«فايننشال تايمز»: انطلاق الانتخابات الأمريكية وسط انقسامات مؤثرة
«فايننشال تايمز»: انطلاق الانتخابات الأمريكية وسط انقسامات مؤثرة
في ظل انقسام سياسي واجتماعي حاد، انطلقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اليوم الثلاثاء، حيث يتوجه الناخبون من مختلف الولايات إلى صناديق الاقتراع للاختيار بين المرشحين، الرئيس السابق دونالد ترامب ونائب الرئيس كامالا هاريس.
ووفق "فايننشال تايمز"، تبرز قضايا الجندر كمحور رئيسي يمكن أن يكون له تأثير حاسم على نتيجة هذه الانتخابات، إذ أظهرت الاستطلاعات أن الانقسام بين الجنسين بات واضحًا بشكل غير مسبوق، حيث يبدو أن النساء يملن لدعم هاريس، بينما يتوجه العديد من الرجال نحو تأييد ترامب، مما جعل الهوية الجندرية وعلاقتها بالسياسات الوطنية تتصدر النقاش العام.
في فعالية انتخابية ضمن حملة ترامب، أواخر سبتمبر الماضي، بمدينة سافانا في ولاية جورجيا، احتشد مؤيدو هاريس في ساحة صغيرة بالمدينة، للتعبير عن رفضهم لسياسات ترامب، تقول كيري تايتس، وهي طالبة بجامعة سافانا للفنون والتصميم، إنها لم تكن مهتمة بالسياسة سابقًا، لكنها اليوم تؤمن بأهمية دورها كمواطنة يمكن أن تُسمع صوتها.
وتضيف تايتس، التي تصوّت لأول مرة، أنها لا تعارض الجمهوريين ككل، لكنها تشعر أن تصرفات ترامب ومواقفه المثيرة للجدل دفعتها للابتعاد عنه والبحث عن مرشحة "تدافع عن حقوقها كفتاة في العشرينيات من عمرها".
الانقسام يتجاوز كل التوقعات
في المسرح المقابل، كانت هناك انتقادات حادة موجهة لهاريس من قِبل مؤيدي ترامب الذين يرون أنها تفتقر للجدية في معالجة قضاياهم، يقول تومي براون، عامل متقاعد في تصليح هياكل السيارات ويبلغ من العمر 72 عامًا: "هاريس ليست سوى مزحة، تضحك بدون سبب ولا تقدم حلولاً حقيقية"، مؤكدًا دعمه لترامب الذي يعتبره "صاحب قرارات صائبة" تتماشى مع اهتماماتهم التقليدية.
ومع انطلاق يوم التصويت، يظهر بوضوح أن الانقسام بين الرجال والنساء حول المرشحين بات ملموسًا بشكل أكبر، إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم هاريس بين الناخبات بنسبة 57% مقابل 41% لترامب، بينما يتصدر ترامب بدعم واسع من الناخبين الرجال بنسبة تصل إلى 58% مقابل 40% لصالح هاريس.
وقد ركزت هاريس في حملتها على قضايا تمس حقوق النساء، مثل حرية الإجهاض، حيث وعدت بحمايتها، وقد حصلت هاريس على دعم واسع من شخصيات مؤثرة مثل بيونسيه وتايلور سويفت، مما عزز موقفها بين النساء.
سياسات ترامب تجذب الناخبين الرجال
على الجهة المقابلة، يسعى ترامب لتعزيز تأييده بين الناخبين الرجال من خلال ترويجه لقضايا تقليدية تتعلق بالهجرة والاقتصاد، إلى جانب استعراضه لتوجهات قريبة من ثقافة الطبقة العاملة، حيث يظهر في العديد من المناسبات كشخصية تشاركهم اهتماماتهم.
ودعا ترامب نجم المصارعة هالك هوغان للتحدث في مؤتمر الحزب الجمهوري، كما استضاف حلقات نقاشية مع الملياردير إيلون ماسك وأطل في بودكاست شهير لجو روغان، الذي يُتابعه جمهور واسع من الرجال في أنحاء البلاد.
حقوق الإجهاض
في تجمع انتخابي لهاريس في إيست لانسنغ بولاية ميشيغان، كانت الناخبات يعبرن عن مخاوفهن حول مستقبل حقوق الإجهاض، حيث انتظرت ديبورا ماتلوك، محللة سلاسل التوريد البالغة من العمر 58 عامًا، ثلاث ساعات لحضور التجمع، موضحة أن حقوق بناتها وحقهن في الرعاية الصحية النسائية قضايا مصيرية في هذه الانتخابات.
وقد واجه ترامب انتقادات عديدة بشأن موقفه من حقوق النساء، خاصة بعد محاولته التقليل من شأن قرار المحكمة العليا بإلغاء حقوق الإجهاض الوطنية في 2022، الذي تم اتخاذه بفضل القضاة المحافظين الذين عينهم ترامب.
وقالت مديرة مركز البحوث للمرأة والسياسة الأمريكية بجامعة روتجرز، كيلي ديتيمار، إن "ترامب لم يبدِ اهتمامًا حقيقيًا بجذب أصوات النساء، وهو ما يُعد نقطة ضعف كبيرة له، إذ إن النساء يشكلن قاعدة انتخابية موثوقة في الولايات المتحدة".
رغم إعلان كثير من الناخبات عن تأييدهن لهاريس، فإن هناك مؤشرات على وجود نساء يدعمنها سرًا خوفًا من ردود فعل شركائهن أو عائلاتهن، كتبت إليسا سلوتكين، مرشحة الديمقراطيين لمجلس الشيوخ في ميشيغان، عن صديقة أخبرتها بأن بعض النساء اللاتي صوّتن لترامب في السابق أصبحن يدعمن هاريس سرًا الآن، ويشعرن أن الوقت قد حان لدعم حقوق النساء بشكل جدي.
التعليم والطبقة الاجتماعية
فضلًا عن الانقسام الجندري، يظهر الانقسام التعليمي والطبقي كمحدد أساسي في توجهات الناخبين، فبحسب استطلاعات مركز بيو للأبحاث، تتمتع هاريس بدعم قوي بين الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي بنسبة تصل إلى 53% مقابل 42% لصالح ترامب، بينما يميل الناخبون الأقل تعليمًا لدعم ترامب، حيث يحظى بنسبة تأييد تصل إلى 56% مقابل 39% لهاريس.
تمكن ترامب من جذب الناخبين من الطبقة العاملة من خلال التركيز على قضايا اقتصادية شعبوية، مثل فرض التعريفات لحماية الصناعة المحلية، وإلغاء الضرائب على العمل الإضافي، وتبنّي مواقف انعزالية في السياسة الخارجية.
يقول كريغ إدجين، المتقاعد البالغ من العمر 62 عامًا، والذي حضر أحد تجمعات هاريس، إن رئاسة ترامب كانت "كارثية"، حيث يتهمه بالتسبب في انهيار الاقتصاد وسوء إدارة جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى خسارة آلاف الأرواح.
انقسامات عرقية
لم تخلُ هذه الانتخابات من تأثير العوامل العرقية أيضًا، ففي حين يحظى ترامب بدعم 55% من الناخبين البيض، تجد هاريس دعمًا كبيرًا بين الناخبين من الأقليات، خاصةً من الناخبين السود والآسيويين واللاتينيين، وقد حرصت هاريس على توطيد علاقتها مع الأقليات من خلال تسليط الضوء على سياسات تدعم حقوق الإنسان وتهدف إلى حماية الفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع.
جذب أصوات جديدة
مع احتدام السباق الانتخابي، سعت حملات المرشحين إلى توسيع دائرة التأييد عبر جذب أصوات جديدة، قامت هاريس بحملات مشتركة مع جمهوريين مناهضين لترامب، من بينهم النائبة الجمهورية السابقة ليز تشيني، التي دعمت هاريس بشكل علني كخيار بديل للرئاسة.
وصرح نائب الحاكم الجمهوري السابق لولاية جورجيا، جيف دانكن، والذي أعلن تأييده لهاريس، بأن "هاريس عملت بجد لكسب أصوات هؤلاء"، مشيرًا إلى أن بعض الجمهوريين لن يصوّتوا لترامب ولكنهم قد يصوتون لهاريس.
في الوقت نفسه، حاول ترامب استمالة الناخبين من الأقليات، وخاصةً السود واللاتينيين، الغاضبين من السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، ورغم ذلك، قد يؤدي خطابه العنصري في تجمع ماديسون سكوير غاردن الأخير إلى تقويض هذا الجهد.