أبرزها للمرأة والطفل.. حزمة إصلاحات تشريعية تدعم حقوق الإنسان بالدول العربية في 2024

أبرزها للمرأة والطفل.. حزمة إصلاحات تشريعية تدعم حقوق الإنسان بالدول العربية في 2024
إصلاحات تشريعية تدعم حقوق الإنسان- صورة تعبيرية

شهد الوطن العربي في عام 2024 تطورات ملحوظة في مجال التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث تبنت العديد من الدول قوانين جديدة تستهدف تحسين حقوق الأفراد والمجتمعات وتعزيز العدالة الاجتماعية، تأتي هذه الإصلاحات في إطار استجابة الدول للتحديات المتزايدة التي تفرضها التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومع ذلك، يبقى السؤال الملح.. إلى أي مدى تعكس هذه القوانين التزامًا حقيقيًا بحقوق الإنسان، وهل يمكنها ترجمة النصوص القانونية إلى واقع ملموس؟

في مجال حقوق المرأة، سجلت عدة دول عربية تقدمًا ملحوظًا، حيث أصبحت قضايا تمكين المرأة وحمايتها من أولويات الأجندة التشريعية. 

في المملكة العربية السعودية، تم تحديث نظام الأحوال الشخصية ليشمل تعديلات تدعم حقوق المرأة في قضايا الطلاق والنفقة والحضانة، ما يعزز استقلاليتها القانونية. 

وجاءت هذه التعديلات بالتوازي مع جهود أخرى لتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، حيث أُقرت قوانين تحظر التمييز وتعزز التكافؤ في الفرص. 

ولا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه النساء في مناطق أخرى من العالم العربي، حيث تعيق الأعراف الاجتماعية والتنفيذ الضعيف للقوانين إحراز تقدم فعلي في بعض الدول العربية.

في تونس، تم تعزيز الحماية القانونية للمرأة من خلال تعديل قانون العنف ضد النساء ليشمل توفير ملاذات آمنة للضحايا وزيادة العقوبات على مرتكبي الجرائم الأسرية.

ووفقًا لبيانات وزارة المرأة والأسرة التونسية، فإن عدد النساء اللاتي استفدن من برامج الحماية القانونية والخدمات الاجتماعية زاد بنسبة 25% في 2024، مع ذلك، يبقى تنفيذ هذه القوانين تحديًا كبيرًا، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من نقص في الموارد والوعي المجتمعي.

على صعيد حقوق الطفل، حقق المغرب إنجازات ملحوظة من خلال قانون جديد يحظر عمالة الأطفال دون سن 15 عامًا ويعزز الوصول إلى التعليم. 

وبحسب تقرير وزارة التعليم المغربية، فإن نسبة التحاق الأطفال بالمدارس الابتدائية ارتفعت إلى 96% في 2024، مقارنة بـ91% في 2020، وهو مؤشر إيجابي يعكس تأثير التشريعات على تحسين الظروف التعليمية. في السودان، تم اعتماد قانون لمكافحة زواج الأطفال، ما يعد خطوة مهمة في حماية حقوق الفتيات، ومع ذلك، تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن تنفيذ هذا القانون يواجه عقبات كبيرة بسبب الأعراف الاجتماعية التي تدعم الزواج المبكر، خاصة في المناطق النائية.

وشهدت حرية الرأي والتعبير تطورات مختلفة في العالم العربي، ففي قطر، تم تعديل قانون الصحافة ليشمل حماية أكبر للصحفيين من الملاحقات القانونية التعسفية، مع تعزيز الشفافية في التعامل مع قضايا حرية التعبير. وفقًا لتقرير "مراسلون بلا حدود"، فإن ترتيب قطر في مؤشر حرية الصحافة العالمي ارتفع بثلاثة مراكز في 2024، ما يعكس تحسنًا نسبيًا. 

وفي لبنان، أُقر قانون يهدف إلى مكافحة الأخبار المزيفة مع ضمان عدم التضييق على حرية التعبير. ومع ذلك، أعرب ناشطون حقوقيون عن قلقهم من أن بعض بنود القانون قد تُستخدم لتقييد الحريات الإعلامية تحت ذريعة محاربة التضليل.

وكانت حقوق اللاجئين والمهاجرين في صلب الإصلاحات التشريعية، في الأردن، تم اعتماد قانون جديد يتيح للأطفال اللاجئين حق الوصول إلى التعليم الأساسي والرعاية الصحية المجانية. وفقًا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ارتفعت نسبة الأطفال اللاجئين الملتحقين بالمدارس في الأردن من 65% في 2023 إلى 72% في 2024، وهو تطور إيجابي يشير إلى التزام الحكومة بتحسين أوضاع اللاجئين. في المقابل، تواجه دول أخرى مثل لبنان تحديات متزايدة في إدارة قضايا اللاجئين، حيث لا تزال القيود المفروضة على حقوق العمل والتنقل تمثل عقبة أمام تحقيق العدالة الاجتماعية لهذه الفئة.

وباتت القضايا البيئية وحقوق الأجيال القادمة محور اهتمام متزايد في التشريعات العربية، ففي سلطنة عمان، أُصدر قانون جديد لحماية الموارد الطبيعية يفرض عقوبات صارمة على الأنشطة التي تتسبب في تدمير البيئة. ووفقًا لتقرير وزارة البيئة العمانية، فإن معدل إزالة الغابات غير القانوني انخفض بنسبة 45% في 2024، مقارنة بالعام السابق. في السعودية، تم اعتماد قوانين جديدة لدعم التحول نحو الطاقة المتجددة، مع تحديد هدف تحقيق 50% من إجمالي استهلاك الطاقة من مصادر نظيفة بحلول 2035.

وعلى صعيد الأمن الرقمي، شهدت عدة دول عربية تطورات تشريعية ملحوظة، ففي الإمارات العربية المتحدة، تم تعديل قانون الجرائم الإلكترونية ليتضمن عقوبات مشددة على انتهاكات الخصوصية الرقمية.

ووفقًا لهيئة تنظيم الاتصالات الإماراتية، فإن نسبة الشركات التي تبنت معايير الأمان السيبراني ارتفعت إلى 88% في 2024، مقارنة بـ78% في 2023. 

كما أصدرت حكومة دولة الإمارات مرسوماً بقانون اتحادي في أغسطس الماضي يقضي بتعديل بعض أحكام تنظيم علاقات العمل.

وجاء صدور المرسوم بقانون في إطار التطوير المتواصل للبنية التشريعية في الإمارات، وبهدف ضمان كفاءة سوق العمل في الدولة وتعزيز تنافسيتها وتنظيم علاقات العمل وتحديد حقوق والتزامات أطرافها على نحو متوازن، وتوفير الحماية لهم وتمكينهم من الحصول على حقوقهم في إطار قانوني.

وأصدرت الإمارات خلال السنوات الخمس الماضية، نحو 55 قانوناً معنياً برعاية وتعزيز حقوق الإنسان، منها قانون الحماية من العنف الأسري، ومكافحة التمييز والكراهية والتطرف، وحماية الشهود، والأحداث الجانحين، ومجهولي النسب، ومكافحة الاتجار بالبشر، وتنظيم دور العبادة لغير المسلمين، وتنظيم الإعلام وتنظيم علاقات العمل، وحقوق كبار المواطنين وحماية البيانات الشخصية.

وفي الكويت، أُقر قانون جديد لحماية البيانات الشخصية يفرض غرامات تصل إلى 100 ألف دينار كويتي على الشركات التي تنتهك خصوصية الأفراد.

وحظيت حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة باهتمام خاص في بعض الدول العربية، ففي البحرين، تم اعتماد قانون جديد يضمن توفير بيئات عمل ملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، مع تقديم حوافز مالية للشركات التي تلتزم بتوظيفهم.

ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة العمل البحرينية، فإن نسبة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص زادت بنسبة 12% في 2024.

وفي مصر، تم إصدار لوائح جديدة لتيسير وصول ذوي الإعاقة إلى الخدمات العامة، بما في ذلك النقل والمرافق الحكومية، وهو ما يعكس توجهًا نحو تعزيز التكافؤ والمساواة.

رغم هذه الإنجازات، فإن التحديات المتعلقة بتنفيذ القوانين وضمان تطبيقها بشكل عادل لا تزال قائمة، ففي العراق، على سبيل المثال، ورغم إقرار قانون جديد يهدف إلى تعزيز حقوق المجتمع المدني، فإن الناشطين الحقوقيين يواجهون تضييقات متزايدة، ما يحد من فاعلية هذه الإصلاحات. تشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى أن 30% من الجمعيات المسجلة حديثًا في العراق في 2024 لم تتمكن من مباشرة أعمالها بسبب العقبات البيروقراطية والتهديدات الأمنية.

تحديات التطبيق وغياب الفاعلية

وقال الخبير التشريعي، رفعت فودة: في إطار التطورات القانونية التي شهدتها الدول العربية في عام 2024، يظهر أن العديد من التشريعات الجديدة التي تم تبنيها كانت تهدف إلى تحسين واقع حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية، ورغم أن هذه المبادرات القانونية تحمل في طياتها نوايا طيبة تسعى لتوفيق التشريعات المحلية مع المعايير الدولية، فإن الواقع الفعلي يظل مغايرًا، يمكننا القول إن بعض هذه القوانين، رغم أهميتها النظرية، تواجه تحديات كبيرة في التنفيذ الفعلي على الأرض.

وأضاف “فودة”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن من أبرز المشكلات التي تواجه هذه القوانين هي غياب آليات التنفيذ الفعالة. ففي حين أن العديد من النصوص القانونية التي تم سنها تتماشى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كما وردت في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا أن التطبيق يظل قاصرًا في معظم الأحيان، على سبيل المثال، تقضي المادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بوجوب ضمان الحقوق المقررة في هذا العهد دون تمييز من أي نوع، لكن الواقع يشير إلى أن الكثير من التشريعات المحلية لا تعكس هذا الالتزام بشكل كافٍ، حيث تُمارس تفرقة قانونية في مسائل حقوقية تتعلق بالجنس أو الجنسية أو حتى حرية التعبير.

وشدد على أن غياب الاستقلالية الحقيقية للسلطة القضائية في بعض البلدان يعد أحد أبرز المعضلات القانونية التي تحول دون فاعلية هذه القوانين.

وأشار إلى أن هذا التحدي، المتمثل في ضعف قدرة القضاء على ضمان احترام المبادئ الدستورية، يشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الأفراد، فتطبيق القوانين التي تضمن الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير كما تنص عليها المادة 19 من العهد الدولي، يتعرض للتقييد في بعض الحالات تحت مسميات الأمن القومي، ما يجعل هذه الحقوق عرضة للانتهاك.

واسترسل، نقص التنسيق بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني يشكل عائقًا آخر أمام تحقيق الأهداف المنشودة من هذه التشريعات، ففي بعض الأحيان، تصبح هذه القوانين مجرد نصوص جامدة تُكتب في الأوراق دون أن يتم تفعيلها بشكل حقيقي في المجتمع، بسبب عدم وجود آليات فعالة للتنفيذ أو مراقبة مدى التزام الدولة بتطبيق هذه القوانين. 

وتابع، هناك فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي لهذه القوانين، حيث إن غياب التنفيذ الجاد والمراقبة الفعالة يمثل تحديًا حقيقيًا يعوق تحقيق العدالة والمساواة في عدد من الدول العربية، ومن الضروري أن تعمل تلك الدول على إصلاح الأنظمة القضائية وتعزيز استقلالية القضاء، كما أن على الحكومات أن تضع آليات فعالة لمراقبة تنفيذ القوانين وتطبيقها بطريقة تحترم حقوق الأفراد بشكل حقيقي. 

وقال “فودة”، إنه لا يكفي أن تكون النصوص القانونية موقعة ومصادق عليها، بل يجب أن تترجم هذه النصوص إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، حيث إن تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان في المنطقة لا يمكن أن يتم إلا من خلال الالتزام الفعلي بتطبيق القوانين وحمايتها من أي تراجع أو تهميش.

وأتم، التحديات القانونية التي تواجه المنطقة العربية في هذا السياق تتطلب إرادة سياسية حقيقية، إلى جانب دعم قوي من المجتمع المدني والجهات الحقوقية، لضمان أن تصبح القوانين الحالية قوة حقيقية في الدفاع عن الحقوق وتفعيل العدالة.

تحديات التطبيق وتفاوت التأثير

وقالت الخبيرة الحقوقية، ترتيل درويش، إن الدول العربية شهدت موجة جديدة من التشريعات الحقوقية التي تهدف إلى معالجة قضايا اجتماعية واقتصادية متزايدة التعقيد، ورغم أن هذه القوانين قد تبدو على السطح تطوراً إيجابياً يعكس رغبة الحكومات في التماشي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإن التقييم العميق يكشف عن مشكلات جوهرية تعيق تحقيق أهدافها المرجوة، على سبيل المثال، تمثل في سن قوانين تعزز حقوق المرأة، مثل تحسين قوانين العمل والمساواة في الأجور وتوسيع حماية النساء من العنف الأسري. 

وقالت درويش، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن هذه الخطوات تتماشى مع المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد أن "جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق" ومع ذلك، يظل الإطار التشريعي في عدد من الدول العربية مجرد قشرة دون أن يلامس جوهر التحديات، العديد من هذه القوانين يفتقر إلى آليات تنفيذ فعالة، إذ تبقى المرأة عالقة في منظومات ثقافية وقضائية تضعف إمكانية تطبيق الحقوق الممنوحة لها، مثل رفض بعض المحاكم الاعتراف ببلاغات العنف بسبب تأثير الأعراف الاجتماعية.

وقالت ترتيل درويش، إن بعض الدول العربية شهدت تشريعات تُلزم بتوفير التعليم الأساسي للأطفال ومنع عمالة الأطفال، ويعكس هذا التزاماً بالمادة 26 من الإعلان العالمي التي تنص على أن “لكل شخص الحق في التعليم”، لكن التنفيذ يواجه تحديات مالية وإدارية، حيث لا يزال ملايين الأطفال خارج النظام التعليمي بسبب النزاعات أو الفقر أو غياب البنية التحتية. في بعض الحالات، تفاقمت هذه الأوضاع بسبب عدم وجود شراكات مع المجتمع المدني لضمان الوصول إلى الفئات المهمشة.

وأشارت إلى أنه في بعض الدول قُدمت قوانين تحسن من الحريات الفردية مثل تقنين حرية التعبير وحماية الصحفيين. ورغم أن هذا يتماشى مع المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن حرية التعبير والرأي، فإن التطبيق يعاني من قيود مستمرة، في كثير من الأحيان، تُستخدم صياغات فضفاضة في هذه القوانين مثل "المساس بالأمن العام" لتبرير قمع الآراء المعارضة. وهذا يثير تساؤلات حول مدى الالتزام الحقيقي للحكومات بتعزيز الحريات.

واختتمت أنه إذا أردنا أن نحكم على أهمية هذه القوانين من منظور حقوقي، فإننا نجد أنها تحمل قيمة نظرية كبيرة؛ فهي تمثل محاولة لترسيخ مبادئ مثل الكرامة الإنسانية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية ولكن هذه القوانين تفتقر إلى روح المبادرة الحقيقية التي تتطلب مشاركة مجتمعية أوسع واستقلالية أكبر للجهات الرقابية، ويتطلب تحسين هذا الوضع تعزيز سيادة القانون، وتطوير آليات الشكاوى، وتمكين المجتمع المدني كجزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح الحقوقي. بدون هذه الخطوات، ستظل القوانين الجديدة حبيسة النصوص، عاجزة عن تحقيق الأثر المنشود على حياة الأفراد في المنطقة العربية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية