التمييز العنصري وانعدام المساواة يؤججان الفقر للمنحدرين من أصل إفريقي
ضمن أعمال الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان
خلصت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة في تقرير لها ضمن أعمال الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.إلى أن عدم المساواة العرقية والتمييز العنصري بأشكاله المتعددة والمتنوعة يؤججان الفقر وعدم المساواة الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف للمنحدرين من أصل إفريقي في جميع أنحاء العالم، وأن التمكين الاقتصادي للمنحدرين من أصل إفريقي يعود بالنفع ليس عليهم فقط ولكن على البشرية كلها.
وقدم تقرير فريق الخبراء المعني بالمنحدرين من أصل إفريقي، الذي عينه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عدة توصيات لمعالجة هذه المشكلة، أهمها توفير الموارد المناسبة لتنفيذ إعلان وبرنامج عمل "ديربان"، والدعوة إلى عقد ثانٍ للمنحدرين من أصل إفريقي، والالتزام بوضع الصيغة النهائية للإعلان المتعلق بحقوق المنحدرين من أصل إفريقي.
وجاءت نتائج التقرير بناء على مخرجات الدورة الحادية والثلاثين لفريق الخبراء المعني بالمنحدرين من أصل إفريقي في مكتب الأمم المتحدة في جنيف في الفترة من 28 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2022، ودورته الثانية والثلاثين في الفترة من 1 إلى 5 مايو 2023، بمشاركة ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن أعضاء حلقات النقاش المدعوين.
وأجرى الفريق العامل زيارة إلى أستراليا وزيارة إلى المملكة المتحدة، وتعاون مع الدول الأعضاء من خلال إجراءاته المتعلقة بالبلاغات بشأن ادعاءات تتعلق بحدوث انتهاكات، حيث أرسل 13 بلاغا إلى إسبانيا، وتونس، والبرازيل، وغيانا، وكولومبيا، والمغرب، وموريشيوس، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى شركات تويتر، وغوغل، وفيسبوك، وأبل، كما شارك في العديد من الفعاليات والأنشطة الدولية والإقليمية ذات الصلة.
استغلال الأفارقة
ولاحظ الفريق العامل أن حقوق المنحدرين من أصل إفريقي في الأرض والعمل والملكية الفكرية والابتكار وحقوقهم الإنجابية حُوِلت باستمرار إلى سلع خاضعة للاستغلال منذ الاتجار في الأفارقة المستعبدين، وأنه يُنظر إلى المنحدرين من أصل إفريقي، على مر التاريخ وفي الوقت الحاضر، على أنهم أهداف لتحقيق النفوذ الاقتصادي، وليسوا عناصر للابتكار، وأنهم ما زالوا يتعرضون للاستغلال، وقد شمل ذلك تدهور الإنتاج المعرفي للسود وإسهامهم في الابتكار والقيادة على مستوى العالم.
مبدأ تنظيمي
وشدد فريق الخبراء على أن ضمان الإنصاف والمساواة في الوصول والتمكين الاقتصاديين ينبغي أن يحافظ على مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في مجال الحقوق الاقتصادية.
وخلص التقرير إلى أن مناهضة السود تعد مبدأ تنظيميا، لحشد السلطة السياسية والثروة الاقتصادية، وللتوافق مع مصالح المستعمرين السابقين، وتسهيل هيمنة الشركات.
ديون السود
وتعد ديون السود، والنظم والسياسات التي عززت بفعالية عدم الاستقرار واستنزاف الأصول من الأفراد والمجتمعات المنحدرة من أصل إفريقي من خلال الأدوات المالية، عبئاً على المستويات الوطنية والمجتمعية والفردية، حيث تتجذر المديونية في الاسترقاق الذي يحرم الأفارقة من حريتهم وأسرهم وأقاربهم وهويتهم ولغاتهم وسبل العيش التقليدية وممتلكاتهم ورفاههم، ويحرمهم في كثير من الحالات من حياتهم، ويحط من قدر الثقافة الإفريقية، وينكر تاريخ إفريقيا، ويقلل من قيمة المعارف ونظم التعليم الإفريقية.
وشدد الخبراء على أن الهياكل والنظم والسياسات والممارسات في مرحلة ما بعد الاستعمار لا تزال تحاكي القصد والغرض اللذين حُددا أثناء الاسترقاق والاستعمار في الجوانب المتقاطعة للمجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ما يعرض المنحدرين من أصل إفريقي لموجة جديدة من الحرمان والمشقة الاقتصادية وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
وتوجد هذه الهياكل والنظم والسياسات والممارسات في المجالات المصرفية والمالية، والتأمين والضرائب، وحقوق واستخدام الأراضي، وتقييد الدول القومية بأكملها بمطالب الصناعات الأولية والاستخراجية، والشروط غير العادلة وغير المتكافئة للتجارة الدولية، والتعليم والتنشئة الاجتماعية غير الملائمين والبعيدين عن الممارسات والسلوكيات التقليدية.
غياب العدالة التمويلية
أنفقت الدول الجزرية النامية، التي تضم الكثير من السكان السود والمعَّرضة بشكل خاص لصدمات المخاطر الطبيعية الشديدة وتغير المناخ، في تسديد الديون أكثر مما تلقته في إطار تمويل المناخ بواقع 18 ضعفا، وبينما كانت الحكومات والمَلكيات وطبقة التجار مشاركة في المقام الأول في مديونية السود، فقد ساهمت الأنظمة الاستبدادية الدينية في أوروبا -ولا تزال تسهم- في تلك المديونية.
زيادة الوعي
وعلى الجانب الإيجابي، أشار التقرير إلى تزايد وعي المنحدرين من أصل إفريقي بضرورة اتخاذ خطوات لعكس مسار السياسات، وتفكيك الهياكل، والدعوة إلى الانتصاف، والمضي قدما في بناء رفاههم وثرواتهم وإعادة بنائها، كما تتزايد مشاركتهم الواضحة في اتخاذ تلك الخطوات والمجاهرة بآرائهم.
وعلى المستوى الفردي، نجا العديد من المنحدرين من أصل إفريقي من عبء المديونية أو أفلتوا منها، ويجب أن ينصب التركيز على تخليص جميع الأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي من عبء الديون على المستويات الفردية والمجتمعية والوطنية.
وشدد التقرير على أن انتشار الاغتراب الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المنحدرة من أصل إفريقي يشير إلى أن التحول إلى العدالة الاقتصادية والتعويضية ضرورة للخروج من المأزق.
أكبر الخاسرين
وأشار التقرير إلى أنه غالبا ما تتركز النساء المنحدرات من أصل إفريقي في العمالة غير النظامية وغير المستقرة، وأنهن يتقاضين أجرا أقل من الرجال، ويقمن بالمزيد من الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر.
وتؤثر أوجه الإجحاف الرقمي تأثيرا شديدا على انتشار المعلومات المضللة والمغلوطة، وتقيد الفرص الاقتصادية والنجاحات للمنحدرين من أصل إفريقي.
وكانت العمليات الاستخراجية وإدارة الصناعات الاستخراجية مدمرة للمنحدرين من أصل إفريقي في العديد من البلدان، بما فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية، دون توفير مستويات معيشية مناسبة أو وظائف أو مزايا واضحة أخرى، وفي كثير من الأحيان لم تعوض المعونة الإنمائية هذا الاستغلال، ولم تخفف من حدة الفقر المستمر في معظم البلدان الغنية بالموارد في العالم.
القدرة على التمكين
أثبتت الاتحادات الائتمانية والتعاونيات والدوائر، التي تعتمد على القواسم اللغوية المشتركة والقيم والمبادئ والأخلاق والتنوع في الكفاءة التجارية، القدرة على تمكين المنحدرين من أصل إفريقي.
وكشف التقرير عن وجود زخم يدفع إلى ضرورة عالمية للعدالة التعويضية والتحول من الخطابة إلى الواقع في أنحاء كثيرة من العالم وفي إفريقيا، وهناك زخم متزايد على مستوى مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي، واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والمجتمع المدني، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية، باتجاه تنشيط حملة مدروسة بعناية وتأنٍ تضم أصحاب مصلحة متعددين.
وفي أمريكا اللاتينية، عقدت كولومبيا مؤتمرا عالميا حول جبر الأضرار في عام 2022 بالإضافة إلى الخطوات العملية التي اتخذتها ولاية كاليفورنيا، وإعادة بعض البلدان الأوروبية بعض القطع الأثرية الثقافية إلى إفريقيا، من بين أمور أخرى.
ومن بين العوائق الملحوظة التي تحول دون حصول المنحدرين من أصل إفريقي فورا على سبل الجبر: إنكار المسؤولية استنادا إلى القانون الدولي الانفرادي أو الاستعماري؛ والشكوك غير المتناسبة والتساؤلات بشأن قدرة المنحدرين من أصل إفريقي على إدارة الأصول؛ والتمثيل المفرط لمرتكبي الانتهاكات السابقين، ورفض قضية المنحدرين من أصل إفريقي أو التقليل من شأنها.
علاقة متبادلة
ويعزز كلٌ من العدالة الاقتصادية وجبر الضرر الآخرَ، ومن شأن سبل الجبر المتناسبة والملائمة والسريعة والكافية أن تعّطل الحلقة المفرغة لاستغلال الأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي، وأن تهيئ سبلا للحصول على الموارد وإعادتها.
العدالة التعويضية
تعد العدالة التعويضية للمنحدرين من أصل إفريقي مسألة منطقية، وتعود بالنفع على البشرية، وتشمل إعادة الأصول والقطع الثقافية وتتطلب حوار جديدا وشراكات تعيد ضبط العلاقات الدولية على أساس الثقة والأمانة والاحترام المتبادل.
ويعود تاريخ نضال إفريقيا من أجل تحقيق العدالة التعويضية إلى تسعينيات القرن العشرين، وهي متجذرة في عمل مجلس وزراء (منظمة الوحدة الإفريقية) الاتحاد الإفريقي الآن، إذ قام أول مؤتمر إفريقي معني بالتعويضات في عام 1993 بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية وحكومة نيجيريا.
ويرحب الفريق العامل بالجهود الحالية الرامية إلى إنشاء جبهة موحدة للعدالة، ودفع التعويضات، وبذل جهود مشتركة من جانب إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي للنهوض بالعدالة التعويضية، بالتعاون مع منتدى القضاة والحقوقيين الأفارقة.
ويثني الفريق العامل على اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لقرارها بشأن “خطة تعويضات إفريقيا وحقوق الإنسان للأفارقة في الشتات والمنحدرين من أصل إفريقي في جميع أنحاء العالم”.
إعلان وبرنامج عمل ديربان
يعد إعلان وبرنامج عمل ديربان أشمل إطار للقضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وغير ذلك من أشكال التعصب، وأدى هذا الإطار، الذي اعتمدته الجمعية العامة في عام 2002، إلى تعزيز ملف المنحدرين من أصل إفريقي، وإنشاء أدوات مهمة لمكافحة العنصرية على الصعيد الدولي، والاعتراف بأهمية التدابير أو الإجراءات الإيجابية باعتبارها ضرورية للتغلب على آثار العنصرية في المجتمع، وإدراج مكافحة العنصرية في جداول العمال الوطنية.
وجاء إعلان وبرنامج عمل ديربان نتيجة لتوافق في الآراء قائم على التضامن العالمي، وتم التوصل إلى صياغة توافقية بعد جهود مكثفة على جميع المستويات، ما جعل إعلان وبرنامج عمل ديربان وثيقة عالمية وشاملة.
التوصيات:
وفي نهاية التقرير أوصى فريق خبراء الأمم المتحدة بالعديد من التوصيات، منها:
ينبغي على الدول الأعضاء أن تتصرف بمسؤولية بما يحقق المصالح الفضلى للمنحدرين من أصل إفريقي، وينبغي لكيانات الأمم المتحدة أن تتقيد بهذه المبادئ في سياساتها وممارساتها الداخلية والخارجية.
ينبغي لجميع أصحاب المصلحة تعزيز الوعي وتحسين التثقيف العام لأسباب مديونية السود والعواقب المترتبة عليها.
يجب على البرلمانيين أن يعتمدوا أطراً تشريعية فعالة لتفادي المديونية القسرية وتنظيم الهياكل والنظم والسياسات المالية لرصد وتقييم أسباب عبء المديونية وعواقبها.
يجب على المنظمات الدينية أن تعلم المساواة العرقية وأن تعظ بها وتمارسها في جميع المجالات.
ينبغي على الدول الأعضاء والمنظمات الدينية والأمم المتحدة وغيرها من الكيانات أن تتخذ تدابير إيجابية لتعزيز ودعم مشاريع السود.
ينبغي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تعلن عقدا دوليا ثانيا للمنحدرين من أصل إفريقي، وتنفيذه بشكل كامل بوسائل منها توفير الموارد ونشر المعلومات.