أبرزها قانون العفو العام.. «ثلاثية البرلمان العراقي» تثير خلافات بين الكتل السنية والشيعية
أبرزها قانون العفو العام.. «ثلاثية البرلمان العراقي» تثير خلافات بين الكتل السنية والشيعية
تدخل 3 قوانين في العراق مرحلة الأزمات بعد تلويح كتل سنية بإجراءات تصعيدية، عقب تباينات مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا بالبلاد بشأن وقف تنفيذ القوانين الخلافية الثلاثة، والتي سبق وأن أقرها مجلس النواب في أواخر يناير الجاري.
وعزا خبراء تحدثوا لـ"جسور بوست" أسباب الأزمة إلى خلافات سياسية بين الكتل السنية والشيعة، لا سيما في ملف العفو الذي يستفيد به آلاف من المكون السني الذين اعتقلوا ظلما إبان تنظيم داعش الإرهابي، وسط توقعات أن يمضي تنفيذ القوانين الثلاثة دون فض الاتفاق السياسي الذي أفضى قبل سنوات لتشكيل الحكومة الحالية.
واندلعت الشرارة الأولى للأزمة في 21 يناير الماضي، عقب تصويت البرلمان العراقي على "تعديل قانون العفو العام، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في محافظة كركوك، دفعة واحدة".
غير أن بعض أعضاء مجلس النواب اعترضوا على آلية التصويت واعتبروها مخالفة للإجراءات الدستورية، ورفعوا دعوى طعن لدى المحكمة الاتحادية الأعلى بالبلاد والمعنية بالشق الدستوري على صحة جلسة البرلمان وطريقة تمرير القوانين.
قانون الأحوال الشخصية الجديد
ومنح قانون الأحوال الشخصية الجديد، الحق للعراقيين عند إبرام عقد الزواج باختيار المذهب الشيعي أو السني وتصديق محكمة الأحوال الشخصية على عقود الزواج، التي يبرمها الأفراد البالغون على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني، بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه.
وهو ما يراه معارضون يحمل سلطة متزايدة على مسائل الأسرة، بما في ذلك الزواج والطلاق والميراث، ويقوض قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، حيث يسمح بزواج القاصرات، ويحرم الزوجة من حقوق النفقة والحضانة، إلى جانب اعتماد نصوص دينية لكل طائفة ومذهب في العراق مرجعاً للأحكام بدلاً من القوانين السارية، وسط مخاوف أن يُؤسس لتمزيق الأسرة والمجتمع، ويكرس للطائفية والمذهبية.
قانون العفو العام
أما قانون العفو العام فيرى الخبراء أنه سيفيد المعتقلين السنة، أكبر المتضررين من الاعتقالات، خاصة وأنه كان هو أحد البنود التي اتفقت عليه الأطراف السياسية ضمن ورقة الاتفاق السياسي الذي تشكلت على أساسه حكومة محمد شياع السوداني.
وطبقت محاكم الاستئناف في مناطق وسط وجنوب العراق، قانون العفو العام، استجابة لتوجيه مجلس القضاء الأعلى، رغم القرار الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية، والذي يقضي بإيقاف تنفيذه، وأكدت ضرورة الالتزام به.
وأقر المجلس قانوناً لاستعادة الأراضي، والذي يهدف إلى معالجة المطالبات الإقليمية الكردية دفعة واحدة، إذ من شأنه إعادة أراضي الكرد والتركمان الزراعية لأصحابها في كركوك وبقية المحافظات.
تراشق قانوني
وفي 4 فبراير الجاري أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أمرا ولائيا يقضي بوقف تنفيذ قوانين "الأحوال الشخصية"، و"العفو العام"، و"إعادة العقارات لأصحابها"، وجاء ذلك عقب طعن قدمه عدد من أعضاء مجلس النواب لدى المحكمة الاتحادية، بشأن صحة التصويت على القوانين دفعة واحدة.
وذكرت المحكمة في حيثياتها، أن "وقف تنفيذ القانون هو سلطة جوازية، وهو إجراء وقائي مؤقت إلى حين الفصل في مدى دستورية القوانين موضوع الدعاوى، ومطابقتها للدستور من عدمه".
ويعرف الأمر الولائي في المادة 151 من قانون المرافعات بأنه إجراء إداري مؤقت يصدره القاضي المختص -في الحالات المبينة قانونا- على العريضة المقدمة من أحد أطراف الخصومة المشتملة على وقائع وأسانيد والمعززة بالمستندات في موضوع مستعجل.
ويشترط في الأمر الولائي -حسب القانون- عدم المساس بأصل موضوع الدعوى، ولا يشترط في إصداره تبليغ الطرف الآخر أو مواجهته مع الطرف الخصم، والغاية الأساسية من الأوامر الولائية هي إعادة التوازن بين أطراف الدعوى، من حيث توفير الحماية للحقوق والحريات العامة والحفاظ على سلامة أصل موضوع الدعوى.
وفي المقابل أكد مجلس القضاء الأعلى العراقي، في بيان أنه لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية، وكذلك التثبّت بعدم دستوريته.
وردت المحكمة الاتحادية العليا على ما صدر من مجلس القضاء الأعلى حول "الأمر الولائي للمحكمة الخاص بالقوانين الجدلية"، مؤكدة أن "قراراتها باتة وملزمة لكافة السلطات بموجب الدستور العراقي".
ويعد مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا في العراق، مؤسستين قضائيتين منفصلتين عن بعضهما، ويتمتع كل منهما بدور وشرعية محددة بموجب الدستور العراقي.
ويتولى مجلس القضاء الأعلى الإشراف على المحاكم في البلاد، كما أنه معني بتعيين القضاة وترقياتهم، ويعمل على ضمان استقلال القضاء من خلال الإشراف على الأعمال القضائية، وتحديد سُبل تعيين القضاة والمحامين، إلى جانب وضع السياسة العامة للعمل القضائي في البلاد.
وتتولى المحكمة الاتحادية العليا، سلطة تفسير الدستور وحل النزاعات الدستورية بين مختلف السلطات في الدولة العراقية، وتختص بمراقبة دستورية القوانين والتشريعات، وتفسير المواد الدستورية التي قد تكون غامضة أو محل خلاف، فضلاً عن مراقبة مدى تطابق قرارات السلطة التنفيذية مع أحكام الدستور العراقي.
اتساع نطاق الخلاف السياسي
وقاد التباين القضائي إلى توسيع نطاق الخلاف السياسي بين الكتل السياسية السنية والشيعية، إذ هاجمه رئيس البرلمان العراقي السابق، محمد الحلبوسي، في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس"، قائلا: "قانون العفو الذي تم إقراره، هو لإنصاف الأبرياء المظلومين حصراً، ولا نقبل بخروج الإرهاب الذي اكتوينا به قبل غيرنا وأكثر، ولا نقبل تسييس المحكمة الاتحادية وضرب القوانين والتشريعات عرض الحائط وتصدر أمرها الولائي المجحف بحق الأبرياء والمظلومين".
وأضاف: "سنواجه ونتصدَّى لقرار إيقاف تنفيذ قانون العفو بكل الوسائل القانونية والشعبية، وندعو إلى مظاهرات عارمة تهزُّ أركان الظلم وسنعمل على مقاطعة شاملة وكاملة لكل المؤسسات والفعاليات التي لا تحترم إرادة الشعب والاتفاقات بين مكوناته".
وأعلنت محافظات نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وغيرها، تعطيل الدوام الرسمي احتجاجاً على تجميد العمل بالقوانين المذكورة، لتعود محافظات مثل ديالى وكركوك بالعدول عن قرارها واستئناف الدوام الرسمي بشكل طبيعي.
بدوره، هاجم أمين عام حركة العراق الإسلامية، شبل الزيدي، المحكمة الاتحادية، متهما إياها بالخروج عن مهامها الأصلية، في حين دعت هيئة علماء الدين بالفلوجة إلى صلاة موحدة الجمعة المقبلة ردا على قرار المحكمة الاتحادية.
ودعا الأمين العام للمشروع الوطني العراقي جمال الضاري إلى اجتماع طارئ للقادة، حسب حسابه في منصة إكس، محذرا من أن الزج بالمحكمة في الخلافات السياسية سيؤدي إلى أزمات.
وأعلن الإطار التنسيقي الجامع للقوى السياسية الشيعية في العراق، دعمه للمحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، مؤكداً حقها في النظر بما أسماه المخالفات التي رافقت جلسة مجلس النواب ومنها "غياب النصاب القانوني وآلية التصويت على 3 قوانين بسلة واحدة"، مشدداً على مبدأ "الفصل بين السلطات واحترام القضاء بوصفه الضابط الأساس في إنهاء الخلاف في وجهات النظر".
وهدد رئيس كتلة حقوق النيابية، النائب سعود الساعدي، في بيان بتقديم شكوى رسمية أمام القضاء العراقي بحق محافظي 3 محافظات، بتهمة "حنث اليمين وتحريض المواطنين"، وذلك ردّاً على احتجاج المحافظين الثلاثة على قرار المحكمة الاتحادية بتجميد العمل بتعديلات قوانين العفو العام، والأحوال الشخصية، وإعادة الأملاك إلى أصحابها.
تناقضات خلافية
ويرى الدبلوماسي السابق ورئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور غازي فيصل، أن التناقضات على صعيد القضاء هي انعكاس للتناقضات على صعيد العلاقات بين القوى السياسية الشيعية والسنية ويتجلى في التناقضات الخلافية في مجلس النواب.
وأكد فيصل في تصريح لـ"جسور بوست"، أن مجلس القضاء الأعلى أكد صحة تلك القوانين لا سيما العفو التي تشمل حفظ حقوق 16 ألف معتقل بينهم 4 آلاف امرأة من أبرياء منذ مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ومن حقهم العفو وإعادة المحاكمة طالما أبرياء، مشددا على أهمية عدم المساس بالحقوق.
وشدد على أن الطعن المقدم لدى المحكمة العليا مرتبط بآلية التصويت التي ليست من اختصاص المحكمة، بل جزء أصيل من عمل مجلس النواب، لافتا إلى أن القوانين سليمة وما صدر عن المحكمة في شق التصويت غير دستوري.
ولا يستبعد فيصل أن تأخذ تلك الخلافات أبعادا سياسية أكبر بين الكتل السنية والشيعية بالبلاد، مشددا على أن تلك القوانين لا سيما العفو تم مناقشتها خلال سنوات وصدرت من البرلمان وباتت مشروعة وتحتاج فقط إلى توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
أبعاد سياسية
قال المحلل السياسي العراقي، حسين السبعاوي، إن الخلاف الدائر حاليا له أبعاد سياسية بين الكتل السنية والشيعية بالبلاد، والمحكمة العليا لا يحق لها الاعتراض على تشريع قانوني، والجهات القضائية مهمتها تنفيذ القانون وليس التشريع، وإن كانت حامية للدستور فالقوانين -خاصة العفو- لا تتعارض مع الدستور.
وأشار السبعاوي في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن من الواضح في الأزمة السياسية الحالية أن "الطابع السياسي والطائفي واضح وأن القوى الشيعية لم تستطع منع التمرير بالبرلمان فلجأت لمنع آخر" لافتا إلى أن من الواضح أن تدخل مجلس القضاء الأعلى كان بغرض تهدئة وتسوية الأزمة خاصة المتصلة بقانون العفو بتأكيده أن قرار المحكمة غير صحيح وبدء محافظات في إجراءات القانون.
ولا يعتقد أن تتواصل الأزمة للإطاحة بالحكومة الموالية للمكون الشيعي بالبلاد، مشيرا إلى أنه رغم الضغوط الخارجية الكبيرة التي أضعفت ذلك المكون فإن القوى السنية لا تستطيع في ظل تلك الأزمة فرض قواعد أخرى في ظل الغلبة والسيطرة من الأخرى.