من خطأ ترامب لدروس التاريخ.. «غزة موزمبيق» تجسد نضال الشعوب من أجل تقرير المصير

من خطأ ترامب لدروس التاريخ.. «غزة موزمبيق» تجسد نضال الشعوب من أجل تقرير المصير
شاطئ بيلين في مقاطعة غزة بموزمبيق

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعًا بعد أن أمر بوقف شحنة مساعدات طبية، معتقدًا أنها كانت في طريقها إلى قطاع غزة الفلسطيني، إلا أن الحقيقة التي انكشفت لاحقًا كانت أكثر تعقيدًا، فالشحنة كانت متجهة إلى مقاطعة "غزة" في موزمبيق، وهي منطقة تعاني من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وتحتاج إلى دعم صحي عاجل.

أثار هذا الخطأ تساؤلات حول مدى دقة المعلومات التي يعتمد عليها صناع القرار في البيت الأبيض، وكيف يمكن لخطأ إداري بسيط أن يحرم آلاف الأشخاص من الرعاية الصحية المنقذة للحياة.

ويعكس خطأ ترامب عدم اكتراثه بالكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة، خاصة أنها جاءت في وقت تشهد فيه غزة دمارًا غير مسبوق بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المستمر.

مقارنة تاريخية لافتة

وبعيدا عن خطأ ترامب، فإن ربط غزة بموزمبيق يفتح الباب لمقارنة تاريخية لافتة، فكما قاومت غزة لعقود الاحتلال الإسرائيلي، خاضت موزمبيق نضالًا طويلًا ضد الاستعمار البرتغالي الذي حكمها بقبضة حديدية منذ القرن السادس عشر وحتى نيل استقلالها عام 1975. 

وخاضت حركة "جبهة تحرير موزمبيق" (فريليمو) حربًا مريرة ضد البرتغاليين، دفعت فيها البلاد أثمانًا باهظة من القتل والدمار والتشريد، وهي تجربة قريبة من معاناة الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون الاحتلال والحصار منذ عقود.

وكما دعمت قوى دولية الاستعمار البرتغالي، فإن إسرائيل تتلقى دعمًا غير مشروط من بعض القوى الغربية، مما يطيل أمد الاحتلال والمعاناة في غزة.

وفي المقابل، لم يتوقف نضال الشعبين؛ فموزمبيق استقلت بعد سنوات من الحرب، ورغم الصراعات التي تلت ذلك، فإنها اليوم دولة ذات سيادة، وعلى الرغم من الفارق في السياقات فإن غزة لا تزال تناضل وسط حصار خانق وهجمات متكررة، وسط تساؤلات عن مصيرها وإمكانية نيلها حقوقها المشروعة.

المقارنة بين غزة وموزمبيق ليست مجرد صدفة لغوية في زلة لسان ترامب، بل تكشف عن نمط تاريخي يتكرر من استعمار، مقاومة، ثم نضال نحو تقرير المصير، وإذا كان العالم قد دعم حركات التحرر في إفريقيا خلال القرن الماضي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: متى سيحظى الفلسطينيون في غزة بالدعم الكافي لنيل حقوقهم المشروعة؟

ما هي غزة موزمبيق؟

غزة هي مقاطعة تقع جنوب موزمبيق، على بعد 210 كيلومترات من العاصمة مابوتو، تبلغ مساحتها 75,334 كيلومترًا مربعًا، وتضم 14 مدينة، من بينها 6 بلديات منذ عام 2013، يمر عبر المقاطعة نهر ليمبوبو، الذي يعد محورًا حيويًا للتنمية الاقتصادية والزراعية.

وفقًا للموقع الرسمي لمقاطعة غزة في موزمبيق، فإن الاسم يعود إلى زعيمها سوتشانغاني، الذي أطلق عليها هذا الاسم تيمناً بجده وقائده الذي قاد الكفاح ضد الاستعمار البرتغالي.

تعد غزة موزمبيق وجهة سياحية بارزة بخلاف غزة الفلسطينية، التي اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، فغزة في موزمبيق هي بالفعل وجهة سياحية معروفة، تضم العديد من المواقع السياحية البارزة، مثل مدينة تيوفيني ومتنزه ليمبوبو الوطني.

ووفقًا للمديرة الإقليمية للثقافة والسياحة، فإنه من المتوقع أن يصل عدد المواقع السياحية إلى 280 موقعا، مع تشغيل المتنزهات الجديدة.

شحنة الواقيات الذكرية

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا عندما زعم أنه منع شحنة من الواقيات الذكرية بقيمة 50 مليون دولار كانت في طريقها إلى قطاع غزة الفلسطيني، فيما أوضح إيلون ماسك، رئيس مكتب الكفاءة الحكومية، لاحقًا، أن الشحنة كانت موجهة إلى مقاطعة غزة في موزمبيق، وليس إلى غزة الفلسطينية، وذلك في إطار جهود مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، وأن هذا الخطأ، كان نتيجة للتحرك السريع واتخاذ قرارات غير مدققة.

تاريخ غزة في إفريقيا

يحمل اسم "غزة" في إفريقيا أكثر من دلالة، إذ كانت هناك "إمبراطورية غزة" التي تأسست بين عامي 1824 و1895، وامتدت عبر مناطق واسعة بين موزمبيق وزيمبابوي، قبل أن تختفي من الخريطة بعد عام 1895.

ويوجد اسم غزة حول العالم بخلاف غزة في فلسطين وموزمبيق، في أماكن أخرى، مثل بلدة غزة في قضاء البقاع الغربي بلبنان، التي شهدت موجات هجرة كبيرة، ومدينة غزة القديمة في أستراليا، التي تغير اسمها لاحقًا إلى "كليمزيغ".

حتى في أعماق البحار، يمتد اسم غزة ليشمل عالم الأحياء البحرية، إذ توجد كائنات بحرية تُعرف باسم Gaza Superba أو "غزة الجميلة"، وهي رخويات تعيش في أعماق البحار، خاصة في أرخبيل "لاس آفيز" بفنزويلا.

يظل اسم غزة حاضرًا في الجغرافيا والسياسة والتاريخ، من فلسطين إلى إفريقيا وأستراليا وحتى قاع المحيطات، وهو ما يعكس تأثيره العميق في الذاكرة الإنسانية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية