من رماد الحرب إلى فجر الأمل.. كيف تلعب المرأة دوراً في صناعة مستقبل المجتمعات ما بعد النزاع؟

من رماد الحرب إلى فجر الأمل.. كيف تلعب المرأة دوراً في صناعة مستقبل المجتمعات ما بعد النزاع؟
نساء متضررات من النزاعات المسلحة في السودان

عندما تنطفئ نيران الحروب ويعود السكون إلى مناطق النزاع، تبدأ رحلة طويلة من إعادة البناء والتعافي، وعلى الرغم من أن الحرب قد تبدو في ظاهرها كصراع سياسي أو عسكري، فإن تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تلقي بظلالها العميقة على النساء اللاتي يجدن أنفسهن في قلب هذه المآسي. 

يتطلب بناء المجتمعات بعد النزاع دورًا فعّالًا من النساء، لكنهن غالبًا ما يواجهن تحديات شائكة في ظل هشاشة الأوضاع، وغياب الدعم الكافي، واستمرار الأنماط الثقافية التي تعيقهن عن أداء أدوارهن.

تشير التقارير الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2023) إلى أن النساء يشكلن 50% من سكان المناطق التي تعاني من آثار النزاعات المسلحة، حيث ترتفع نسبة النازحات إلى نحو 60% من مجموع اللاجئين والنازحين داخليًا. 

في سوريا على سبيل المثال، تقدر الأمم المتحدة عدد النساء السوريات النازحات داخليًا أو اللاجئات خارج البلاد بأكثر من 6.5 مليون امرأة،هذه الأرقام تسلط الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه النساء في استعادة حياتهن الطبيعية بعد النزاع، إذ غالبًا ما يكنّ المسؤولات الرئيسيات عن إعالة أسرهن في ظل غياب الرجال الذين قتلوا أو اختفوا خلال الحرب.

التحديات الاقتصادية

أحد أبرز العقبات التي تواجه النساء في المجتمعات الخارجة من النزاع هي التحديات الاقتصادية، النزاعات المسلحة غالبًا ما تدمر البنى التحتية الاقتصادية، وتجعل فرص العمل شحيحة للغاية، وهو ما يدفع بالنساء إلى هامش الاقتصاد غير الرسمي.

وفي اليمن، يشير تقرير صادر عن منظمة "أوكسفام" (2023) إلى أن أكثر من 80% من النساء لا يملكن مصدر دخل ثابت، بينما تعيش 90% منهن تحت خط الفقر من جهة أخرى، لا تتلقى النساء سوى 10% من القروض التنموية الصغيرة، ما يحد من قدرتهن على بدء مشاريع تعيد لهن الاستقلال الاقتصادي، ولأن الاستقلال المالي يعد مدخلًا رئيسيًا لبناء مجتمعات أكثر عدالة، فإن هذا الوضع يفاقم التفاوتات الاجتماعية ويعيق التعافي الشامل.

الصحة الإنجابية

الصحة الإنجابية تعد من أكثر المجالات تضررًا في المجتمعات الخارجة من النزاع، يشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (2023) إلى أن أكثر من 50% من النساء في مناطق النزاع لا يحصلن على خدمات صحية أثناء الحمل أو الولادة، ما يؤدي إلى معدلات وفيات مرتفعة بين الأمهات تصل في بعض الدول إلى 25 لكل 1000 ولادة.

وفي اليمن، تعاني أكثر من مليوني امرأة من مشكلات صحية مرتبطة بالحمل والولادة بسبب نقص المرافق الطبية، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لإعادة بناء نظم الصحة العامة بشكل يضمن وصول النساء إلى الخدمات الضرورية، هذه الإحصاءات تؤكد أن النساء، بدلًا من أن يكنّ أدوات للتغيير، يصبحن ضحايا لتجاهل الأنظمة الصحية لأوضاعهن الخاصة.

ويتأثر التعليم أيضا بشكل كبير في مراحل ما بعد النزاع، النزاعات المسلحة غالبًا ما تدمر المدارس أو تجعلها غير صالحة للاستخدام، ما يحرم الفتيات من حقهن في التعليم بحسب تقرير اليونيسف (2022)، فإن 7.5 مليون فتاة عربية حُرمن من التعليم بسبب النزاعات.

في العراق، على سبيل المثال، انخفضت نسبة التعليم بين الفتيات إلى أقل من 30% بعد الحرب، ما يؤدي إلى تزايد معدلات الأمية بين النساء ويقوض فرصهن في المشاركة الفعّالة بإعادة بناء مجتمعاتهن حرمان النساء من التعليم لا يضر بهن فقط، بل ينعكس على الأجيال القادمة، حيث تصبح الأسرة بأكملها أقل قدرة على الصمود أمام التحديات.

العقبات الثقافية والاجتماعية

وإلى جانب التحديات الاقتصادية والصحية والتعليمية، تأتي العقبات الثقافية والاجتماعية التي تتفاقم في أعقاب النزاعات، في المجتمعات الخارجة من الحرب، غالبًا ما تشهد القيم الاجتماعية التقليدية تشددًا أكبر كرد فعل على حالة الفوضى والانهيار التي أحدثتها الحرب، فالنساء، اللاتي لعبن دورًا رئيسيًا في الحفاظ على تماسك العائلات خلال فترات النزاع يواجهن ضغوطًا متزايدة للعودة إلى أدوارهن التقليدية بمجرد انتهاء الحرب. 

في السودان، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة (2023) أن النساء اللاتي شاركن بفعالية في الاحتجاجات والمبادرات المجتمعية تعرضن لتهميش ممنهج بعد استعادة المؤسسات المدنية بعض صلاحياتها، حيث يُنظر إليهن كتهديد للنظام الاجتماعي التقليدي.

ولا ينتهي العنف القائم على النوع الاجتماعي بانتهاء النزاع، بل يتزايد في بعض الحالات. تشير منظمة العفو الدولية (2023) إلى أن النساء في المجتمعات الخارجة من الحرب يواجهن أشكالًا متعددة من العنف، بدءًا من التحرش والاستغلال الجنسي، وصولًا إلى العنف المنزلي الذي غالبًا ما يتصاعد في ظل ضغوط ما بعد النزاع. 

زيادة حالات الزواج القسري

في سوريا، أظهرت دراسة أجرتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية أن 37% من النساء تعرضن للعنف الجسدي أو النفسي بعد النزاع، بينما ازدادت حالات الزواج القسري بنسبة 20% في المناطق الريفية كوسيلة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية.

رغم هذه التحديات، تُظهر النساء في المناطق الخارجة من النزاع قدرة مذهلة على التكيف والصمود في العراق، قادت النساء الناشطات مبادرات لتعليم الفتيات وتقديم الدعم النفسي للناجيات من العنف. 

واستهدفت إحدى هذه المبادرات، التي أطلقتها مجموعة نسوية عراقية عام 2021، تدريب 500 شابة على المهارات التقنية وريادة الأعمال، وهو ما أسهم في تحسين فرص العمل للنساء ودعم الاقتصاد المحلي. هذه الأمثلة تؤكد أن تمكين النساء ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة لبناء مستقبل مستدام.

وفي اليمن، فتُعد مبادرة "نساء لأجل السلام"، التي قادتها ناشطات محليات، نموذجًا يحتذى به هذه المبادرة عملت على تقديم برامج تدريبية لتأهيل النساء على الوساطة المجتمعية، مما أدى إلى إشراكهن في جهود المصالحة وحل النزاعات المحلية. 

وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2022)، فإن إشراك النساء في عمليات السلام يزيد من احتمالية نجاح الاتفاقيات بنسبة 35%، مما يعزز أهمية دمج النساء في جميع مراحل إعادة الإعمار.

ويرى حقوقيون أنه وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يزال الطريق طويلًا أمام النساء في المجتمعات الخارجة من النزاع، فتحتاج الحكومات والمنظمات الدولية إلى تقديم دعم أكبر وأكثر استدامة لتمكين النساء من أداء دورهن في بناء المجتمعات، ويجب أن تشمل هذه الجهود توفير برامج تمويل صغيرة للنساء، وإعادة بناء نظم التعليم والصحة بما يتناسب مع احتياجاتهن، وضمان تمثيلهن في عمليات صنع القرار.

نساء نجحن في النهوض

على مر العصور، تمكنت العديد من النساء من النهوض من بين أنقاض النزاعات والاحتلالات لبناء أنفسهن ومجتمعاتهن، وفي العصر الحديث، تبرز العديد من القصص النسائية التي شكلت نماذج ملهمة في الصمود والتحول من ضحايا للحروب إلى فاعلات أساسيات في بناء السلام والاستقرار المجتمعي.

وتأثرت النساء في العراق، بشكل خاص بالنزاع المستمر في البلاد، رغم ذلك، استطاعت نساء عراقيات مثل زهراء البشير، التي أسست العديد من المشاريع التي تركز على تمكين النساء في مجتمعاتهن المحطمة، أن يبرهن على قدرة النساء على التحول من ضحايا إلى فاعلات من خلال هذه المشاريع، تم توفير فرص عمل للنساء اللاتي فقدن كل شيء في النزاع، مما سمح لهن بإعادة بناء حياتهن وتأهيل مجتمعاتهن. هذه المشاريع تضمنت توفير التدريب المهني للنساء في المناطق المحرومة، ما سمح للعديد منهن بالاستقلال الاقتصادي وتطوير مهاراتهن. 

أما في رواندا، فإن بولين ناجيرا تعتبر من أبرز النماذج النسائية التي استطاعت النهوض بعد الإبادة الجماعية التي مرت بها البلاد في التسعينيات بعد المذبحة التي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك العديد من النساء.

 تحولت بولين إلى مناضلة من أجل حقوق النساء الروانديات، وأنشأت مؤسسة خيرية لدعم النساء ضحايا العنف الجنسي والناجيات من الإبادة من خلال هذه المؤسسة، قدمت الدعم النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى مساعدات قانونية واقتصادية للنساء المتضررات… إن إنجازاتها في مجال تمكين المرأة الرواندية أسهمت بشكل كبير في إعادة بناء المجتمع الرواندي.

ومن بين الشخصيات التاريخية التي تجسد نماذج ملهمة للنساء بعد النزاع تأتي جان دارك، البطلة الفرنسية التي قادت المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في القرن الخامس عشر، ورغم أن النزاع كان ذا طابع ديني وعرقي، استطاعت جان دارك أن تؤثر بشكل غير مسبوق على مجريات الحروب، بل وكانت رمزا للحرية والمقاومة ورغم التحديات، فقد آمنت بأن النساء يمكنهن التأثير في القرارات العسكرية والسياسية، وأثبتت قدرتها على تحقيق النجاح.

صمود وسط التحديات

وقالت خبيرة حقوق الإنسان، مها برجس، إن المرأة بعد انتهاء النزاع تجد نفسها في مواجهة واقع محفوف بالتحديات، بدءًا من النهوض بالأسرة مرورًا بالمشاركة في جهود الإعمار، وصولًا إلى مواجهة التمييز المستمر الذي يحد من قدرتها على تحقيق تطلعاتها، ومع ذلك، أظهرت النساء مرارًا وتكرارًا قدرة فريدة على الصمود والتكيف، متجاوزات عقبات تبدو في ظاهرها مستعصية، مؤكدة أن دور المرأة في بناء المجتمعات بعد النزاع هو تجسيد عملي للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وأبرزها مبدأ الكرامة الإنسانية والمساواة وعدم التمييز. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، الصادر عن الأمم المتحدة، ينص على أهمية تمكين النساء لضمان مشاركتهن الكاملة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع ذلك، تتناقض هذه المبادئ مع الواقع الذي تواجهه النساء، حيث تظل البنى الثقافية والاجتماعية في بعض المجتمعات عائقًا أمام تحقيق هذه الحقوق.

وأضافت: واحدة من أبرز الصعوبات التي تواجه النساء هي إعادة بناء حياتهن الاقتصادية وسط بيئة انهارت فيها معظم مصادر الدخل التقليدية مع غياب الدعم الهيكلي في المجتمعات الخارجة من النزاع، تجد النساء أنفسهن غالبًا معيلات لأسرهن في ظل فقدان الأزواج أو الآباء، سواء بسبب الموت أو الفقدان، تفتقر النساء في هذه الظروف إلى الموارد الأساسية، مثل القروض التمويلية أو التدريب المهني، مما يجعلهن حبيسات الاقتصاد غير الرسمي، حيث يعانين من الاستغلال وسوء ظروف العمل. من الناحية الحقوقية، يُعد هذا الوضع انتهاكًا صارخًا للحق في العمل اللائق المنصوص عليه في المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وأشارت برجس إلى أنه رغم هذه العقبات، تُظهر النساء قدرة فائقة على التكيف، عبر استخدام مهاراتهن في الحياكة، والزراعة، أو الحرف اليدوية، ينجحن في إنشاء مشاريع صغيرة توفر دخلاً مستدامًا لعائلاتهن. هذه النماذج تجسد أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا كركيزة أساسية لإعادة بناء المجتمعات، وهو ما يتوافق مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالمساواة بين الجنسين.

وقالت إنه إلى جانب الصعوبات الاقتصادية تواجه النساء تحديات نفسية واجتماعية معقدة نتيجة النزاعات، فالحروب تُخلف وراءها ندوبًا عميقة تتمثل في فقدان الأحبة، والتعرض للعنف، والتهجير القسري، ورغم أن النساء يُعدن ضمن الفئات الأكثر تضررًا من هذه الآثار، فإنهن غالبًا ما يصبحن محور التعافي المجتمعي من خلال مبادرات مجتمعية تطوعية، فتسهم النساء في تقديم الدعم النفسي للناجيات من العنف، وتنظيم جلسات التوعية لمساعدة الأسر في التعامل مع الصدمات. هذه الجهود ليست مجرد عمل اجتماعي، بل هي ممارسة فعلية للحق في الصحة النفسية المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

واسترسلت: تظل المشاركة السياسية واحدة من أهم الميادين التي تصطدم فيها المرأة بحواجز مستمرة في أعقاب النزاع، وغالبًا ما يتم استبعاد النساء من طاولات صنع القرار، رغم أنهن يتحملن العبء الأكبر في إعادة بناء المجتمعات، فتهميش النساء سياسيًا يُعد انتهاكًا واضحًا لمبدأ المساواة في المشاركة السياسية المنصوص عليه في المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومع ذلك، برزت نماذج نسوية ملهمة تمكنت من تحدي هذا الوضع، حيث شاركت النساء في مفاوضات السلام أو قمن بتشكيل تحالفات محلية للدفاع عن حقوقهن وضمان أن تكون أصواتهن مسموعة في إعادة صياغة العقود الاجتماعية والسياسية.

وذكرت أن المرأة تتخطى أيضًا العقبات التعليمية التي فرضها النزاع، حيث تعمل على تعويض النقص في الخدمات التعليمية عبر تنظيم دروس محو الأمية أو فتح مدارس غير رسمية في مخيمات اللاجئين هذه المبادرات لا تسهم فقط في تمكين النساء والفتيات، بل تؤسس لثقافة تعليمية يمكن أن تكون حجر الأساس لمجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا، فمهارات المرأة في التغلب على هذه التحديات ليست مجرد دليل على صمودها، بل تُظهر كيف يمكن لمبدأ الحق في الكرامة الإنسانية أن يتجسد في أفعال عملية.

وأتمت: ما تحتاج إليه النساء في هذه الظروف هو دعم هيكلي مستدام يضمن توفير الموارد الأساسية، وتعزيز وصولهن إلى مراكز القيادة، وحمايتهن من العنف والتمييز… تحقيق ذلك يتطلب تعاونًا فعّالًا بين الحكومات، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني لضمان ترجمة المبادئ الحقوقية إلى واقع ملموس.

مواجهة الوصم وإعادة بناء الذات

وقال خبير علم الاجتماع، فهمي قناوي، إن المرأة التي تجد نفسها في خضم مجتمعات ما بعد النزاعات تواجه تحديات اجتماعية ونفسية متشابكة تضعها في مواجهة قاسية مع واقع يحمل إرثًا من العنف والاضطراب، فالنزاعات المسلحة لا تترك فقط آثارًا مادية على البنية التحتية للدول، بل تترك أيضًا جراحًا عميقة في النسيج الاجتماعي، حيث تصبح المرأة ضحية مباشرة وغير مباشرة للتحولات المدمرة التي تلحق بالمجتمع، وأحد أبرز التحديات الاجتماعية التي تواجهها المرأة هو الوصم الاجتماعي.

وتابع قناوي، في تصريح لـ"جسور بوست": بعد النزاعات، تتعرض النساء اللاتي كُنَّ ضحايا للعنف أو الاغتصاب لوصم مزدوج، مرة بسبب معاناتهن من العنف الجنسي، وأخرى بسبب النظرة المجتمعية التي غالبًا ما تلوم الضحية بدلاً من المعتدي هذا الوصم لا يقف عند حدود الأفراد فقط، بل قد يمتد ليشمل العائلات التي تتعرض للنبذ أو التهميش بسبب ما يُعتبر "إساءة لشرف العائلة". 

وأضاف أن هذه الضغوط الاجتماعية تجعل النساء في حالة دائمة من القلق والخوف؛ ما يعوق اندماجهن الطبيعي في المجتمع بعد النزاع، فالنزوح والتهجير يضيفان بُعدًا آخر من المعاناة، وتفقد النساء في مثل هذه الظروف الاستقرار الاجتماعي والشبكات الداعمة التي كانت تشكل حماية لهن، وتصبح الأعباء الأسرية مضاعفة على المرأة النازحة، التي قد تتحمل مسؤولية إعالة أسرتها في بيئة جديدة مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الموارد الاقتصادية يجعلها أكثر عرضة للاستغلال والعمل في ظروف غير إنسانية.

وتابع: تعاني النساء من اضطرابات ما بعد الصدمة التي تنشأ نتيجة مشاهد العنف والخسائر الفادحة التي تعرضن لها أو شاهدنها، فتعيش النساء في صراعات داخلية عميقة نتيجة الإحساس بالعجز أو فقدان الأمل، ما يؤدي إلى الاكتئاب واضطرابات القلق، وفي بعض الحالات تفتقر النساء إلى الدعم النفسي المناسب الذي يمكن أن يساعدهن في التعامل مع هذه التحديات، ورغم هذه التحديات تمتلك النساء قدرة ملحوظة على التكيف مع الأوضاع الصعبة، مستمدة من مهاراتهن الفطرية والمكتسبة في إدارة الأزمات. 

وأشار إلى أن العديد من النساء يبدأن ببناء شبكات دعم صغيرة مع الأخريات اللاتي يعشن الظروف نفسها، ما يخلق نوعًا من التضامن الاجتماعي الذي يساعد على تخفيف العبء النفسي، فالمبادرات المجتمعية التي تطلقها النساء في مخيمات النازحين أو في المدن التي عادت الحياة إليها تدريجيًا تُعد نموذجًا ملهمًا للقدرة على الصمود، هذه المبادرات تتنوع بين تعليم الأطفال، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، وحتى تنظيم ورش عمل صغيرة لتعليم الحرف اليدوية، ما يعيد إحساسًا بالهدف والجدوى إلى حياتهن.

وقال قناوي: إن المؤسسات الدولية تلعب دورًا حاسمًا في دعم النساء خلال هذه المرحلة، فتوفير مساحات آمنة للنساء للتعبير عن تجاربهن وآلامهن دون خوف من الأحكام المسبقة يُعتبر خطوة أساسية لتعزيز شفائهن النفسي، بالإضافة إلى ذلك فإن تعزيز برامج التمكين الاقتصادي، مثل تقديم قروض صغيرة أو توفير التدريب المهني، يساعد النساء على كسب الاستقلالية المالية التي تعتبر عنصرًا رئيسيًا في استعادة كرامتهن واندماجهن الاجتماعي.

وأضاف أن الحلول الفردية ليست كافية لمواجهة هذه التحديات، فمن الضروري أن تنخرط المجتمعات بشكل جماعي في تبني سياسات تعيد بناء الروابط الاجتماعية على أسس من المساواة والعدالة، فإزالة الوصم الاجتماعي عن ضحايا النزاعات، وتعزيز ثقافة التسامح، وتكريس مفهوم المسؤولية الجماعية تجاه التعافي المجتمعي، تمثل مسارات رئيسية لتحسين وضع النساء.

وأتم: المرأة في المجتمعات ما بعد النزاعات ليست فقط متلقية للمساعدات، بل هي عنصر أساسي في جهود إعادة البناء بدعم مجتمعي حقيقي ومن خلال إعطائها الفرصة الكاملة للمشاركة، يمكن للمرأة أن تكون قوة دافعة نحو التعافي الشامل، ليس فقط لنفسها بل لمجتمعها بأكمله، ومواجهة التحديات الاجتماعية والنفسية تبدأ من تعزيز الثقة بقدرات المرأة وإعطائها الأدوات اللازمة لتكون شريكة فعالة في بناء مستقبل أفضل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية