«30 انتهاكا خلال 3 أشهر».. صحفيو اليمن يكافحون في مواجهة القمع والاعتقالات

«30 انتهاكا خلال 3 أشهر».. صحفيو اليمن يكافحون في مواجهة القمع والاعتقالات

في بيئة غير آمنة، يمارس الصحفيون اليمنيون مهام عملهم وسط حزمة من المخاطر والانتهاكات التي تبدأ من التهديد والتحريض وتصل إلى المحاكمات والاعتقال والقتل أحيانا.

ومؤخرا، أعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين رصد 30 حالة انتهاك للحريات الإعلامية في البلاد خلال الربع الثالث من العام الجاري 2024، إذ وثقت استمرار المخاطر تجاه الصحافة والصحفيين في بيئة غير آمنة تحيط بالصحافة وحرية التعبير في اليمن.

30 حالة انتهاك

وقالت نقابة الصحفيين إن 30 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية، بينها 14 حالة اعتقال لصحفيين، منهم 10 لدى الحوثيين، إضافة إلى 6 حالات محاكمات واستدعاءات لصحفيين، و4 حالات تهديد وتحريض، وحالتان اعتداءات، وحالتان مصادرة لأجهزة الصحفيين، وحالتان ظروف اعتقال سيئة للمعتقلين.

وأوضحت النقابة أن الصحفيين المعتقلين يعيشون أوضاعا صعبة وتعاملا قاسيا ويُحرمون من حق التطبيب والزيارة والمحاكمة العادلة، داعية إلى الإفراج عن الصحفيين والكف عن تلفيق الاتهامات لهم وامتهان الصحافة والصحفيين المحتجزين.

وإمعانا في الانتهاكات، أدانت العديد من المنظمات الدولية، حكما بالإعدام صادرا بحق الصحفي اليمني طه أشرف المعمري، مالك شركتي" يمن ديجيتال ميديا" و"يمن لايف للإنتاج الإعلامي والبث الفضائي"، حسب ما أفادت نقابة الصحفيين اليمنيين.

وقضت المحكمة الابتدائية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء في 24 سبتمبر الماضي، بإعدام المعمري ومصادرة ممتلكاته داخل البلاد وخارجها، لاتهامه بالوقوف مع العدوان وإقامته فيما أسموه دول العدوان رغم أنه يقيم في إسبانيا منذ 2015.

وتعد أوضاع الصحافة في اليمن صعبة للغاية نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد منذ عام 2014 وبدء النزاع المسلح بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء من جهة أخرى.

وبحسب تقارير رصد دولية، يواجه الصحفيون في اليمن تحديات كبيرة تشمل القمع، والاعتقالات التعسفية، والاختطافات، والاعتداءات الجسدية، فضلاً عن الرقابة المشددة من قبل أطراف النزاع المختلفة.

انتهاكات جسيمة

وتتمثل أبرز الانتهاكات التي تواجه الصحفيين في اليمن، في الاعتقالات والانتهاكات، حيث يتعرض العديد من الصحفيين للاعتقال من قبل الأطراف المتحاربة، بمن في ذلك الحوثيون والحكومة المعترف بها دوليًا، وكذلك القوات المدعومة من التحالف العربي، وغالبًا ما يتهم الصحفيون بالخيانة أو التجسس لصالح أطراف معادية.

فيما تشدد أطراف النزاع الرقابة والإغلاق، إذ يتم إغلاق العديد من وسائل الإعلام أو السيطرة عليها، كما يتم فرض الرقابة على الأخبار والتقارير التي قد تُعتبر موجهة ضد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن.

وبسبب الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد، يشهد الوسط الصحفي والإعلامي إقبالا على الهجرة والنزوح، حيث هاجر عدد كبير من الصحفيين أو اضطروا للنزوح داخل البلاد هربًا من الاعتقالات والتهديدات.

كما شهدت السنوات الماضية، ارتفاعا في ظاهرة الاختطاف والاغتيالات، حيث قُتل عدد من الصحفيين في عمليات اغتيال منظمة، وسط معاناة وتهديدات مستمرة بسبب تغطيتهم للأنشطة السياسية والعسكرية.

وبجانب المخاطر الجسدية، يواجه الصحفيون في اليمن ضغوطا نفسية هائلة نتيجة الخوف المستمر من الاختطاف أو الاعتقال أو الأذى الجسدي، فضلاً عن القيود المفروضة على حريتهم في التعبير من جميع أطراف الصراع.

فيما يواجه الصحفيون باليمن تحديات كبيرة في الوصول إلى المعلومات بسبب القيود الأمنية والرغبة في إخفاء المعلومات من جميع أطراف النزاع، بالإضافة إلى التخويف والتهديد المستمر من كشف البيانات والمعلومات لا سيما الخاصة بالحرب والضحايا.

وبشكل عام تعاني الصحافة اليمنية من أزمة اقتصادية حادة، تتمثل في نقص الموارد المالية نتيجة انهيار العملة المحلية، ما يؤدي بالضرورة إلى إغلاق العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية وتوقف رواتب الصحفيين.

وإجمالا يتعين على الصحفيين في اليمن التعامل مع بيئة عمل غير مستقرة وخطيرة للغاية وأوضاع غير آمنة أو مواتية، ما يجعل ممارسة مهنة الصحافة تحديًا كبيرًا في ظل الظروف التي تشهدها البلاد منذ 10 سنوات.

إدانات دولية

وتدين العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات الصحفية استمرار هذه الانتهاكات ضد حرية الصحافة في اليمن، ولكن مع استمرار النزاع دون حل سياسي واضح، يبقى الوضع الصحفي في اليمن أحد أخطر الأماكن للعمل الصحفي في العالم.

فيما تصنف منظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية، مقرها باريس) اليمن ضمن أسوأ الدول في العالم من حيث حرية الصحافة، حيث يحتل البلد العربي مراتب متأخرة جدًا في التصنيف العالمي، نتيجة للقمع الذي يمارسه كل من الحوثيين، والحكومة المعترف بها دوليًا، والمجموعات المسلحة الأخرى.

كما أشارت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (غير حكومية، مقرها نيويورك) إلى ارتفاع معدلات القتل والاختطاف للعاملين في مجال الصحافة والإعلام، حيث فقد العديد من الصحفيين حياتهم أثناء تغطية النزاع أو بسبب تقاريرهم الناقدة لأحد أطراف النزاع، إضافة إلى أن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين غالبًا ما تبقى دون محاسبة، لأن الجناة نادرًا ما يُقدمون للعدالة.

ومرارا أدانت الأمم المتحدة في العديد من تقاريرها حول حقوق الإنسان في اليمن، الانتهاكات الواسعة لحرية التعبير وحرية الصحافة، إذ أشارت إلى أن الأطراف المتنازعة تستخدم الإعلام كأداة دعاية وتستهدف الصحفيين الذين يحاولون تغطية الأحداث بموضوعية، مطالبة مرارا بحماية أكبر للصحفيين اليمنيين وضمان وصولهم إلى المعلومات بحرية وأمان.

ومؤخرا، حث الاتحاد الدولي للصحفيين (غير حكومي، مقره بروكسل) جماعة الحوثي على إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الصحفي اليمني طه أشرف المعمري، مالك شركتي" يمن ديجيتال ميديا" و"يمن لايف للإنتاج الإعلامي والبث الفضائي"، حسب ما أفادت نقابة الصحفيين اليمنيين.

ويعد اليمن واحدا من من أخطر البلاد للعمل الصحفي في العالم، حيث قتل بين عامي 2014 و2023 أكثر من 20 صحفيًا يمنيًا أثناء النزاع المسلح، حيث تعرض بعضهم للاغتيال المباشر، بينما قُتل آخرون في غارات جوية أو أثناء تغطيتهم للمعارك.

وتقدم تقارير المنظمات الدولية حول أوضاع الصحافة في اليمن صورة قاتمة، إذ يُعتبر العمل الصحفي في اليمن من أخطر المهن حاليًا، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تؤثر على قدرة الإعلام على الاستمرار في العمل.

مهنة طاردة للكفاءات

بدوره قال الأمين العام لاتحاد الإعلاميين اليمنيين الدكتور محمود الطاهر، إن الصحفيين يواجهون حالة عدائية من جميع أطراف النزاع المسلح، بهدف منعهم من القيام بعملهم وطمس الحقائق وإبعاد أصحاب وسائل الإعلام عن الاستثمار في هذا المجال بالبلاد.

وأوضح الطاهر في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الصحفيين اليمنيين يجدون أنفسهم بعد 10 سنوات من الصراع في حالة عداء مع جميع الأطراف، حيث تسود الاستقطابات والتناحرات التي تضرب مهنة الصحافة في مقتل وتجعلها بوقا لأطراف النزاع بعيدا عن الانحياز لهموم المواطنين بالبلاد.

وأضاف: "الحوثيون أكثر وحشية وعداء للصحفيين، لا سيما أنهم أكثر من 3 فصائل مختلفة، ويمارسون الانتهاكات ضد الصحفيين سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم أو المناطق المحررة، ما أدى إلى لجوء الصحفيين إلى هجرة المهنة والعمل في قطاع الأعمال الحرة، لحماية أنفسهم من الاعتقال والتعذيب والقتل".

ومضى الطاهر قائلا: "الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة أجبرت بعض الصحفيين على اللجوء إلى أطراف الصراع للاحتماء به والترويج لمشروعه، الأمر الذي قاد الصحافة اليمنية إلى حافة الانهيار والتهاوي، ودفع بعض الصحفيين المهنيين إلى فقدان الشغف للعمل بهذه المهنة التي تواجه وابلا من المخاطر والتحديات".

وتابع: "الصحفيون باليمن في أشد الاحتياج إلى التدريب والتأهيل النفسي لمحو الأوجاع التي رسخت في وجدانهم بسبب الصراعات والحروب والنكبات التي شهدتها البلاد على مدى أكثر من 10 سنوات"، مؤكدا أن تلك الانقسامات طالت أيضا نقابة الصحفيين اليمنية حيث بات التناحر جليا بين 3 فرق وهم الحوثيون والإخوان المسلمون والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

من جانبه قال عبدالله صبري، الرئيس السابق لاتحاد الصحفيين اليمنيين، إن الانقسام السياسي في بلاده كان له تأثيرا سلبيا على وضعية الصحافة والصحفيين جراء تعميق التناحر والاستقطابات، منتقدا ما سماه بـ"انحياز نقابة الصحفيين في اليمن لأحد طرفي الصراع، وهو ما يستوجب إعادة النظر في توافر المصداقية بتقاريرها".

وأضاف صبري في تصريح لـ"جسور بوست" أن أوضاع الصحافة والصحفيين باليمن تعيش أسوأ مراحلها بسبب الحرب الدائرة منذ 10 سنوات وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، حيث يعمل آلاف من الصحفيين والإعلاميين تحت ظروف قهرية جعلت العشرات منهم عرضة للاعتقالات خارج إطار القانون سواء في المناطق التابعة لحكومة صنعاء أو التابعة للحوثيين.

وأوضح أن العديد من الصحف ووسائل الإعلام اليمنية منخرطة بشكل فج في الصراع السياسي، ما يقلص مساحة الحرية والرأي الأخر يوما بعد يوم، كما أن هناك وسائل إعلام ومنصات إخبارية ممولة من الخارج وتعمل على إذكاء النزاعات الطائفية والجهودية وثقافة الكراهية والعنف، ما يؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي ونجاح مساعي إحلال السلام في اليمن.

وتسببت الحرب في اليمن بمصرع أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، ونزوح الآلاف في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب وصف الأمم المتحدة التي تسعى إلى وقف دائم لإطلاق النار، من أجل الشروع في إحياء مسار الحوار السياسي المتوقف عملياً منذ التوقيع على اتفاق السويد الخاص بالحديدة في عام 2018.

وبعد أكثر من 10 سنوات من الصراع، ما زال 18.2 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى الدعم، وتشير التقديرات إلى أن 17.6 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائي خلال العام الجاري 2024.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية