«فايننشال تايمز»: «زوكربيرغ» يثير الجدل بدعوته لإحياء العدوانية في بيئات العمل

«فايننشال تايمز»: «زوكربيرغ» يثير الجدل بدعوته لإحياء العدوانية في بيئات العمل
مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"

في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات نحو بيئة عمل أكثر شمولية تعزز من الرفاهية والتوازن بين الحياة الشخصية والعمل، يثير مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، فكرة قد تكون مثيرة للجدل بشأن ضرورة إحياء "العدوانية" في بيئات العمل.

وفي مقال نشرته الكاتبة البريطانية جو إليسون في "فايننشال تايمز"، أمس السبت، تقول إنه في حين أن هذه الدعوة قد تبدو غريبة بالنسبة للعديد من المتابعين، فإن ما يطرحه زوكربيرغ يبدو بعيدا عن التوجهات السائدة التي تشجع على بيئات عمل أكثر تعاطفًا وتفهّمًا لاحتياجات الموظفين، حيث تتناقض هذه الفكرة مع ما نشهده من تجارب تسعى لإيجاد توازن إنساني وصحي في الأماكن المهنية، متسائلة: هل حقًا يحتاج العالم المهني إلى المزيد من العدوانية؟ وهل ستؤدي هذه الدعوة إلى تغيير جوهري في ثقافة العمل الحالية؟

إعاقة ثقافية

في مقابلة مع بودكاست "تجربة جو روجان" الأسبوع الماضي، وضح مارك زوكربيرغ رؤيته حول هذه القضية، خلال المقابلة التي استمرت نحو ثلاث ساعات، أكد خلالها على أن "الكثير من عالم الشركات أصبح ثقافيًا معاقًا"، مشيرًا إلى أن الشركات قد فقدت جزءًا من حيويتها.

وأضاف: "المجتمع قد شهد الكثير من التغيرات، لكنني أعتقد أن وجود ثقافة تحتفل بالعدوانية بشكل أكبر له فوائد إيجابية حقيقية"، وعلق على أن المجتمع بشكل عام فقد هذه القدرة على الاحتفال بالعدوانية كقيمة إيجابية، والتي في نظره يمكن أن تكون محفزًا للتطور داخل الشركات.

ومع هذا التصريح، يظهر زوكربيرغ في صورة جديدة تبتعد عن تلك التي عُرفت عنه في الماضي، على الرغم من أن تصرفاته الماضية كانت تنم عن شخصية هادئة ومتماسكة مع قيم عائلية، فإنه اليوم يروج لفكرة "الطاقة الذكورية" في العمل، وهي دعوة للمزيد من العدوانية والعنف الرمزي في أماكن العمل.

وقد يُنظر إلى هذه الدعوة على أنها رجوع إلى تصورات قديمة لما ينبغي أن تكون عليه بيئة العمل، وهو ما يتعارض مع التوجهات الحديثة التي تدعو للرفق والمساواة بين الجنسين في بيئات العمل.

وتزامنت تصريحات زوكربيرغ مع تغييرات أخرى أثارت الجدل، مثل قراره الأخير بعدم الاعتماد على المدققين في الأخبار ضمن جهود متواصلة لكسب ود الإدارة السياسية الجمهورية القادمة، هذا التوجه يمثل تحولًا جذريًا في أفكار زوكربيرغ، الذي في وقت سابق كان قد اعتذر عن الأضرار التي ألحقتها منصاته الاجتماعية للعديد من الأفراد، مثل تلك الحوادث التي شملت استغلال الأطفال جنسيًا عبر منصات "فيسبوك" و"إنستغرام"،

ويتساءل البعض عن مدى جدية هذه الدعوة لإحياء العدوانية، خاصة في ضوء خلفيته التي تبتعد عن تلك التصورات القاسية للماضي.

 التعاون والعمل الجماعي

ثم يأتي السؤال الأهم: ما هذه "الطاقة الذكورية" التي يدعو إليها زوكربيرغ؟ وكيف يمكن أن تُترجم في بيئات العمل الحديثة؟ بعض الأشخاص المحيطين بزوكربيرغ قد قدموا أفكارًا ساخرة حول كيفية تطبيق هذا المفهوم، مثل الاقتراحات المتعلقة بنشر عطور "لينكس إفريقيا" تحت المكاتب أو إقامة فعاليات رياضية عنيفة، ومع ذلك، تظل التساؤلات قائمة حول ما إذا كانت هذه الأفكار ستمثل تحديًا ثقافيًا حقيقيًا في بيئات العمل، أم أنها مجرد محاكاة لصور قديمة من الرجولة والعدوانية.

في الوقت نفسه، في بعض بيئات العمل الحديثة، قد نلاحظ أن "الطاقة الذكورية" لا ترتبط بالقسوة أو الهيمنة، بل تتجسد في التعاون والعمل الجماعي والمشاركة البناءة. 

في أماكن العمل الإعلامية مثلًا، تلاحظ أنه في معظم الأحيان لا يكون هناك مكان للعدوانية، بل يتم تشجيع الموظفين على التعاون معًا والعمل بروح الفريق، بل وأكثر من ذلك، يلاحظ أن التعبير عن "الرجولة" في مكان العمل لا يرتبط بالصراع أو العنف الرمزي، بل يظهر في كيفية دعم الزملاء لبعضهم البعض، وتقديم المساعدة عند الحاجة، وكذلك المشاركة في إنجاز الأعمال بأعلى معايير الجودة والاحترافية.

أما في بيئات العمل الأكثر توترًا، مثل أسواق الشركات أو الشركات التقنية الكبرى، فقد نجد أن القيادة الفعالة اليوم لا تعتمد على أسلوب القسوة والهيمنة التي كان يُعتقد أنها سمة من سمات "الرجولة" في الماضي، بل تعتمد على القدرة على حل المشكلات، والعمل الجماعي، وتقديم الدعم المتبادل بين الزملاء.

في هذه البيئات، يُحتفى بالإنجازات الجماعية والنجاحات المشتركة، بينما يظل العمل التعاوني هو الأساس، وفي هذا السياق، لا يوجد مكان للعدوانية التي يروج لها زوكربيرغ، بل يُنظر إلى النجاح على أنه نتيجة للتعاون المثمر.

التكيف مع المتغيرات

وفي ختام مقالها، أكدت جو إليسون أنه يمكن القول إن دعوة زوكربيرغ لإحياء العدوانية في بيئة العمل تتناقض مع الاتجاهات السائدة اليوم، حيث نجد أن النجاح في عالم الأعمال الحديث لا يرتبط بالقسوة أو الهيمنة، بل بالقدرة على التعاون، والتكيف مع المتغيرات، والابتكار الجماعي، إذا كانت الشركات بحاجة إلى أي شيء، فهو القدرة على تبني الطاقات التي تتيح بيئة عمل مرنة، وتقبل التنوع، وتدعم الرفاهية النفسية للعاملين، وهو ما يمثل تمامًا عكس ما يروج له زوكربيرغ من "الطاقة الذكورية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية