويق الإعلامي، نجلاء الأنصاري، إن التسويق الموجه للأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي قضية معقدة تتطلب تحليلاً دقيقاً وشاملاً، من جهة، يوفر هذا النوع من التسويق فرصاً كبيرة للشركات للوصول إلى جمهور شاب ومتفاعل، ما يسهم في زيادة مبيعاتهم وتعزيز علاماتهم التجارية، ومن جهة أخرى، يثير هذا الأمر تساؤلات جدية حول تأثير هذا التسويق على سلوك الأطفال وقراراتهم الشرائية، فضلاً عن مدى احترامه لحقوقهم وخصوصياتهم.
وتابعت الأنصاري، في تصريحات لـ"جسور بوست"، تتعدد التأثيرات المحتملة للتسويق الموجه للأطفال، حيث يمكن أن تشكل الإعلانات التوجهات التفضيلية للأطفال، ما يجعلهم يطلبون منتجات معينة ويرغبون بها، وهذا التأثير لا يقتصر فقط على المنتجات الترفيهية أو التعليمية، بل يمتد أيضاً إلى المنتجات الغذائية، حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لإعلانات للأطعمة غير الصحية، مثل الأطعمة السريعة والمشروبات الغازية، هم أكثر عرضة للاختيار غير الصحي في مستقبلهم، هذا النوع من الإعلانات يعزز عادات استهلاكية قد تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل السمنة والسكري.
واسترسلت، تلجأ الإعلانات إلى استخدام لغة مبسطة وأسلوب بصري جذاب يجذب انتباه الأطفال، ما يمكن أن يؤدي إلى تضليلهم حول فوائد المنتجات، هذه الاستراتيجيات التسويقية، بدلاً من أن توعي الأطفال بالمخاطر المحتملة أو المكونات غير الصحية، قد تدفعهم إلى اتخاذ قرارات شرائية غير مدروسة ودون فهم كامل للعواقب.
وقالت الأنصاري، إن الآباء يتعرض لضغوط من قبل أطفالهم لشراء المنتجات التي يراها أطفالهم في الإعلانات، هذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات سلبية على ميزانية الأسرة وتؤدي إلى صراعات داخلية، إذ يجد الآباء أنفسهم أمام معضلة عدم القدرة على تلبية رغبات أطفالهم، ما قد يؤثر على ديناميكيات العلاقات الأسرية، ويشكل جمع البيانات عن الأطفال لأغراض التسويق أحد أكبر التحديات التي تواجه حقوق الأطفال. هناك مخاوف مشروعة حول الخصوصية، حيث قد يتم جمع البيانات الشخصية دون موافقة الوالدين، هذا الأمر يثير قلقاً كبيراً، خاصة أن الأطفال ليس لديهم الوعي الكافي لحماية معلوماتهم الشخصية أو فهم كيفية استخدام تلك المعلومات من قبل الشركات.
وشددت على أنه من الضروري لمواجهة هذه التحديات، وضع قوانين واضحة تحدد المعايير التي يجب أن تستوفيها الإعلانات الموجهة للأطفال، بالإضافة إلى فرض عقوبات صارمة على الشركات التي تنتهك هذه المعايير، يجب أن تركز هذه القوانين على حماية الأطفال من المحتويات الضارة وضمان عدم استغلالهم.
وأشارت إلى ضرورة توعية الآباء بالمخاطر المحتملة للتسويق الموجه للأطفال وكيفية حماية أطفالهم من التأثيرات السلبية. من الضروري أن يتم تعليم الأطفال كيفية تقييم المعلومات التي يتلقونها من الإعلانات، وتمييز الحقيقة من الدعاية، حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة، ومن المهم تطوير أدوات تقنية تساعد الآباء على مراقبة المحتوى الذي يشاهده أطفالهم على الإنترنت، ما يتيح لهم حجب الإعلانات غير المناسبة، هذه الأدوات يمكن أن توفر مستوى إضافيا من الحماية وتساعد الأسر على إدارة ما يتعرض له أطفالهم في الفضاء الرقمي.
وتابعت، لا يمكن تجاهل التأثيرات العميقة التي قد يحدثها التسويق الموجه للأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي. من المهم أن نعمل معاً، سواء من قبل الحكومات أو الأفراد أو المنظمات غير الحكومية، لوضع أطر قانونية وتنظيمية فعالة، وتوفير موارد تعليمية، وضمان بيئة آمنة وصحية للأطفال في عالم التسويق الرقمي المتزايد.
وأتمت، مسؤوليتنا المشتركة أن نضمن أن يكون الأطفال مستهلكين واعين، وأن يتمتعوا بحقوقهم في الخصوصية والحماية، في عالم تسويقي يتسم بالسرعة والتغيير.