«مقترح تهجير الفلسطينيين».. صفقة قرن جديدة أم بالون اختبار في الولاية الثانية لترامب؟

الاقتراح يواجه رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً

«مقترح تهجير الفلسطينيين».. صفقة قرن جديدة أم بالون اختبار في الولاية الثانية لترامب؟
سكان غزة يعودون إلى شمال القطاع

أتت مشاهد حشود فلسطينية تتدفق كأمواج الشلالات من الجنوب إلى شمالي قطاع غزة، رغم تدميره بالكامل في عدوان إسرائيلي غاشم استمر 15 شهرا، لترد على اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو الاقتراح الذي قوبل بموجة غضب ورفض عارمة من الدول العربية والإسلامية، حيث وصف بـ"مخططات التهجير" أو "الوطن البديل" للفلسطينيين.

ومؤخرا قال دونالد ترامب في مؤتمر صحفي، إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت حرب إسرائيل ضد حركة (حماس) في أزمة إنسانية، مؤكدا أنه طلب خلال اتصاله مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، أن يستقبل الأردن المزيد من الفلسطينيين.

وأضاف ترامب: "أود أن تستقبل مصر أشخاصاً أيضاً"، وعندما سُئل عما إذا كان هذا اقتراحاً مؤقتاً أم طويل الأجل، قال ترامب: "يمكن أن يكون هذا أو ذاك".

وأصدرت مصر والأردن رسميا بيانات لرفض أي مخططات للتهجير، إذ قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: "ثوابتنا حل القضية الفلسطينية في فلسطين؛ الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وتثبيت الفلسطينيين على أرضهم من ثوابت الأردن ولم يتغير ولن يتغير، ورفضنا للتهجير ثابت لا يتغير".

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان، "رفض مصر لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل"، محذرة من أن ذلك "يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها".

رفض عربي وإسلامي

بدوره، أكد أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في بيان الاثنين، أن "الموقف العربي لا يساوم في موضوع تهجير الفلسطينيين من أرضهم سواء في غزة أو الضفة، والاصطفاف العربي المساند لموقف كل من مصر والأردن واضح ولا لبس فيه، والأطروحات القديمة المتجددة بتهجير أصحاب الأرض من أراضيهم هي أطروحات مرفوضة ولا طائل من مناقشتها". 

وأكدت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان، رفضها وإدانتها أي مخططات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واعتبرت أن ذلك يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وفلسطينيا.. أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن إدانته ورفضه الشديد لأي مشروع يهدف إلى "تهجير أبناء شعبنا من قطاع غزة"، لافتا إلى أنه "يجري اتصالات عاجلة مع قادة الدول العربية، والأوروبية، والولايات المتحدة بهذا الخصوص"، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه ومقدساته ولن نسمح بتكرار النكبات التي حلت بشعبنا عامي 1948 و1967. 

وشدد عباس على أن "الشعب الفلسطيني وقيادته لن يقبلا بتاتاً بأي سياسة تمس وحدة الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية" مطالبا ترامب بـ"مواصلة جهوده لدعم المساعي لتثبيت وقف إطلاق النار واستدامته (في قطاع غزة) وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي بالكامل".

ومنذ صباح الاثنين، يتدفق مئات الآلاف من النازحين، إلى مدينة غزة وشمال القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي سيرا على الأقدام بما يشبه السيل البشري في مشهد مهيب، واعتبرت حركة "حماس"، في بيان عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة "هزيمة للاحتلال ومخططات التهجير"، فيما اعتبرت حركة “الجهاد الإسلامي” في بيان ثانٍ أن عودة النازحين هي "رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا".

خطة قد تنفذ

ومن جانبه، يرى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والباحث والمحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، أن الرئيس ترامب جاء بغرض أساسي وهو استكمال ما لم يستطع تحقيقه في فترة الرئاسة الأولى، واختياره فريق العمل والمساعدين الذي تصفه الدوائر الأمريكية نفسها بأنه أكثر فريق تشددا بتاريخ الولايات المتحدة والأكثر تأييدا لإسرائيل، يقول إننا إزاء خطة موضوعة لدعم إسرائيل قد تنفذ.

واستشهد عفيفي، في تصريح لـ"جسور بوست"، بإلغاء العقوبات المفروضة على مستوطنين إرهابيين في الضفة، وإرسال قنابل كبيرة الحجم لإسرائيل، ولن ننسى حديثه السابق عن إسرائيل صغيرة بجوار جيرانها، مؤكدا أن ما أعلنه ترامب يؤكد أن هناك هدفا قائما لدى إدارته الجديدة وحديثه مجرد إبلاغ للمنطقة، أنه في حالة إصرار على استكمال ذلك.

وأضاف: "الرئيس ترامب يعتقد أنه من خلال حنكته في عقد الصفقات التجارية أنه يستطيع حل أزمة بصفقة، ويتخيل أنه يمكن تنفيذ مخطط الاستيلاء على غزة وإقامة منتجعات مكانها"، لافتا إلى أنه يريد الوصول لتهجير الفلسطينيين خطوة بخطوة، أولا بطردهم من غزة وثانيا بتحويل الضفة الغربية لغزة أخرى مع السيطرة على مناطق في جنوب لبنان وأجزاء من سوريا ليحقق المخطط الصهيوني من النيل للفرات.

ويحذر الدكتور مهدي عفيفي من أن ما يطرحه ترامب لن يحدث في يوم وليلة لكنه سيمضي في تنفيذه، داعيا لأخذ حديث الرئيس الأمريكي على سبيل الجد لا الهزل.

الإصرار على الرفض 

بدوره، قال السفير السابق لفلسطين، بركات الفرا، إننا إزاء محاولة من ترامب لإعداد صفقة قرن جديدة تحقيقا لمصالحه، ولكن لن يملك أي تأثير لتنفيذ ذلك على الشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه، داعيا ترامب لأن يتابع المشهد المهيب لعودة النازحين والسير على أقدامهم لمسافات كبيرة رغم أن من بينهم كبار السن، ليعلم أنهم لن يتركوا بلادهم مهما حدث. 

وأشار الفرا في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن مشهد النازحين العائدين لبيوت يعلمون أنها مدمرة بفعل جرائم الإبادة الإسرائيلية، يدعم موقف الرفض المصري والأردني للتهجير ويؤكده، مرجحا استمرار مسار الرفض المبكر من مصر والأردن وغيرهما من الدول العربية. 

وتابع: "ترامب يستهدف إرسال إلى رسائل إلى اللوبي الصهيوني ببلاده واليمين المتطرف الإسرائيلي بقرارات تعبر عن تأييده لهم بعد إقرار اتفاق الهدنة، كما أن رسائل الرفض المبكر والسيل البشري المتدفق من نازحي غزة سيقرؤها مستشارو الرئيس الأميركي جيدا وقد يتراجعون ويقدمون مبررات لذلك كما سبق".

وأشار إلى أن صفقة القرن الأولى التي طرحها ترامب في نهاية ولايته الأولى فشلت ولن تتحقق الثانية بفضل رفض الشعب الفلسطيني وموقف مصر والأردن والدول العربية. 

"بالون اختبار" للمنطقة

وقال أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، إن ما طرحه ترامب بمثابة "بالون اختبار" للمنطقة، ويرى ردود الأفعال في بداية ولايته، وليس كل ما يقال ينفذ، لافتا إلى أن الرئيس الأمريكي تطلع لاحتلال قناة بنما وضم كندا، وفي ولايته الأولى طرح صفقة القرن وكلها لم تتحقق.

وأشار صادق في حديث لـ"جسور بوست"، إلى أن ترامب لو أراد تطبيق ما يقول سيجد صعوبة بالغة في نقل مليون ونصف المليون لدول أخرى سواء على مستوى النقل أو تمويل تكاليف الاستضافة، فضلا عن مخاطر لوجود بعض منهم، باعتبار أن البعض قد يستخدم الأراضي الجديدة كمنصة جديدة لاستهداف إسرائيل، وبالتالي سنفتح جبهة جديدة ولا نجد حلا حقيقيا بخلاف حل الدولتين الضامن لاستقرار المنطقة كلها. 

وأوضح أن ترامب لو تمسك بتهجير الفلسطينيين ووجد رفضا عربيا لن يقدم على فرض عقوبات اقتصادية أو تعطيل لتمويل من صندوق النقد أو ما شابه، لافتا إلى أن المحيطين حول ترامب بعضهم يميني، وهذا لا يعزز حل الدولتين بل يجعلنا إزاء حل أمريكي سيأخذ وقتا من النقاشات ولن ينتهي باقتراحات واعتراضات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية