مايكل شويرنر.. نموذج أمريكي للنضال السلمي ضد العنصرية والانتهاكات الحقوقية (بروفايل)

مايكل شويرنر.. نموذج أمريكي للنضال السلمي ضد العنصرية والانتهاكات الحقوقية (بروفايل)
لوحة تذكارية لـ شويرنر ورفاقه أندرو غودمان وجايمس تشاني

 

لم يخطر على ذهن الشاب الأمريكي مايكل شويرنر أنه سيصبح رمزاً للنضال من أجل المساواة في ستينيات القرن الماضي، وتمثل قصته جزءاً من تراث حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، حيث يذكره التاريخ إلى اليوم بأنه أحد الذين ضحوا بحياتهم في سبيل تحقيق العدالة والحرية.

ومايكل شويرنر ناشط أمريكي وُلد في 6 نوفمبر عام 1939 بمدينة نيويورك، والتحق بمدرسة بيلهام التذكارية الثانوية، وكانت والدته تدعى آن سيجل (1912- 1996) معلمة علوم في مدرسة، ووالده (1909-1991) يعمل في الأعمال الحرة.

الدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة

والتحق شويرنر بجامعة ولاية ميشيغان، وكان ينوي في الأصل أن يصبح طبيبًا بيطريًا، لكن اهتمامه بالقضايا الاجتماعية وقيم العدالة جعله يوجه مسيرته إلى دراسة علم الاجتماع الريفي، والذي حصل فيه على درجة الماجستير في جامعة كورنيل، الأمر الذي ساعده لاحقاً في توجيه مسيرته نحو الدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة بالولايات المتحدة.

وعندما كان صبيًا، أصبح شويرنر صديقًا لروبرت رايخ، الذي أصبح في ما بعد وزير العمل الأمريكي، حيث كانت علاقتهما أخوية بعد أن ساعد شويرنر في حماية رايخ مرارا، الذي كان أصغر حجمًا من رفاقه، ما جعله هدفًا مستمرًا للمتنمرين آنذاك.

في أوائل الستينيات، أصبح شويرنر ناشطا بارزًا في مجال العمل من أجل الحقوق المدنية للأمريكيين من أصل إفريقي، حيث قاد مجموعة محلية تابعة لمؤتمر المساواة العرقية (CORE) في الجانب الشرقي الجنوبي من مانهاتن، والتي كانت تسمى "Downtown CORE".

وتبلور نشاط شويرنر بعد انضمامه إلى لجنة المساواة العرقية (CORE)، وهي منظمة ساهمت في النضال من أجل حقوق الأمريكيين من أصل إفريقي، خاصة في مجال تسجيل الناخبين وتحقيق العدالة العرقية في عموم الولايات المتحدة، لا سيما الولايات الجنوبية.

وكان شويرنر ضمن أول الأمريكان البيض الذين تم تعيينهم من قبل (CORE) بشكل دائم خارج عاصمة الولاية جاكسون، وفي عام 1964 أطلقت منظمة برنامجا باسم "صيف الحرية" بهدف عقد دورات وحملات لتسجيل الأميركيين من أصل إفريقي للتصويت في ولاية ميسيسيبي.

وشهد تاريخ حق الأمريكيين الأفارقة في التصويت في الانتخابات، العديد من الإنجازات والنكسات، قبل الحرب الأهلية وتعديلات إعادة الإعمار على دستور الولايات المتحدة، كان لبعض السود في الولايات المتحدة الحق في التصويت، لكن هذا الحق غالبًا ما يتم اختصاره أو إبعاده.

وبعد عام 1870، كان السود متساوين نظريًا أمام القانون الأمريكي، ولكن في الفترة ما بين نهاية حقبة إعادة الإعمار وإقرار قانون الحقوق المدنية لعام 1964، تم انتهاك هذا كثيرًا من الناحية العملية.

نهاية دراماتيكية

وانطلاقا من اهتمام شويرنر بتحقيق العدالة العرقية وتحسين حقوق الأمريكيين من أصل إفريقي، انتقل في عام 1964 إلى ولاية ميسيسيبي للمشاركة في مشروع "صيف الحرية"، وهو برنامج يهدف إلى تسجيل الناخبين السود في ولاية ميسيسيبي حيث كانوا يعانون من التمييز الممنهج والاستبعاد من النظام الانتخابي.

لكن الناشطون في مجال الحقوق المدنية كانوا موضع استياء وشك من قبل الأمريكان البيض في ولاية ميسيسيبي، وكان الجواسيس الذين تدفع لهم لجنة سيادة ولاية ميسيسيبي، وهي وكالة ممولة من دافعي الضرائب، يتتبعون جميع الشماليين والناشطين المشتبه بهم. 

واستهدفت منظمة عنصرية متشددة تدعى "كو كلوكس كلان" شويرنر ورفاقه بعد أن نجحوا في تأسيس مركز مجتمعي للسود كجزء من التنظيم الشعبي في ولاية ميسيسيبي، لا سيما بعد أن حاول شويرنر إقامة اتصالات مكثفة مع مواطني الطبقة العاملة البيضاء لكسب تعاطفهم ودعمهم لرفض التمييز ضد السود.

وأثناء تنفيذ هذه الأنشطة، اختُطف شويرنر وزميله أندرو غودمان والناشط الأسود جايمس تشاني على يد أعضاء من جماعة "كو كلوكس كلان"، وقُتلوا بوحشية في 21 يونيو 1964، وأثارت حادثة مقتلهم صدمة وغضباً واسعا في عموم الولايات المتحدة، وساهمت بشكل مباشر في تسليط الضوء على العنصرية والعنف الممارس ضد الناشطين، مما ساعد في تسريع تمرير قانون الحقوق المدنية في 1964​.

وفي عام 1998، تم فتح سجلات هذه الجريمة بأمر من المحكمة، ما كشف عن تواطؤ الولاية العميق في جرائم قتل النشطاء الثلاثة عام 1964، حيث أثبتت التحقيقات أنهم قتلوا بالقرب من مدينة فيلادلفيا بولاية ميسيسيبي، عندما كانوا يحققون في إحراق أحد المواقع التي خصصت لتصويت الناخبين السود في الانتخابات لمنعهم من ممارسة حقوقهم.

ونقلت التحقيقات أن أحد أعضاء جماعة "كو كلوكس كلان" العنصرية المتشددة، أجبر شويرنر على الخروج من سيارته، ووجه مسدسًا إلى صدره، سائلا إياه: "هل أنت من محبي الزنوج؟"، فأجاب شويرنر بعبارة: "سيدي، أعرف تمامًا ما تشعر به، لكنها حقوقهم في الإنسانية"، فأطلق الرجل عليه النار فورا مع رفيقيه.

وظلت جثث الثلاثة غير مكتشفة لمدة 44 يومًا، وفي غضون ذلك، أصبحت قضية عمال الحقوق المدنية المفقودين قصة وطنية كبرى، ما أجبر مكتب التحقيقات بالحكومة الفيدرالية على إجراء تحقيق كامل واستدعاء بحارة البحرية وقوات أخرى للمساعدة في البحث.

رمز للتضحية من أجل الحرية والعدالة

وعندما أزاحت التحقيقات الستار عن حادثة القتل، بات مايكل شويرنر ورفاقه رمزاً للتضحية بالنفس من أجل الحرية والعدالة، وتحول مقتلهم إلى مثال على النضال السلمي ضد العنصرية والانتهاكات الحقوقية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال ستينيات القرن العشرين، ناضل القادة السود مع المجتمع للحصول على حقوق متساوية، وشهدت هذه الفترة أحداثاً مهمة أدت إلى إلغاء القوانين العنصرية وتحقيق مكاسب كبيرة بفضل تشريع قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حق التصويت لعام 1965.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية