جيمي كارتر.. رجل السلم الذي رفض حروب العالم وانتصر لحقوق الإنسان

جيمي كارتر.. رجل السلم الذي رفض حروب العالم وانتصر لحقوق الإنسان
جيمي كارتر

بعد شهر على بلوغه 100 عام من العمر، لم يفرط الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في حرصه على المشاركة السياسية ببلاده، إذ أدلى بصوته بالبريد في جورجيا لصالح المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس، بعد أن أخبر أسرته أنه يريد أن يعيش طويلاً بما يكفي للتصويت لها، لتكون هذه الانتخابات الرئاسية هي الحادية والعشرين له كناخب.

توفي جيمي كارتر، الأحد، في منزله بمدينة بلينز بولاية جورجيا، بعد أن قضى نحو أكثر من عام في دار لرعاية المسنين، ليسدل الستار على حياة الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تجاوز عمره المئة عام، وكانت حياته قبل وأثناء وبعد رئاسته مليئة بالإنجازات.

وولد كارتر في 1 أكتوبر عام 1924 حيث نشأ في بيئة زراعية متواضعة، وعمل مع عائلته في زراعة الفول السوداني، قبل أن يلتحق بمدرسة محلية ويكمل تعليمه في الأكاديمية البحرية الأمريكية، ليتخرج في عام 1946.

وتزوج كارتر من روزالين سميث في العام نفسه الذي تخرج فيه من الأكاديمية البحرية الأمريكية، حيث أنجبا 4 أبناء وهم جون ويليام (جاك) عام 1947، وجيمس إيرل الثالث (تشيب) عام 1950، ودونيل جيفري (جيف) عام 1952، وأيمي لين عام 1967.

تاريخ سياسي وإنساني حافل

وخدم كارتر في برنامج الغواصات النووية للبحرية الأمريكية بين عامي 1946 و1953 قبل أن يقدم استقالته وهو على رتبة ملازم قائد، ويعود إلى مسقط رأسه بمدينة بلينز بعد وفاة والده ويساعد عائلته في إدارة مزرعة الفول السوداني وأعمال المستودعات.

وتواجد جيمي كارتر في مجلس شيوخ ولاية جورجيا بين عامي 1963 و1966، وحاول دون جدوى الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب حاكم الولاية، لكنه بعد إصرار 4 سنوات انتخب حاكما لولاية جورجيا بين عامي 1971 و1975. 

وفي أواخر عام 1974 أعلن كارتر ترشحه للرئاسة، لترد صحيفة أتلانتا عليه بمانشيت: "جيمي من؟"، لكن سماته الشخصية كانت تأبى الكسر، حيث خاض رئاسيات 1976 وهزم منافسه جيرالد ر. فورد، وفاز بنسبة 51 بالمئة من الأصوات بواقع 297 صوتًا انتخابيًا مقابل 240 صوتًا لفورد.

وعقب تأدية كارتر اليمين الدستورية كرئيس رقم 39 للولايات المتحدة، وفي أول أيام توليه المنصب، أصدر عفواً عن معظم المتهربين من الخدمة العسكرية في حقبة فيتنام، ليفتح صفحة جديدة ويطوي حقبة انتقامية غمرها الاستقطاب في الولايات المتحدة.

كارتر في الذاكرة العربية

كارتر اسم لا يزال محفورا في الذاكرة العربية، إذ وقع على اتفاقية كامب ديفيد الشهيرة تاريخياً مع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في عام 1978، والتي أدت إلى اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل في العام التالي.

وحُرم كارتر من فترة ولاية ثانية من قبل رونالد ريجان، الذي فاز بنسبة 51.6 بالمئة من الأصوات الشعبية مقابل 41.7 بالمئة لكارتر و6.7 بالمئة للمستقل جون أندرسون في رئاسيات عام 1980، ليوجه بوصلته مباشرة إلى الأعمال الخيرية والإنسانية.

وفي عام 1982 أسس جيمي وروزالين كارتر مركز "كارتر" في أتلانتا، الذي تتمثل مهمته في حل النزاعات وحماية حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات في جميع أنحاء العالم، ليضم المركز مكتبة ومتحفا رئاسيا ومكاتب عديدة.

جوائز عالمية

ولعب كارتر أدوارا فاعلة في محادثات نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، وتفاوض على وقف إطلاق النار المؤقت في البوسنة، كما توسط في وقف إطلاق النار في حرب السودان مع المتمردين الجنوبيين، وساهم في دفع عملية السلام في المناطق الأكثر اضطراباً بإفريقيا في تسعينيات القرن الماضي.

وقادت جهود الوساطة والأعمال الخيرية بكارتر إلى الحصول على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1998، وفي العام التالي منح الرئيس بيل كلينتون جيمي وزوجته روزالين وسام الحرية الرئاسي.

وانضم كارتر إلى الرؤساء السابقين فورد وبوش وكلينتون في صلاة في الكاتدرائية الوطنية في واشنطن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وعقب أشهر قليلة زار كوبا وتحدث إلى الدولة الشيوعية على شاشة التلفزيون، ليكون أعلى مسؤول أمريكي يزور كوبا منذ عقود.

وتتويجا لجهوده حصل كارتر على جائزة نوبل للسلام في عام 2002، إذ ذكرت لجنة الجائزة أنها "لجهوده الدؤوبة لإيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

ويعود كارتر ليثير الجدل بالولايات المتحدة بعد اجتماعه مع حركة "حماس" الفلسطينية في عام 2008، حيث لقي هجوما وغضبا عارما من جماعات الضغط اليهودية آنذاك، لكنه ظل صامدا ومستمرا حيث سافر إلى كوريا الشمالية في أثناء تفاوض مركز كارتر على إطلاق سراح مدرس أمريكي مسجون عام 2010.

وخضع كارتر لجراحة استئصال كتلة سرطانية من كبده بمستشفى إيموري في أتلانتا، بعد أن عاد مبكرًا من زيارة مراقبة الانتخابات في غيانا بسبب شعوره بإعياء شديد في عام 2015، ليعلن في العام التالي أن عقارًا تجريبيًا نجح في القضاء على إصابته بالسرطان، وأنه لا يحتاج إلى علاج إضافي.

وفي العام نفسه، تراجع كارتر عن دوره في الخطوط الأمامية ليصبح عضوًا فخريًا للمركز المسمى باسمه، بعد أن سلم حفيده رئاسة مجلس إدارته، قبل أن يقدم مع زوجته روزالين تقريرهما السنوي الأخير شخصيًا في مركز كارتر عام 2019.

العمل الإنساني لكارتر

وفي سن الـ95 عاما، انضم كارتر إلى مشروع العمل مع منظمة هابيتات للإنسانية في ناشفيل بولاية تينيسي، حيث كانت المرة الأخيرة التي يعمل فيها شخصيًا في المشروع السنوي.

وفي عام 2021، غاب كارتر عن حفل تنصيب الرئيس جو بايدن، وهو أول حفل تنصيب رئاسي لا يحضره منذ حفل تنصيبه في عام 1977، ما دفع آل بايدن إلى زيارة آل كارتر لاحقًا في مدينة بلينز للاطمئنان على صحته.

ودخل الرئيس الأمريكي المعمر إلى دار لرعاية المسنين بعد سلسلة من الإقامات القصيرة في المستشفيات في عام 2023، بعد أن احتفل بالذكرى السنوية السابعة والسبعين والأخيرة لزواجه من السيدة روزالين، والتي وافتها المنية في 19 نوفمبر 2023 بمنزلها.

وأتم جيمي كارتر عامه الـ100 في1 أكتوبر الماضي، ليكون أول رئيس أمريكي أسبق يبلغ هذا العمر، إذ احتفل بهذه المناسبة الاستثنائية في منزله مع أبنائه وأحفاده والأصدقاء المقربين، فيما لقي هذا الحدث اهتماما إعلامياً عالمياً بسبب جهود وإسهامات كارتر الاجتماعية والتنموية والسياسية التي كانت تجاوزت 7 عقود متواصلة. 

وظل جيمي كارتر رمزًا للعمل الإنساني والسياسي، حيث أثبت أن القيادة لا تقتصر على فترة الخدمة الرسمية، حيث كان شغوفا بالقضايا الإنسانية، ما جعله يحظى بأثر دائم على العالم وتقدير واسع حتى بين منتقديه السياسيين.

واستطاع كارتر أن يتجاوز لقبه كرئيس أسبق للولايات المتحدة، وأصبح مثالا حياً على القيادة القائمة على القيم الإنسانية، من خلال الالتزام بخدمة الناس ونشر السلام، أصبح أيضا رمزًا للإلهام للعديد من القادة والمواطنين حول العالم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية