نكويتا سلامي: الوضع في السودان كارثي والملايين يواجهون الجوع والأوبئة والعنف
في حوار مع «جسور بوست»..
يشهد السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، حيث يواجه ملايين السكان خطر المجاعة، وانعدام الأمن الغذائي، وانتشار الأوبئة، وتصاعد العنف، وسط نزاع دموي مستمر.
ومع دخول عام 2025، تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني 638 ألف شخص من ظروف المجاعة في عدة مناطق.
«جسور بوست»، التقت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، والتي كشفت عن الكثير من التحديات الإنسانية الخطيرة التي تواجه السودان، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار العنف ضد المدنيين، وتدهور النظام الصحي، وتصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتحدثت سلامي عن جهود المجتمع الدولي لاحتواء الكارثة الإنسانية في السودان، وإلزام أطراف النزاع باحترام القانون الإنساني الدولي، كما تطرقت إلى الحديث عن سبل إنهاء الحرب الدموية وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة لإنقاذ ملايين الأرواح.
فإلى نص الحوار:-
بداية.. إلى أي حد وصلت الأزمة الإنسانية في السودان؟
الاحتياجات الإنسانية في السودان مرتفعة جدًا، وفي عام 2025 نقدر أن أكثر من 30 مليون شخص -أي ثلثي السكان- بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وهذا يمثل زيادة قدرها 5 ملايين شخص مقارنة بالعام السابق، كما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نحو 25 مليون شخص، أي واحد من كل اثنين من السودانيين، مع وجود نحو 638 ألف شخص يعانون بالفعل من ظروف المجاعة في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم، دون اتخاذ إجراءات فورية وضمان وصول آمن للمساعدات الإنسانية، ستتفاقم ظروف المجاعة، ما يعرض الملايين لخطر أكبر.
أزمة السودان هي أيضًا أزمة حماية، حيث يدفع المدنيون ثمنًا باهظًا للقتال المستمر، وأصبحت الهجمات العشوائية على المدنيين سمة مميزة لهذا الصراع، ولكن التصعيد الأخير في جميع أنحاء البلاد كان مقلقًا بشكل خاص، كما منع تصاعد الهجمات على المرافق الصحية والبنية التحتية المدنية السكان السودانيين من الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الطبية، هذه الهجمات هي في الواقع هجمات على المدنيين.
وبشكل عام، الوضع في السودان كارثي، والوقت ينفد، حيث إن زيادة حجم المساعدات الحالية هو مفتاح منع المزيد من المعاناة، لكننا نحتاج إلى وصول مستدام ومزيد من التمويل، وخطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2025 تتطلب 4.2 مليار دولار، قد يبدو هذا الرقم مرتفعًا، لكنه يعادل في المتوسط 200 دولار فقط للفرد، وإذا قمنا بتفصيله أكثر فإن ذلك يعادل 50 سنتًا للفرد يوميًا، هذا مبلغ متواضع لإنقاذ الأرواح والحفاظ على الكرامة الإنسانية.
إلى أي مدى تنتشر الأوبئة والأمراض مثل الملاريا في السودان؟
يواجه السودان أزمة صحية خطيرة، حيث تنتشر أمراض مثل الملاريا والكوليرا والحصبة بسبب انهيار النظام الصحي، وتعرضت المستشفيات والعيادات للهجوم والنهب، ما ترك الملايين دون رعاية طبية أساسية.
وأعلنت وزارة الصحة الاتحادية في السودان تفشي وباء الكوليرا في 12 أغسطس الماضي بعد تأكيد عينات من ولاية كسلا، وبسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات والاكتظاظ ونقص الوصول إلى المياه النظيفة في مواقع النزوح والمجتمعات، انتشر الوباء إلى 84 منطقة في 11 ولاية، مع الإبلاغ عن أكثر من 51,000 حالة و1,300 حالة وفاة حتى 18 يناير 2025.
والشركاء الإنسانيون يوفرون الإمدادات الطبية المنقذة للحياة، لكن انعدام الأمن ونقص التمويل يعيقان الجهود، وبدون تدخل عاجل، يمكن أن يؤدي انتشار الأمراض إلى وفاة الآلاف، خاصة بين الأطفال والنازحين.
ماذا عن العنف ضد المرأة في السودان؟
تحملت النساء والفتيات العبء الأكبر من الأزمة، ووصل العنف القائم على النوع الاجتماعي (GBV) إلى مستويات مروعة، فأكثر من 12.2 مليون امرأة وفتاة، وبشكل متزايد الرجال والأولاد، معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع أنحاء السودان، وهذا يمثل زيادة بنسبة 80% على العام السابق.
وتلقت الأمم المتحدة تقارير عن حالات اغتصاب وزواج قسري وخطف في مناطق النزاع، وتعمل الأمم المتحدة وشركاؤها على توسيع خدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك توفير مساحات آمنة، والرعاية الطبية الطارئة، والدعم النفسي الاجتماعي للناجيات.
ونعمل على معالجة مخاطر صحية خطيرة تتعلق بصحة الأمهات، حيث تم تدمير المستشفيات وخدمات الولادة، ما ترك آلاف النساء الحوامل دون رعاية، وأدعو مرة أخرى إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية النساء والفتيات، وضمان محاسبة مرتكبي العنف الجنسي، وضمان الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة.
كيف يمكن إلزام أطراف النزاع في السودان باحترام القانون الإنساني؟
يجب على جميع الأطراف الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، والذي يتطلب منهم ضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وهناك حاجة إلى جهود دبلوماسية قوية لدفع الأطراف نحو حل سياسي والامتثال للقانون الإنساني الدولي، ويمكن للمجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (IGAD)، العمل بشكل جماعي لفرض القواعد الإنسانية.
كيف يمكن إيقاف هذه الحرب الدموية وحماية الشعب السوداني؟
الأمم المتحدة تدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري والعودة إلى الحوار الشامل لحل النزاع سياسيًا، وهناك حاجة إلى جهود دبلوماسية إقليمية ودولية عاجلة لإحضار أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات، فحرب السودان هي كارثة إنسانية تتطلب تحركًا دوليًا فوريًا، والعالم لا يستطيع تحمل الابتعاد عن السودان، ويجب إعطاء الأولوية لحماية المدنيين وضمان مرور آمن ووصول غير معوق إلى جميع مناطق السودان.
ما مخاطر انتشار المجاعة في السودان؟ وكيف يتم توفير أساسيات الحياة لهؤلاء الأشخاص؟
يواجه السودان كارثة غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، حيث إن ما يقرب من 25 مليون شخص -أكثر من نصف السكان السودانيين- يعانون من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وفي ديسمبر الماضي، وجدت لجنة مراجعة المجاعة التابعة لتصنيف المرحلة المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) ظروف مجاعة في خمس مناطق على الأقل من السودان، ونتوقع حدوث مجاعة في 5 مناطق إضافية بين ديسمبر 2024 ومايو 2025، وتم تأكيد خطر المجاعة في 17 منطقة إضافية خلال فترة التوقع.
وقد أعاقت الحرب الإنتاج الغذائي والأسواق وتوصيل المساعدات الإنسانية، مما زاد من تفاقم مستويات الجوع، وترتفع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وقد تم الإبلاغ بالفعل عن وفيات مرتبطة بالجوع، ويقوم الشركاء الإنسانيون بتكثيف المساعدات الغذائية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، لكن الوصول لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا بسبب انعدام الأمن، مع استمرار توسع مخاطر المجاعة، نحث المانحين على صرف الأموال بسرعة لجهود الاستجابة والوقاية.
هل هناك مخاطر من زيادة عدد النازحين السودانيين وتفاقم أزمة اللاجئين؟
النزاع في السودان خلق أكبر أزمة نزوح في العالم، فقد نزح ما يقرب من 9 ملايين شخص إلى مناطق أكثر أمانًا داخل البلاد، وفرّ أكثر من 3 ملايين شخص إلى دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر، التي تكافح لمواجهة التدفق الهائل للاجئين، وبدون تدخل عاجل، سيزداد النزوح بشكل كبير، مما يؤدي إلى عدم استقرار إقليمي.
والحل السلمي للنزاع هو الطريقة الوحيدة لوقف المزيد من النزوح وحماية شعب السودان، وتدعو الأمم المتحدة إلى زيادة الدعم للدول المضيفة وبرامج اللاجئين لتجنب تفاقم الكارثة الإنسانية.