مع عودة ترامب للبيت الأبيض.. هل يتحول كابوس المهاجرين إلى «واقع مُر» في أمريكا؟
مع عودة ترامب للبيت الأبيض.. هل يتحول كابوس المهاجرين إلى «واقع مُر» في أمريكا؟
مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في 20 يناير الجاري، تزداد المخاوف من تداعيات تنفيذ سياساته المرتبطة بمنع الهجرة وزيادة أعداد ترحيل المهاجرين وتهديد حق اللجوء في الولايات المتحدة.
ويعاني اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين في الولايات المتحدة من ازدحام مراكز الاحتجاز على الحدود الجنوبية، وسوء الأوضاع الصحية والغذائية، حيث تشهد برامج توطين اللاجئين نقصا لافتا في التمويل والموارد، إلى جانب التأخير في البت بطلبات اللجوء؛ حيث تستغرق بعض القضايا سنوات طويلة.
وخلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب (2017-2021) انتقدت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) ما أسمته بـ"ممارسات مسيئة نفذتها واشنطن على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، من خلال المعاملة العنيفة للاجئين وكأنهم مجرمون، والقيود المشددة التي فرضت على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية وغيرها".
وأصر ترامب خلال حملته الانتخابية على تنفيذ خطة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين منذ اليوم الأول من ولايته، قائلا أمام حشد من مؤيديه في أريزونا الشهر الماضي "في أول يوم لي بعد العودة إلى المكتب البيضاوي، سأوقع على قائمة تاريخية من الأوامر التنفيذية لإغلاق حدودنا أمام المهاجرين غير الشرعيين ووقف غزو بلدنا. سنبدأ تنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا، ستتفوق على الحملة التي نفذها الرئيس دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي".
وتوعد دولة المكسيك (الحدود الجنوبية) بأنه سيفرض رسوما جمركية عليها إذا لم تمنع المهاجرين من عبور حدودهما المشتركة، حيث تحتل قضية الهجرة واللجوء صدارة اهتمامات الداخل الأمريكي لا سيما أثناء المنافسة بين ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، إذ اتخذ الأول موقفا أكثر صرامة وحزما مع قضايا الهجرة، فيما ركزت الثانية على ملاحقة العصابات العابرة للحدود والمتاجرين بالبشر.
معضلة كبيرة
وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يتراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، وفق تقديرات مركز بيو للأبحاث (غير حكومي)، وهذه التقديرات لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث شهدت هذه الأعداد زيادة ملحوظة منذ مارس 2021، لتصل إلى مستويات تاريخية.
وأعلن مهاجرون صينيون في الولايات المتحدة اعتزامهم تقديم رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، لحثه على الامتناع عن ترحيلهم من البلاد، مع تعهدهم بالامتثال للقوانين الأمريكية والمساهمة في تنمية البلاد، وفق ما ذكرته الصحيفة الصينية "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" أواخر ديسمبر الماضي.
وتشير التقارير إلى وجود نحو 241 ألف مهاجر غير شرعي من الصين في الولايات المتحدة بحلول عام 2021، ومنذ يناير 2023 وحتى نوفمبر 2024، عبر أكثر من 60 ألف مواطن صيني الحدود الجنوبية للولايات المتحدة دون وثائق رسمية.
ويواجه ترامب تحديا صنعته إدارة جو بايدن قبل رحيلها، تتمثل في إعلان السلطات الأمريكية عن منح نحو مليون مهاجر من السلفادور والسودان وأوكرانيا وفنزويلا فرصة للبقاء بشكل قانوني في الولايات المتحدة لمدة 18 شهراً إضافية، في خطوة تهدف إلى توفير الأمان للمهاجرين الذين لا يمكن ضمان سلامتهم إذا عادوا إلى أوطانهم بسبب الحروب والكوارث الطبيعية أو لأسباب “استثنائية”.
ويُمنح هذا الوضع الخاص للأفراد الذين يواجهون مخاطر كبيرة في العودة إلى بلادهم، ويأتي القرار في وقت حساس قبل 10 أيام فحسب على تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بتنفيذ خطة طرد جماعي للمهاجرين بعد استلامه السلطة، إذ حاول الرئيس الأمريكي إلغاء هذا البرنامج خلال ولايته الأولى (2017-2021)، إلا أنه فشل في ذلك.
تحركات مبكرة
وتحرك ترامب مبكرا لتنفيذ وعوده بشأن المهاجرين، إذ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن مجلس النواب صوّت لصالح مشروع القانون بأغلبية 264 صوتاً مقابل 159، والذي يعرف باسم "قانون ليكن رايلي"، نسبة إلى فتاة تبلغ من العمر 22 عامًا قُتلت العام الماضي في ولاية جورجيا على يد مهاجر غير نظامي تم توقيفه بتهمة سرقة بسيطة ولكن لم يُحتجز حينها.
ويمنح مشروع القانون صلاحيات غير مسبوقة لمدعي العموم في الولايات لمقاضاة المسؤولين الفيدراليين في حال أُطلق سراح مهاجر غير نظامي وارتكب جريمة لاحقاً، إذ قال النائب الجمهوري مايك كولينز، مقدم القانون: "هذا التشريع يعالج الثغرات التي تمنع سلطات الهجرة من احتجاز وترحيل المهاجرين غير النظاميين الذين يرتكبون جرائم بسيطة".
وأشارت النائبة الديمقراطية براميلا جايابال إلى أن "القانون يضع أشخاصًا أبرياء تحت خطر الاحتجاز، إذ قد يتم القبض عليهم بسبب جرائم لم يرتكبوها.. الجميع يستحق فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء"، محذرة من توسيع فئات الجرائم المشمولة والذي يؤدي إلى زيادة حالات الاحتجاز بشكل غير عادل، مما يُعرض حقوق المهاجرين للخطر.
للحفاظ على الأمن
قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي الدكتور نبيل ميخائيل، إنه "من الناحية النظرية قد تكون سياسيات ترامب الخاصة بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا إلى الدول التي أتوا مخالفة لمنظومة حقوق الإنسان العالمية، لكن قضية حقوق الإنسان تستخدم من جانب أطراف عديدة".
وأوضح ميخائيل في تصريح لـ"جسور بوست": أن "الشعب الأمريكي الذي يؤيد بأغلبية ليست قليلة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين يعرف حقوق الإنسان بأنها حق الدولة في الحفاظ على أمنها وحماية حدودها وانتهاج سياسة تحافظ على السلام الاجتماعي والأمن القومي لها".
وأشار إلى أن "قضية حقوق الإنسان قد تذكر في طرد المهاجرين غير الشرعيين، ولكن هناك أكثر من تفسير ورؤية لمنظومة حقوق الإنسان (..) تلك القضايا قد تكون قضية انتخابية يهاجم بها ترامب لكن في معترك مفتوح سياسي مفتوح مثل الولايات المتحدة هناك العديد من الآراء المخالفة".
ويعتقد نبيل ميخائيل أن "قرارات ترامب يراها البعض تؤثر على منظومة حقوق الإنسان العالمية، لكنها ليست بالضرورة سيئة أو سلبية لأن هناك معطيات كثيرة مرتبطة بالتزامات الدولة بالمعايير الخاصة لحقوق الإنسان والحد الأدنى من التعبير عنها".
ترامب لن يتراجع
ويرى أستاذ العلاقات الدولية والمختص بالشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيطبق وعوده وتعهداته، ولن يستطيع أن يتراجع عن أي منها، خاصة في ما يتعلق الحدود والمهاجرين غير الشرعيين، لا سيما وأن المعارك الانتخابية التي أدت لخسارة كامالا هاريس وفوز ترامب كانت ترتكز بشكل رئيسي على ملف الهجرة.
واستبعد صادق في تصريح لـ"جسور بوست"، أن يحدث أي تأثير لمنظومة حقوق الإنسان بالولايات المتحدة، موضحا أن سياسيات ترامب ستواجه الخارجيين عن القانون فقط والقادمين بطريقة غير نظامية، وهناك غضب شعبي أمريكي من حوادث إجرامية كان المهاجرون غير النظاميين طرفا فيها.
ورجح احتمالات أن ترامب سيلجأ لتنفيذ القانون بشكل كبير وصارم، وهناك قانون مستقل في الولايات المتحدة يحاكم الرئيس الأمريكي المنتخب نفسه ويمكن أن يلجأ له المتضرر للطعن على السياسات الجديدة التي من المتوقع أن تشهد ترحيل أعداد كبيرة من المخالفين للقوانين الأمريكية.
وبحسب ترجيحات الخبراء والمراقبين، من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة، تغييرات جذرية في سياسات الهجرة الأمريكية، ما يعكس التحول الكبير نحو تشديد القيود على المهاجرين غير النظاميين.