وزير الدولة البريطاني للأمن: نظام لندن الضريبي يُكرّس عدم المساواة ويُضعف الحق في السكن

وزير الدولة البريطاني للأمن: نظام لندن الضريبي يُكرّس عدم المساواة ويُضعف الحق في السكن
وزير الدولة البريطاني للأمن، توماس جورج جون توجندهات - أرشيف

 

 

أكد وزير الدولة البريطاني للأمن، توماس جورج جون توجندهات، أن النظام الضريبي في المملكة المتحدة أسهم على مدى عقود في تعميق الفجوة بين الأجيال، وأضعف بشكل مباشر قدرة الشباب على امتلاك مسكن أو بناء مستقبل اقتصادي متماسك.

جاء ذلك في مقال رأي نشره توجندهات، النائب المحافظ عن دائرة تونبريدج، في صحيفة "فايننشيال تايمز" ، حيث أوضح أن السياسات الضريبية المتعلقة بالإسكان والمعاشات التقاعدية حولت السكن من حق اجتماعي إلى أداة ادخار معفاة من الضرائب يستفيد منها كبار السن على حساب الأجيال الشابة.

شدّد الوزير على أن بريطانيا التزمت طيلة قرون بعقد اجتماعي غير مكتوب، يقوم على فكرة أن كل جيل يهيئ مستقبلًا أفضل للجيل الذي يليه، إلا أن هذا العقد قد تمزق اليوم نتيجة لعقود من السياسات التي خدمَت مصالح جيل بعينه بشكل منهجي، وهو جيل "طفرة المواليد".

وعدّ توجندهات هذه السياسات، التي بدأت بتحفيز الاقتصاد، أصبحت الآن تخنقه عبر نقل الثروة من الشباب إلى كبار السن، وذكر أن سياستين على وجه الخصوص أسهمتا في هذا التحوّل: الأولى تتعلق بتغييرات تنظيمية امتدت لأكثر من عشرين عامًا، أجبرت صناديق المعاشات التقاعدية على تصفية استثماراتها في الشركات البريطانية واستبدالها بالسندات الحكومية.

وأشار إلى أن هذا التحوّل أنهى جوهر فكرة المعاشات التقاعدية، والتي تقوم على مبدأ أن كبار السن يستفيدون من طاقة وإنتاجية الشباب، وبدلًا من دعم المشاريع والأفكار الجديدة، أصبحت الثروة تُضخ في أدوات الدين الحكومي، وهو ما وصفه بـ"تحويل الثروة إلى يد الدولة الميتة".

ووفقًا لتوجندهات، فإن أكثر من 60% من أصول المعاشات التقاعدية المحددة في القطاع الخاص باتت مستثمرة في السندات الحكومية، في حين لا تتجاوز الاستثمارات في أسهم الشركات البريطانية 1% فقط.

وأسهم ذلك، بحسب رأيه، في حرمان الاقتصاد البريطاني من رأس المال المحلي طويل الأجل، مما دفع شركات مبتكرة مثل "ديب مايند" و "أرم هولدينج" إلى اللجوء إلى التمويل الأجنبي، ونتج عن ذلك تسرب الثروة المنتجة إلى الخارج.

سياسات الإسكان تُقصي الشباب

رأى توجندهات أن الضرر الأكبر وقع على الأجيال الشابة من خلال مجموعة من السياسات الإسكانية، التي خلقت ما وصفه بـ"عبادة ضارة للغاية للإسكان"، وأوضح أن عدد المنازل الجديدة في المملكة المتحدة كان أقل بكثير من المطلوب على مدار عقود، ما خلق فجوة بين العرض والطلب.

وبيّن أن النظام الضريبي أسهم في تحويل السكن من مكان للعيش وتكوين أسرة إلى صندوق تقاعد فعلي معفى من الضرائب، في ظل غياب أي إجراءات تعويضية لحماية فرص الشباب.

وأشار إلى أن من تزيد أعمارهم على 60 عامًا يمتلكون اليوم أكثر من 56% من ثروة الإسكان في البلاد، في حين تراجعت نسبة ملكية المنازل بين من تقل أعمارهم عن 35 عامًا إلى 6% فقط.

وعدّ الوزير هذه الفجوة أدّت إلى نتائج اجتماعية واقتصادية خطِرة، من بينها انخفاض معدلات الزواج والإنجاب، ما يهدد التجديد الديموغرافي ويضعف البنية السكانية للمستقبل.

وأشار إلى أن أكثر من 80% من نمو الثروة الحقيقية للفرد خلال الثلاثين عامًا الماضية جاء من ارتفاع قيمة العقارات، وليس من الاستثمار المالي أو الإنتاجي الذي يُنشط الاقتصاد الحقيقي.

خلل اقتصادي يُضعف الأمن القومي

استشهد توجندهات برأي الخبير المالي مايكل توري، الشريك المؤسس لشركة "أوندرا بارتنرز"، الذي حذر من أن سوء تخصيص رأس المال الناتج عن هذه السياسات خلق حلقة مفرغة تُضعف الاقتصاد الوطني والأمن القومي.

وأوضح أن غياب الاستثمار الإنتاجي أجبر بريطانيا على الاعتماد المتزايد على رؤوس الأموال الأجنبية والعمالة الوافدة، ما فاقم أزمة الإسكان والضغط على الخدمات العامة.

وعدّ معالجة هذه التشوهات تتطلب إعادة التوازن في توزيع رأس المال الوطني، على نحو يُقدّم المصلحة العامة طويلة الأجل على الاعتبارات الانتخابية قصيرة المدى.

ودعا الوزير إلى تمكين المواطنين من فرص استثمارية عادلة، وخفض الضرائب على المدخرات والاستثمارات طويلة الأجل التي تُوظّف داخل الاقتصاد المحلي، مشيرًا إلى أن هذا التوجه سيعزز النمو، ويعيد الثقة لدى الأجيال الشابة بإمكانية امتلاك منزل ومستقبل.

وانتقد توجندهات بقاء العقارات السكنية كإعفاء ضريبي دائم على مكاسب رأس المال، معتبرًا ذلك أحد أسباب التشوه الاقتصادي في بريطانيا.

وأشار إلى أن إعفاء مكاسب رأس المال على السكن الرئيسي كلّف وزارة الخزانة أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني خلال السنة المالية 2023-2024، داعيًا إلى ضرورة مراجعة هذا الامتياز الضريبي وإعادة النظر في "قدسيته".

واقترح الوزير تبني سياسة ضريبية متوازنة تُحفز الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، من خلال: إعفاء مكاسب رأس المال على الاستثمارات طويلة الأجل في الشركات البريطانية، إلغاء ضريبة الدمغة على معاملات الأسهم، رفع الحد الأقصى للمساهمة في حساب التوفير الفردي (ISA) الذي يدعم الشركات المحلية.

وأكد أن هذه الإجراءات من شأنها أن تدفع الأسر البريطانية إلى توجيه مدخراتها نحو دعم النمو الاقتصادي، بدلًا من حجزها في سوق العقارات الذي يعاني من التشوه والاحتكار.

إصلاح نظام المعاشات

كما دعا توجندهات إلى إصلاح جذري لنظام المعاشات التقاعدية، بحيث يُعاد توجيه جزء أكبر من مدخرات المواطنين نحو دعم الشركات البريطانية، والتكنولوجيا الوطنية، ورواد الأعمال.

ورأى أن هذا المسار سيُطلق شرارة نهضة صناعية جديدة يحتاجها الاقتصاد البريطاني، كما أنه سيحقق عوائد طويلة الأجل أفضل للمتقاعدين أنفسهم.

وأقرّ الوزير بأن هذه الإصلاحات لن تحظى بشعبية واسعة، نظرًا لتعارضها مع مصالح خاصة قائمة تستفيد من النظام الحالي، لكنه أكد أن بريطانيا لم تعد تملك ترف الدفاع عن أصول مجمدة أو نظام اقتصادي غير عادل.

وختم توجندهات مقاله بالتشديد على أن مستقبل البلاد على المحك، وأن العدالة بين الأجيال تتطلب قرارات جريئة تُعيد توزيع الفرص والثروات على نحو يُنصف الشباب، ويعيد الثقة في المشروع البريطاني الجماعي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية