«فايننشال تايمز»: شركات النفط تتعمد إخفاء تسربات الميثان رغم تأثيرها الكارثي

«فايننشال تايمز»: شركات النفط تتعمد إخفاء تسربات الميثان رغم تأثيرها الكارثي
شركات النفط والغاز تتعمد إخفاء تسربات غاز الميثان

أظهر تحليل لصحيفة “فايننشال تايمز” أن شركات النفط والغاز تتعمد إخفاء تسربات غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة الضارة التي تُسهم بشكل كبير في تغير المناخ.

ووقالت الصحيفة اليوم الأربعاء أن  غاز الميثان من أقوى الغازات الدفيئة، حيث يتسبب في الاحتباس الحراري بنسبة 80 ضعف ثاني أكسيد الكربون خلال العشرين عامًا الأولى من انبعاثه، ما يجعل الحد من هذه الانبعاثات أمراً بالغ الأهمية لتفادي كارثة بيئي.

يأتي هذا الكشف في وقت تجتمع فيه الدول لمناقشة تغير المناخ في قمة "كوب 29" في باكو، أذربيجان.

ووفقاً لمؤسسة "كاربون مابر"، التي تعمل على قياس الانبعاثات من الفضاء، رُصدت تسريبات ضخمة للميثان بالقرب من العاصمة الأذربيجانية بين أبريل ويونيو، ما يكشف حجم التحديات التي تواجه التحكم في هذه الانبعاثات عالمياً، لكن على الرغم من ذلك، لا تزال انبعاثات الميثان من قطاع النفط والغاز خارج أولويات القمة، وهو ما يُعقّد الجهود الرامية للحد من الاحترار العالمي.

التأثيرات البيئية والصحية

يلعب غاز الميثان دوراً مزدوجاً في إحداث آثار بيئية وصحية خطيرة، فهو يزيد من تكوين الأوزون على مستوى الأرض، الذي يُعد ملوثاً هوائياً رئيسياً يسهم في وفاة ما يقرب من مليون شخص سنوياً بسبب الأمراض التنفسية حول العالم، إضافةً إلى ذلك فإن تسربات غاز الميثان غالباً ما تكون مصحوبة بمواد مسرطنة وملوثات خطرة أخرى، ما يضيف أبعاداً خطيرة على الصحة العامة، خاصة في المناطق القريبة من مواقع الإنتاج.

ويكمن التحدي الأساسي في أن غاز الميثان يُعتبر غازاً غير مرئي وعديم الرائحة، ما يجعل اكتشافه أصعب بكثير مقارنةً بالملوثات الأخرى.

سابقاً، كانت مراقبة تسريبات الميثان تتم عبر أجهزة محمولة أو طائرات، لكن في السنوات الأخيرة، تم الاعتماد بشكل أكبر على الأقمار الصناعية المتقدمة التي يمكنها تحديد انبعاثات الميثان بدقة أكبر وعلى نطاق أوسع.

استراتيجيات الشركات لإخفاء الانبعاثات

طوّرت شركات الطاقة استراتيجيات متعددة لإخفاء انبعاثاتها من الميثان، ومن بين هذه الاستراتيجيات الشائعة الاعتماد على تقنيات غير كافية لرصد التسريبات الصغيرة، أو حتى تبرير إطلاق الغاز في الغلاف الجوي لأسباب تتعلق بالسلامة.

ووفقاً لحديث دكتور إريك كورت، أستاذ علوم المناخ بجامعة ميشيغان، للصحيفة فإن القطاع النفطي يطلق كميات كبيرة من الميثان أكثر بكثير مما يتم الكشف عنه رسمياً، مما يعني أن البيانات الرسمية حول الانبعاثات قد تكون أقل بكثير من الواقع.

وفي قمة المناخ السابقة في 2021، دعمت 150 دولة تعهد "الميثان العالمي"، الذي يستهدف خفض الانبعاثات العالمية للميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030.

ويقول الناشط البيئي مانفريدي كالتاجيروني، رئيس مرصد الميثان التابع للأمم المتحدة إنه رغم الجهود الكبيرة، لا تزال الانبعاثات ترتفع، مشيرا إلى ان خفض انبعاثات الميثان بسرعة يعد أسرع وسيلة لتجنب أسوأ تأثيرات التغير المناخي.

دور الأقمار الصناعية

مع تقدم تكنولوجيا الأقمار الصناعية، بدأت شركات مثل "كاربون مابر" بإطلاق أقمار متخصصة لرصد أعمدة الميثان حول العالم، وقد رصدت هذه الأقمار مواقع متعددة في سوريا وليبيا وتكساس بعد إطلاقها مؤخراً، ما يتيح فرصة لإجراء قياسات دقيقة قد تضغط على الحكومات والشركات لاتخاذ خطوات عاجلة.

لكن التحدي الأكبر يكمن في جمع بيانات دقيقة ومتسقة على نطاق عالمي، حيث يشير مستشار سابق لشؤون المناخ في البيت الأبيض، بول بليدسو، إلى أنه من دون هذه البيانات، سيظل من الصعب التحكم في انبعاثات الميثان، على الرغم من أن توافر هذه المعلومات يُعد خطوة أساسية لتحفيز الدول والشركات على اتخاذ إجراءات ملموسة.

استمرارية انبعاثات الميثان رغم التعهدات

على الرغم من تعهد أكثر من 50 شركة نفطية بتقليل انبعاثاتها من الميثان إلى الحد الأدنى، لا تزال انبعاثات هذا الغاز في قطاع الطاقة تُسجل أرقاماً قياسية، ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تجاوزت انبعاثات الميثان العالمية من قطاع الطاقة الأرقام المعلنة بنسبة تقارب 70%، مما يشير إلى فجوة كبيرة بين البيانات الرسمية والواقع على الأرض.

علاوة على ذلك، تؤكد البيانات المستندة إلى مليون قياس جوي أجرتها مجلة "نيتشر" أن انبعاثات الميثان من حقول النفط والغاز في الولايات المتحدة وحدها تفوق التقديرات الحكومية بثلاثة أضعاف، وهو ما يكلف المجتمع مليارات الدولارات سنوياً من حيث التأثيرات الصحية والبيئية.

المراقبة الذاتية

لا تتوقف استراتيجيات الشركات عند إخفاء الانبعاثات فحسب، بل تشمل أيضاً اللجوء إلى الحرق الدوري للغاز، ووفقاً للبنك الدولي، تحرق الشركات حوالي 148 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وهو حجم يمكن أن يغذي منطقة جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا بالطاقة لمدة عام كامل.

ورغم تعهدات الشركات الكبرى بمنع الحرق الروتيني بحلول عام 2030، فإن بعض الشركات لا تبلغ إلا عن انبعاثات المرافق التي تشغلها مباشرة، ما يعقّد الجهود في حصر الانبعاثات الفعلية ومعالجتها.

ومن جانب آخر، يعترض الخبراء على الأجهزة التي تدعي الشركات استخدامها في مراقبة الانبعاثات المستمرة، إذ إنها تلتقط جزءاً بسيطاً من التسريبات الفعلية، ما يؤدي إلى نتائج مضللة حول حجم الانبعاثات، ويرى المحللون أن الضغط على الشركات لتبني تقنيات أكثر شفافية يعد ضرورة عاجلة لتجنب تفاقم الأزمة البيئية.

المستقبل البيئي وتفاقم الانبعاثات

بالنظر إلى التسارع الحالي في ارتفاع تركيزات الميثان في الغلاف الجوي، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني سياسات شاملة وإجراءات صارمة تتطلب من الشركات الشفافية الكاملة في الكشف عن انبعاثاتها، ومع دخولنا حقبة من الأزمات البيئية المتفاقمة، بات من الواضح أن السيطرة على انبعاثات الميثان تعد أولوية قصوى لضمان مستقبل بيئي مستدام.

وتتطلب معالجة مشكلة انبعاثات الميثان تضافر جهود دولية وإرادة سياسية قوية، فضلاً عن التعاون الوثيق بين الشركات والحكومات لتبني سياسات جادة وشاملة لمكافحة التغير المناخي، وضمان مستقبل أكثر أماناً وصحة للأجيال المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية