نظام المساعدات بغزة.. كيف تحول "البديل الأمريكي-الإسرائيلي" للإغاثة إلى فوضى وموت؟
نظام المساعدات بغزة.. كيف تحول "البديل الأمريكي-الإسرائيلي" للإغاثة إلى فوضى وموت؟
بين تصريحات حديثة لموظفة إعلامية في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ونداءات منظمات إنسانية دولية، يتبدى مشهد مأساوي في قطاع غزة حول خطة توزيع المساعدات المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة والتي اتُّهمت بتقويض مبادئ الإنسانية وتوليد حالات عنف وقتل عند مراكز التوزيع، بل ووُصفت بأنها تجريد من الإنسانية و«تؤدي إلى الفوضى والموت وفق وكالة “الأونروا”
في ربيع 2025 برزت هيئة تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" كمبادرة خاصة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل لتولي عمليات توزيع الغذاء في مناطق من القطاع، بعد قرار إسرائيلي تقييد دخول المساعدات وتقليص دور الأمم المتحدة في بعض خطوط التوزيع.
ووصفت الفكرة بأنها محاولة لاحتواء انحراف المساعدات نحو غير مستحقيها لكنّ منتقديها رأوا فيها استبدالاً لآليات التنسيق الدولية والمعايير الإنسانية المستقرة، وبوابة لإدخال عنصر عسكري وأمني في عملية يفترض أنها حيادية وإنسانية.
إطلاق نار ومآسٍ قرب نقاط التوزيع
ما أعاد القضية إلى واجهة الاهتمام الدولي هو تزايد عدد الوفيات والإصابات قرب مواقع التوزيع منذ انطلاق عمل المؤسسة، فقد وثقت تقارير أممية ومنظمات طبية ميدانية مئات الضحايا.
ووفق حصيلة الأمم المتحدة وسجلات صحية فلسطينية، فإن أعداد الشهداء والجرحى بالقرب من نقاط التوزيع أو على طرق القوافل بلغت مستويات مروعة، مع تقديرات متباينة بأكثر من 1700 ضحية منذ بدء عمل النظام البديل، وهذا أطلق تحذيرات من أن تنظيم التوزيع بمواصفات عسكرية وغياب آليات الحماية والحيادية يحول نقاط الإغاثة إلى مساحات خطرة بدلاً من كونها منقذاً للأرواح.
مطالب حقوقية وأممية
نددت منظمات حقوقية كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود، بالإضافة إلى تحذيرات خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بآليات التوزيع الجديدة، وطالبت بإعادتها إلى إطار الأمم المتحدة وبالتحقيق في الحوادث التي رُصدت عند نقاط التوزيع.
وفي أنماط تصريحات متكررة، حذّر خبراء أمميون من أن عمل مؤسسة مدعومة حكومياً تخضع لرقابة عسكرية يتعارض مع مبادئ حيادية واستقلالية الإغاثة، ويعرض المدنيين لمخاطر مباشرة؛ بل دعت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة إلى تفكيك هذه المؤسسة فوراً وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
تقارير أممية تشير إلى تجاوز مؤشرات سوء التغذية وحالات الجوع الحاد مستوياتها السابقة وتؤكد أن غزة تواجه مرحلة خطِرة من الجوع والمضاعفات الصحية، مع دخول الغذاء والدواء والوقود تحت رقابة صارمة وقيود نقلية.
الخلاف بين الأمم المتحدة وإسرائيل
الخلاف ليس تقنياً فقط، بل هو سياسي/أمني، فإسرائيل -وبراغماتياً- بعض الدول الداعمة تقول إن استثناء آليات تقليدية كان ضرورياً لقطع الطريق أمام اختطاف المساعدات من قبل فصائل مسلحة، بينما ترى الأمم المتحدة والعديد من المنظمات أن استبدال بنية التنسيق الدولية بمشروع شبه عسكري يفتقد الضمانات العملية للسلامة والإمداد المنظم يُعرّض المدنيين في غزة لمخاطر يفترض بالإنسانية تفاديها وفق "واشنطن بوست".
وتفرض منظومة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان التزامات على السلطات المحتلة وحماية المدنيين وحقهم في المساعدات الإنسانية دون تمييز، وتشير جهات حقوقية إلى أن تحميل المدنيين عبء التوزيع أو تعريضهم للقتل أثناء حصولهم على غذاء يمكن أن يدخل في إطار منع وصول المساعدات أو حتى استخدام الطعام كسلاح، وهو أمر تحذّر منه قواعد القانون الدولي.
كما أن اختلال الحيادية واستعمال عناصر أمنية أو عسكرية في توزيع المساعدات يثير أسئلة عن مسؤولية الجهات المنظمة وتبعات أي حادث عنف.
ماذا تقول البيانات والأرقام؟
منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة أعلنتا مؤشرات مقلقة عن ازدياد حالات سوء التغذية والوفيات المرتبطة بذلك في قطاع غزة فيما سجّلت تقارير حقوقية وميدانية مئات الوفيات والآلاف من الإصابات في سياقات مرتبطة بمحاولات الحصول على مساعدات بعد إطلاق النظام البديل، كما وقع أكثر من مئة وخمسين منظمة حقوقية وإنسانية بياناً مشتركاً يطالبون فيه بإيقاف هذا النظام والعودة لآليات الأمم المتحدة.
وفقاً لمنظمة العفو الدولية فإن ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد خلاف مؤسسي حول من يدير صناديق الطعام، إنه اختبار لمبدأ إنساني أساسي بأن وصول الغذاء والدواء إلى المدنيين يجب أن يكون آمناً ومحايداً وغير مسيَّس، وعلى مدى الأسابيع الماضية تصاعدت الأصوات الدولية حيث طالب خبراء أمميون بتفكيك مؤسسة التوزيع المدعومة حكومياً، كما اعتبرت منظمات حقوقية أن النظام يخالف المعايير الإنسانية الأساسية.