حملت مخاطر عدة.. تفاقم تداعيات أزمة التغيرات المناخية في البلدان العربية خلال 2024
حملت مخاطر عدة.. تفاقم تداعيات أزمة التغيرات المناخية في البلدان العربية خلال 2024
تشهد المنطقة العربية تحديات متزايدة نتيجة أزمة تغير المناخ، وهي قضية عالمية تمس جميع جوانب الحياة، إذ تفاقمت تداعيات الظاهرة في عام 2024، لتؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان، ما استدعى الحاجة إلى تكثيف الجهود الإقليمية والدولية للتعامل مع هذه الأزمة.
وتتجلى تأثيرات تغير المناخ في المنطقة العربية من خلال ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وتزايد الكوارث الطبيعية مثل العواصف الرملية والفيضانات، ما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة، حيث يتجاوز تأثيرها البيئة ليصل إلى حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في المياه النظيفة، والغذاء، والسكن، والصحة وغيرها.
وتتحمل الفئات الأكثر هشاشة، مثل النساء والأطفال واللاجئين وكبار السن والعمالة غير المنتظمة وذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما في المجتمعات النامية والفقيرة والريفية، العبء الأكبر من هذه التداعيات، إذ تتعرض هذه الفئات لانتهاكات حقوقية متزايدة، بما في ذلك تدهور سبل العيش وزيادة النزوح القسري.
وتعوق تداعيات تغير المناخ تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في البلدان، حيث يتزايد الضغط على الأنظمة البيئية والاجتماعية والسياسية، ما يبرز العلاقة المتداخلة بين تغير المناخ وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم.
وتشهد الدول العربية ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، ما أدى إلى موجات حر شديدة، خصوصًا في شمال إفريقيا، فضلا عن تزايد الجفاف في مناطق مثل السودان والعراق الذي أدى إلى تدهور الأراضي الزراعية ونقص المياه، ما أثر على الأمن الغذائي والمعيشي والإنساني.
وتعاني معظم الدول العربية من ندرة المياه، حيث يُعتبر الوطن العربي أحد أكثر المناطق التي تواجه أزمة مائية عالمية، الأمر الذي أسهم في تزايد التصحر وتدهور الأراضي الزراعية في دول مثل اليمن ومصر، ما دفع السكان إلى النزوح الداخلي بحثًا عن موارد.
وشهدت بعض الدول العربية خلال 2024 أمطارًا غزيرة أدت إلى فيضانات، وأودت بحياة عشرات الأشخاص في بعض هذه الدول، كما كشفت عن هشاشة البنية التحتية في مواجهة ظاهرة تغير المناخ.
وساهمت موجات الحر والتلوث في انتشار الأمراض التنفسية والجلدية، بالإضافة إلى زيادة الضغط على الأنظمة الصحية في الدول العربية، كما تأثرت قطاعات الزراعة والصيد والصناعات المرتبطة بالموارد الطبيعية بشدة، ما أدى إلى فقدان الوظائف وارتفاع معدلات البطالة.
وتبنت عدة دول عربية خططًا وطنية لمواجهة تغير المناخ، مثل مبادرات السعودية للطاقة النظيفة و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، ومبادرة مصر لتعزيز مشروعات الطاقة المتجددة، مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية.
وشهدت المنطقة زيادة في المبادرات الشبابية والجمعيات غير الحكومية التي تركز على تعزيز الوعي المناخي والدعوة إلى سياسات بيئية مستدامة، إلى جانب تعزيز التعاون مع جهات دولية لتعزيز الوعي البيئي وتقديم الدعم الفني والمالي.
وتشارك الدول العربية في المؤتمرات الدولية لبحث حلول مستدامة للحد من تغير المناخ، ووضع استراتيجيات لدعم المجتمعات الأكثر تضررًا، وضمان حقوقهم الأساسية في الغذاء والمياه والسكن، إذ تشكل أزمات المناخ تهديدًا وجوديًا للمنطقة العربية، حيث تعمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان.
معاناة الدول العربية
وتواجه الدول العربية تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية، تختلف في حدتها وفقًا لعوامل طبيعية وبشرية، لكنّ هناك دولاً تشهد تفاقمًا ملحوظًا نتيجة لعوامل جغرافية واقتصادية وبنيوية تجعلها أكثر عرضة لتداعيات هذه الظاهرة.
ويتعرض السودان للجفاف المتكرر نتيجة التغيرات المناخية، ما أدى إلى تدهور الأراضي الزراعية ونقص الغذاء، ونزوح آلاف السكان بسبب الفيضانات المتكررة، كما حدث في الأعوام الأخيرة.
وتعاني ليبيا ضعف البنية التحتية وقلة الاستعداد لمواجهة الكوارث المناخية، ما أدى إلى كارثة درنة في عام 2023 حيث أدت الأمطار الغزيرة إلى انهيار السدود وحدوث فيضانات كارثية، إضافة إلى زيادة التصحر وتدهور الموارد المائية.
ويشهد العراق انخفاضا في تدفقات نهري دجلة والفرات بسبب تغير المناخ والسدود في دول الجوار، وارتفاع درجات الحرارة والجفاف المتكرر، ما أدى إلى التصحر وتراجع الأراضي الزراعية وأزمات المياه التي تؤثر على الزراعة وإمدادات الشرب.
وأدت النزاعات المسلحة في اليمن إلى تفاقم ضعف البنية التحتية وتفاقم أزمة المياه الجوفية وتدهور الأراضي الزراعية، كما أثر ارتفاع درجات الحرارة على سبل العيش في المناطق الريفية في البلاد.
وأدى الاعتماد الكبير على مياه نهر النيل في مصر، والذي تأثر بتغير المناخ والسدود في دول المنبع، إلى تهديد المناطق الساحلية المنخفضة (مثل دلتا النيل) وتدهور الأراضي الزراعية بسبب الملوحة والجفاف، وخطر غرق مناطق في الدلتا بسبب ارتفاع البحر.
وفي المغرب وتونس والجزائر تزايدت موجات الجفاف بسبب تناقص الأمطار الموسمية، والضغط على الموارد المائية بسبب الطلب المتزايد، وارتفاع درجات الحرارة في المناطق الجبلية والصحراوية، ما أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتزايد حرائق الغابات.
ظواهر مناخية متطرفة
قال استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي في اليمن، الدكتور عبدالقادر الخراز، إن الدول العربية شهدت في عام 2024 ظواهر مناخية متطرفة، سيما في المغرب وتونس والجزائر واليمن، متطلعا أن يتم مواجهة مخاطر الفيضانات والجفاف، بخطط لتقليل تأثيرها على الفئات المهمشة الأكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية.
ودعا الخراز في تصريح لـ"جسور بوست" الدول العربية لأن يكون لها استعداد ومشاريع لإنقاذ حياة الفئات المهمشة عبر الاستفادة من التمويلات الدولية وتركيزها على دعم تلك الفئات، مؤكدا أهمية أن يوجه العالم تمويلاته للدول العربية الأقل نموا في إطار إجراءات التكيف ومقاومة التغيرات المناخية ووضع خطط تخفض من معدلات النزوح والفقر وغيرها.
وأضاف: "يجب أن تكون هناك كفاءات تقوم بالعمل والتخطيط، وتكون التمويلات تحت الرقابة لضمان وصولها وتنفيذها للمشاريع التي تواجه مخاطر التغيرات المناخية وتقلل العبء الكبير عن الفئات المهمشة، والإسراع في مشاريع خفض الانبعاثات ودعم الطاقة المتجددة والنظيفة بشكل عام، وافتتاح مصانع صديقة للبيئة".
وشدد الخبير البيئي اليمني على أهمية أن تأخذ الدول العربية نصيبها في 2025 من التمويلات المخصصة لإجراءات التكيف من الدول الصناعية الكبرى المتسببة في هذا التطرف المناخي، مؤكدا أن هناك عجزا دوليا في حجم تمويلات مكافحة التغيرات المناخية، ويجب أن تكون استجابة الدول الكبرى أسرع وأكثر جدية.
ومن جانبه، رأى الدكتور محمد الراعي، أستاذ الدراسات البيئية وخبير دراسات التغير المناخي، أن المنظمات الدولية يجب عليها تقديم المساعدات المالية والتقنية للدول العربية لمواجهة التغيرات المناخية وتقليل التأثير والمخاطر.
مخاطر التغيرات المناخية
وأكد الراعي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الدول العربية انتبهت في السنوات الأخيرة لمخاطر التغيرات المناخية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الاهتمام بمواجهة التغيرات المناخية عربيا وزيادة الدعم الدولي المخصص للدول العربية لمواجهة مخاطر التغيرات المناخية.
وأوضح الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ في مصر، أن بعض الدول العربية شهدت ظواهر مناخية متطرفة في 2024، وذلك من حيث الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، ما أدى بالتبعية إلى تضرر الفئات المهمشة والضعيفة في هذه المجتمعات.
وأضاف عزيز، في تصريح لـ"جسور بوست"، أنه خلال قمة باكو الأخيرة للمناخ (كوب 29) صدر قرار بمضاعفة المساعدات للدول النامية لثلاثة أضعاف، والعالم العربي جزء مهم معني بهذا القرار وينتظر أن يحصد نصيبه لمواجهة التغيرات المناخية ودعم الفئات المهمشة المتضررة جراء تلك تغير المناخ.
وأعرب الخبير المصري عن تطلعه إلى زيادة المساعدات المالية للدول العربية خلال عام 2025، مؤكدا أن العالم بدأ جديا في تخفيف الآثار السلبية للتغيرات المناخية، إلى جانب المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة والدول الكبرى للدول الفقيرة والمحتاجة التي تواجه الكوارث المناخية.