كيف يؤثر مشروع «قانون ليكن رايلي» على سياسات الهجرة في الولايات المتحدة؟

كيف يؤثر مشروع «قانون ليكن رايلي» على سياسات الهجرة في الولايات المتحدة؟
سياسات ترامب بشأن الهجرة (تعبيرية)

شرع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في تحقيق تعهداته الانتخابية على أرض الواقع بمشروع قانون يهدف إلى توسيع صلاحيات الترحيل لتشمل المهاجرين غير النظاميين المتهمين بجرائم بسيطة وغير عنيفة، حيث أقر مجلس النواب الأمريكي المشروع بأغلبية الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب، ما أثار جدلًا واسعًا بين مؤيدين يرونه حفاظًا على أمن الولايات المتحدة ومعارضين يحذرون من تأثيره السلبي على حقوق المهاجرين.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن مجلس النواب صوّت لصالح مشروع القانون بأغلبية 264 صوتاً مقابل 159، حيث انضم 48 نائباً ديمقراطياً إلى الجمهوريين في دعم التشريع، وقد حظي المشروع أيضاً بدعم الحزبين في مجلس الشيوخ. 

ووفق الصحيفة ذاتها، يستعد الحزب الجمهوري لتعزيز قوانين الهجرة التي تعطلت في الكونغرس السابق تحت سيطرة الديمقراطيين، لتفعيل أولويات زيادة عمليات الترحيل، واحتجاز طالبي اللجوء خارج الولايات المتحدة، وحرمان المدن التي ترفض التعاون مع سلطات الهجرة من التمويل الفيدرالي. 

ومن المنتظر أن يناقش مشروع القانون الذي يعرف باسم "قانون ليكن رايلي"، تيمنًا بفتاة تبلغ من العمر 22 عامًا قُتلت العام الماضي في ولاية جورجيا على يد مهاجر غير نظامي تم توقيفه بتهمة سرقة بسيطة ولكن لم يُحتجز حينها.

ويمنح مشروع القانون صلاحيات غير مسبوقة لمدعي العموم في الولايات لمقاضاة المسؤولين الفيدراليين في حال أُطلق سراح مهاجر غير نظامي وارتكب جريمة لاحقاً، إذ قال النائب الجمهوري مايك كولينز، مقدم القانون: "هذا التشريع يعالج الثغرات التي تمنع سلطات الهجرة من احتجاز وترحيل المهاجرين غير النظاميين الذين يرتكبون جرائم بسيطة".

في المقابل، أشارت النائبة الديمقراطية براميلا جايابال إلى أن "القانون يضع أشخاصًا أبرياء تحت خطر الاحتجاز، إذ قد يتم القبض عليهم بسبب جرائم لم يرتكبوها.. الجميع يستحق فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء"، محذرة من توسيع فئات الجرائم المشمولة والذي يؤدي إلى زيادة حالات الاحتجاز بشكل غير عادل، مما يُعرض حقوق المهاجرين للخطر.

مفارقات غير متوقعة

 وبمفارقة غير متوقعة، شهدت عمليات ترحيل المهاجرين في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن زيادة ملحوظة، حيث أصدرت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية تقريرًا يشير إلى ترحيل أكثر من 271 ألف شخص في عام واحد، وهو أعلى رقم منذ نحو 10 سنوات بالولايات المتحدة.

ورغم الانتقادات السابقة التي وجهتها إدارة بايدن لسياسات سلفه دونالد ترامب (خلال ولايته الأولى) المتعلقة بالهجرة، اتبعت سياسات مشابهة في بعض الجوانب، وعادة ما تتأثر سياسات الهجرة في الولايات المتحدة بالتغيرات السياسية والإدارية، وهو ما يؤدي إلى تباين في التعامل مع قضايا اللاجئين والمهاجرين بين إدارة وأخرى.

وفي فبراير 2024، وقع بايدن أمرًا يحمي الفلسطينيين في الولايات المتحدة من الترحيل لمدة 18 شهرًا، نظرًا لتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، غير أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يعتزم تنفيذ خطط لترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك إلغاء برامج سمحت لأكثر من 1.3 مليون مهاجر بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني.

وتتسم أزمة اللاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتعقيد وتتشابك فيها عوامل سياسية وإنسانية واقتصادية، لا سيما في ظل التدفق المتزايد في أعداد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، خصوصًا من دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا وغواتيمالا، بالإضافة إلى مناطق أخرى كأفغانستان وأوكرانيا.

وواجهت إدارة جو بايدن انتقادات لتطبيقها بعض سياسات إدارة ترامب السابقة، مثل فصل العائلات أحيانًا، أو فرض قيود على طلبات اللجوء، خاصة أن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه يدعو لسياسات إنسانية تراعي القوانين الدولية، مقابل انتقادات الحزب الجمهوري الذي ينتقد فتح الحدود على مصراعيها.

ويعاني اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين في الولايات المتحدة من ازدحام مراكز الاحتجاز على الحدود الجنوبية، وسوء الأوضاع الصحية والغذائية، إذ تعاني برامج توطين اللاجئين من نقص في التمويل والموارد، إلى جانب تأخير في البت بطلبات اللجوء؛ حيث تستغرق بعض القضايا سنوات طويلة.

وخلال مرحلة التنافس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، احتلت قضية الهجرة واللجوء صدارة اهتمامات المتنافسين، إذ يتخذ الأول موقفا أكثر صرامة وحزما مع قضايا الهجرة، فيما ترتكز الثانية على ملاحقة العصابات العابرة للحدود والمتاجرين بالبشر.

وخلال الولاية الرئاسية لترامب (2017-2021) انتقدت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) ما سمته بـ"ممارسات مسيئة نفذتها واشنطن على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، من خلال المعاملة العنيفة للاجئين وكأنهم مجرمون، والقيود المشددة التي فرضت على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية وغيرها".

وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يتراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، وفق تقديرات مركز بيو للأبحاث، لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث شهدت هذه الأعداد زيادة ملحوظة منذ مارس 2021، لتصل إلى مستويات تاريخية.

المؤيدون والمعارضون

بدوره قال غبريال صوما، البروفيسور في القانون الدولي وعضو المجلس الاستشاري للرئيس دونالد ترامب، إن هذا التشريع يمهد لتنفيذ تعهدات الرئيس المنتخب لتعزيز الأمن على الحدود ومواجهة المهاجرين غير النظاميين، مشيرا إلى أن مجلسي النواب والشيوخ بيد الجمهوريين الذين ينفذون سياسة ترامب التي تقضي بإغلاق الحدود وتعزيز الوصول لأمريكا بالطرق الشرعية والنظامية فقط. 

وأوضح صوما في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "هذا التشريع يحمي حدود أمريكا، خاصة أن إدارة الرئيس جو بايدن سمحت بدخول 10 ملايين شخص بطرق غير قانونية عبر الحدود ويخشى أن يكون منهم مجموعات إرهابية ومجرمون، لذلك فإن ترامب حريص على إرجاع هؤلاء إلى بلادهم والحفاظ على أمن الولايات المتحدة". 

وردا على المخاوف من المساس بحقوق المهاجرين، أجاب صوما قائلا: "ليس مساسا بالمهاجرين القانونيين ولا يوجد أي خطر عليهم، فأمريكا هي بلد المهاجرين، فأنا مهاجر وأهلي وعائلتي مهاجرون، ولا خطر على من يحضر لأمريكا بطريقة قانونية وشرعية".

وأضاف: "لكن الوصول لأمريكا بطريقة غير قانونية والهروب عن طريق الحدود المفتوحة هؤلاء من سيتم إعادتهم لبلادهم، فالأزمة ستحل فقط على غير الملتزمين بالقانون والذين دخلوا الولايات المتحدة بصورة غير نظامية".

على الجانب المقابل، يعتقد عضو الحزب الديمقراطي والباحث والمحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، أنه من المتوقع إصدار مثل هذه التشريعات واستمرار تطبيق تعهدات ترامب، مؤكدا أن المشكلة في التفاصيل وليس في التشريع ذاته، لأنه من المعروف أن قوانين الولاية تسري على من فيها بدرجة أقوى من القوانين الفيدرالية المركزية في أمور كثيرة، فهناك بعض التشريعات في ولايات تحمي المهاجرين، وبالتالي من الممكن أن يحدث صراع بين المؤسسات الفيدرالية والمؤسسات الأمنية الخاصة بالولايات.

وأضاف عفيفي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن هذه الصراعات المتوقعة ستكون بمثابة أول تحدٍ، أما التحدي الثاني فسيتمثل في تطبيق هذا التشريع حيث سيضر ببعض الصناعات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد بشكل كبير على المهاجرين. 

ولفت إلى أن مثل هذه الصناعات في ولايات معينة، مثل فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا، إذ تعتمد الشركات الكبرى فيها وأصحاب المزارع على المهاجرين خاصة من أمريكا الجنوبية لجمع المحاصيل ولا يستطيع القيام بهذا العمل إلا المهاجرون الذين يتم استقطابهم ويتم تقنيين قوانين خاصة بهم.

كما أكد عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي أن هناك أيضا صناعة البناء، وكثير من العاملين بهذه الصناعة من المهاجرين، وهذه صناعة قوية بالولايات المتحدة، وأيضا الصناعات الخدمية في مدينة مثل نيويورك أو المدن الكبرى، فمن يقوم بتقديم الخدمات والنظافة في المطاعم والفنادق من المهاجرين، فلذلك النظر بشكل عام لهذا التشريع ليس صحيحا لأن التفاصيل التي ستنتج عن هذا القانون يجب أن تكون الأساس. 

ومضى مهدي عفيفي قائلا: "المهاجرون الذين يقومون بأعمال إجرامية ولهم سجل إجرامي يتفق الكثيرون على ضرورة إجلائهم من الولايات المتحدة، ولكن الإشكالية ستتعلق بأن الكثير منهم لديه أبناء ولدوا في الولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية، وبالتالي فإن ترحيل الآباء سيخلف مشكلات للأبناء، وهذه هي المعضلة الحقيقية والتشريعات لن تعالج هذه المشكلة". 

وأشار إلى أن المدافعين عن حقوق المهاجرين يؤكدون أن الولايات المتحدة الأمريكية بلد مهجر، مضيفا: "لذا أتوقع ان تعود هذه المسألة للقضاء ويحكم فيها بحسب كل ولاية وكل حالة، ولذلك من المبكر الحكم على قوانين الهجرة خاصة أن التعهدات الانتخابية عادة ما تكون مثار جدل كبير ولا يمكن تطبيقها حرفيا".

وبحسب ترجيحات الخبراء والمراقبين، من المتوقع أن يؤدي هذا القانون، في حال إقراره، إلى تغييرات جذرية في سياسات الهجرة الأمريكية، ما يعكس التحول الكبير نحو تشديد القيود على المهاجرين غير النظاميين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية