عيد الحب.. فرصة عالمية لازدهار التجارة وتحسين الدخل؟

يحتفل به 14 فبراير من كل عام

عيد الحب.. فرصة عالمية لازدهار التجارة وتحسين الدخل؟
عيد الحب

في كل عام، يتحول يوم الرابع عشر من فبراير إلى موسم اقتصادي عالمي بامتياز، حيث يشهد عيد الحب نشاطًا تجاريًا واسع النطاق ينعكس إيجابيًا على مختلف القطاعات الاقتصادية. 

وتشير الإحصائيات إلى أن الإنفاق العالمي على عيد الحب في تصاعد مستمر، ففي الولايات المتحدة وحدها، بلغ حجم الإنفاق في عام 2023 حوالي 25.9 مليار دولار، بزيادة 8% على العام السابق، وفقًا للاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة (NRF)، ويبلغ متوسط إنفاق الفرد حوالي 192 دولارًا، ولا يقتصر هذا التأثير على الولايات المتحدة فحسب، ففي المملكة المتحدة، يصل إجمالي الإنفاق في هذه المناسبة إلى 1.37 مليار جنيه إسترليني، بينما تنفق اليابان حوالي 1.3 مليار دولار، وتتصدر الصين قائمة الدول الآسيوية في حجم الإنفاق، نظرًا للإقبال الكبير على الهدايا الفاخرة.

قطاع الزهور هو أحد أكبر المستفيدين من عيد الحب، حيث تزدهر مبيعات الورود بشكل غير مسبوق، فوفقًا لجمعية الزهور الأمريكية، يتم بيع حوالي 250 مليون وردة خلال هذه المناسبة، مع ارتفاع أسعار الزهور بنسبة تتراوح بين 30% و50% بسبب الطلب المرتفع. ولا يقتصر الربح على مزارع الزهور، بل يمتد إلى العاملين في قطاع النقل، حيث يتطلب توزيع هذه الكميات الضخمة من الورود عمليات لوجستية معقدة، توفر فرص عمل إضافية للعديد من العاملين المؤقتين.

أما قطاع الهدايا، فيشهد انتعاشًا اقتصاديًا هائلًا، حيث تشمل المبيعات المجوهرات، والعطور، والشوكولاتة، والدمى، وغيرها من المنتجات التي تعكس رمزية العيد. على سبيل المثال، بلغت مبيعات المجوهرات في الولايات المتحدة خلال عيد الحب 6.2 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يعادل نحو 24% من إجمالي الإنفاق في هذا اليوم. كما تسجل شركات الشوكولاتة مبيعات قياسية، حيث يُتوقع أن تصل أرباح سوق الشوكولاتة الفاخرة عالميًا إلى 5 مليارات دولار خلال هذه المناسبة فقط.

التجارة الإلكترونية

ولعبت التجارة الإلكترونية دورًا محوريًا في تسهيل عمليات الشراء خلال عيد الحب، حيث أظهرت دراسة أجرتها منصة "ستاتيستا" أن 43% من المستهلكين يفضلون شراء هداياهم عبر الإنترنت، مما يعزز ازدهار قطاع التجارة الإلكترونية، ومن المتوقع أن يصل حجم مبيعات الهدايا الرقمية، مثل الاشتراكات في منصات الترفيه وخدمات البث، إلى أكثر من 2 مليار دولار عالميًا، كما أن التطبيقات الذكية التي تقدم خدمات التوصيل شهدت ارتفاعًا كبيرًا في عدد الطلبات، مما وفر فرص دخل إضافية للعاملين في هذا المجال.

ويزدهر قطاع الضيافة والمطاعم في عيد الحب، حيث تسجل المطاعم زيادة في الحجوزات بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالأيام العادية، وفي الولايات المتحدة، ينفق العشاق أكثر من 4 مليارات دولار على وجبات العشاء الفاخرة خلال هذه المناسبة، وفقًا لتقرير صادر عن جمعية المطاعم الوطنية، هذه الطفرة في الطلب تتيح للمطاعم زيادة أرباحها، كما توفر فرص عمل إضافية للموظفين المؤقتين الذين يتم توظيفهم لتلبية الطلب الكبير.

ويستفيد الاقتصاد المحلي بشكل كبير من هذا النشاط الموسمي، حيث تعتمد العديد من المتاجر الصغيرة وأصحاب المشاريع الناشئة على موسم عيد الحب لتعويض فترات الركود السابقة. في الدول النامية، يعتبر هذا اليوم فرصة لتعزيز دخل الحرفيين الذين يصنعون الهدايا اليدوية، مثل المجوهرات المصنوعة يدويًا أو البطاقات المخصصة.

ويشهد العاملون في قطاع النقل والتوصيل، تحسنًا ملحوظًا في الدخل خلال هذه الفترة. وفقًا لشركة "أوبر إيتس"، فإن الطلب على خدمات توصيل الطعام والهدايا يرتفع بنسبة 60% في الأسبوع الذي يسبق عيد الحب. كما أن شركات التوصيل السريع تحقق أرباحًا مضاعفة، حيث يرتفع عدد الطرود المرسلة عالميًا إلى أكثر من 200 مليون طرد خلال هذه الفترة، وفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي للبريد السريع.

وعلى الرغم من كل هذه المكاسب الاقتصادية، هناك انتقادات توجه لعيد الحب باعتباره موسمًا للاستهلاك المفرط. يشير بعض الاقتصاديين إلى أن التضخم في أسعار الهدايا والمنتجات خلال هذه المناسبة قد يضع ضغوطًا مالية على المستهلكين، خاصة ذوي الدخل المحدود، وفي دراسة أجرتها جامعة "هارفارد بيزنس سكول"، تبين أن 42% من المشاركين يشعرون بضغط مالي خلال عيد الحب، مما يثير تساؤلات حول التوازن بين الرومانسية والتكاليف المالية.

بين الازدهار الاقتصادي وحقوق الإنسان

قالت الخبيرة الحقوقية المغربية فاطمة خير، إن عيد الحب من أبرز المناسبات التي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية عالمية، حيث يشهد العالم في هذا اليوم انتعاشًا تجاريًا واسعًا يمتد عبر مختلف القطاعات، من صناعة الزهور والمجوهرات إلى المطاعم والفنادق وشركات التوصيل، لكن هذا الازدهار الاقتصادي يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استفادة جميع الفئات المجتمعية منه، وعما إذا كانت المكاسب المالية المترتبة على هذه المناسبة تعزز فعليًا حقوق الإنسان، أم أنها تكرّس فجوة اقتصادية واجتماعية بين الطبقات المختلفة.

وتابعت خير، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه في العديد من الدول النامية، يعاني العمال من انتهاكات لحقوقهم الأساسية، حيث تشير تقارير منظمات العمل الدولية إلى أن العاملين في مزارع الزهور في كينيا وكولومبيا، وهي من أكبر الدول المصدّرة للورود، يتقاضون أجورًا متدنية لا تتناسب مع حجم الأرباح التي تحققها الشركات الكبرى كما أن ظروف العمل القاسية، مثل التعرض المستمر للمبيدات الحشرية وساعات العمل الطويلة، تشكّل تهديدًا مباشرًا لحقوقهم في بيئة عمل آمنة وصحية، وهو ما يتناقض مع المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقالت إن قطاع التجزئة والاستثمار في عيد الحب يعزز النمو الاقتصادي، لكنه في ذات الوقت قد يفاقم الفجوة بين الشركات الكبرى والتجار الصغار، ففي الولايات المتحدة، تشير إحصائيات الجمعية الوطنية للبيع بالتجزئة إلى أن حجم الإنفاق في عيد الحب تجاوز 25 مليار دولار في عام 2023، لكن هذه العائدات تذهب في الغالب إلى الشركات الكبرى وسلاسل المتاجر الضخمة، بينما يجد صغار البائعين صعوبة في المنافسة بسبب العروض الترويجية الضخمة التي تقدمها المتاجر الكبرى.

وأوضحت أن التحولات الرقمية لعبت دورًا كبيرًا في تعزيز الاستفادة الاقتصادية من عيد الحب، حيث زادت مبيعات الهدايا عبر الإنترنت بشكل ملحوظ. وفقًا لتقرير شركة "ستاتيستا"، فإن 40% من المستهلكين يفضلون شراء هدايا عيد الحب عبر الإنترنت، مما عزّز أرباح منصات التجارة الإلكترونية العملاقة إلا أن هذا التحول الرقمي أدى أيضًا إلى تهميش العاملين في المتاجر التقليدية، الذين يعتمدون على هذه المواسم لتحسين دخولهم، وهنا يظهر تحدٍ آخر يرتبط بالحق في الحماية الاجتماعية.

وقالت إنه من الضروري إعادة النظر في كيفية جعل عيد الحب فرصة اقتصادية لا تقتصر فوائدها على الشركات الكبرى فحسب، بل تمتد إلى جميع الفئات العاملة في سلاسل الإنتاج، من المزارعين إلى صغار التجار والعاملين في قطاع الخدمات.

وعلى صعيد الأفراد، قالت إن ما يجب فعله هو تعزيز الوعي حول الاستهلاك المسؤول، بحيث لا يكون عيد الحب مناسبة للإنفاق المفرط غير المدروس، بل فرصة لدعم الأعمال الصغيرة والمشاريع المحلية.

وأتمت، يمكن أن يكون عيد الحب نموذجًا لكيفية استغلال المناسبات الاجتماعية لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، شريطة أن يكون هناك توازن بين الربح التجاري واحترام الحقوق الأساسية للعمال والمستهلكين على حد سواء.

بين ازدهار الأسواق وتفاوت الفرص

قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي، خالد الشافي، إن عيد الحب أحد أبرز المواسم التجارية العالمية التي تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة معدلات الإنفاق الاستهلاكي، حيث تستغله الأسواق في قطاعات متعددة مثل الهدايا، والأزهار، والمجوهرات، والمطاعم، والفنادق، فضلًا عن التجارة الإلكترونية التي أصبحت تلعب دورًا محوريًا في توجيه المستهلكين نحو أنماط شرائية جديدة، ومع ذلك، فإن تأثير هذا الموسم الاقتصادي لا ينطبق بالتساوي على جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية.

وتابع الشافي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الإنفاق العالمي في عيد الحب يزداد عامًا بعد عام، إذ وصل في الولايات المتحدة وحدها إلى أكثر من 25.9 مليار دولار في 2023، وفقًا للاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة، بمتوسط إنفاق للفرد بلغ حوالي 192 دولارًا، مما يعكس نموًا سنويًا مستمرًا، هذا الارتفاع في الإنفاق لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب، بل يمتد إلى دول أخرى، إذ يسجل متوسط إنفاق الفرد في المملكة المتحدة 96 يورو، بينما يصل في هونغ كونغ إلى 102 يورو، وفي إيطاليا إلى 84 يورو، فيما تبقى بعض الدول النامية مثل نيجيريا في أدنى القائمة بمتوسط إنفاق لا يتجاوز 25 يورو للفرد.

واسترسل، أن إحدى أبرز الإيجابيات التي يجلبها عيد الحب للاقتصاد تكمن في تعزيز حركة التجارة المحلية وخلق فرص عمل مؤقتة، خاصة في القطاعات المرتبطة بشكل مباشر بالمستهلكين مثل قطاع الزهور، الذي يحقق مبيعات هائلة خلال هذه الفترة، حيث تشير بيانات الجمعية الأمريكية للزهور إلى أن حوالي 250 مليون وردة يتم بيعها في الولايات المتحدة خلال هذا اليوم وحده، هذا الطلب المرتفع يخلق فرصًا مؤقتة للعمال في مزارع الورود، كما ينعش قطاع الخدمات اللوجستية والتوصيل.

وقال إنه علاوة على ذلك، تستفيد قطاعات التجزئة والمطاعم والفنادق بشكل كبير، حيث ترتفع حجوزات الفنادق والمطاعم خلال هذه المناسبة بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالأيام العادية، وفقًا لتقارير اقتصادية عالمية، ومع ذلك، فإن المستفيد الأكبر من هذا الازدهار هم أصحاب الأعمال الكبرى والعلامات التجارية الشهيرة، بينما يبقى تأثيره أقل وضوحًا على أصحاب المشروعات الصغيرة، الذين يواجهون صعوبة في المنافسة مع العروض الترويجية الضخمة التي تطلقها الشركات العملاقة.

وأشار إلى أن التجارة الإلكترونية تلعب دورًا متزايدًا في توجيه نمط الإنفاق خلال عيد الحب، إذ تشير الدراسات إلى أن حوالي 40% من المستهلكين باتوا يعتمدون على المنصات الرقمية لشراء الهدايا والمنتجات المرتبطة بالمناسبة، مما ساهم في تعزيز قطاع الشحن والتوصيل السريع، لكنه في الوقت نفسه أدى إلى تهميش بعض المتاجر التقليدية التي لم تستطع مواكبة هذا التحول الرقمي، ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن هناك تداعيات سلبية لعيد الحب على المستوى الاقتصادي، إذ تشير بعض التقارير إلى أن هذا الموسم يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المنتجات، مثل الورود التي قد يرتفع سعرها بنسبة 50% أو أكثر خلال الأيام التي تسبق الاحتفال.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية