17 مليون يمني يواجهون الجوع.. هل يتخلى المجتمع الدولي عن مسؤولياته؟

17 مليون يمني يواجهون الجوع.. هل يتخلى المجتمع الدولي عن مسؤولياته؟
17 مليون يمني يواجهون الجوع - أرشيف

في ظل صراع مستمر منذ ما يقرب من عقد، يعيش اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعاني ملايين اليمنيين من الجوع وسوء التغذية، في ظل انهيار اقتصادي حاد، وتقلص المساعدات الإنسانية، واستمرار الصراع المسلح الذي دمر البنية التحتية، وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني إلى مستويات غير مسبوقة. 

وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن أكثر من 17.6 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يحتاج 18.6 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة في عام 2024، مع توقعات بارتفاع هذه الأرقام في حال استمرار العوامل التي تؤجج الأزمة.

وساهم تدهور الاقتصاد وانهيار العملة اليمنية في تعميق معاناة المواطنين، حيث فقدت العملة المحلية أكثر من 70% من قيمتها منذ بداية النزاع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، على سبيل المثال، ارتفع سعر كيس الدقيق (50 كجم) من 5,500 ريال يمني في 2015 إلى أكثر من 50,000 ريال يمني في 2024، وهو ما يجعل الحصول على الغذاء ضربًا من المستحيل بالنسبة للعديد من الأسر التي فقدت مصادر دخلها بسبب الحرب.

وتشير بيانات شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) إلى أن أكثر من 19 مليون يمني يعانون من الاحتياجات الغذائية الحادة، مع توقعات بأن تصل هذه الأعداد إلى الذروة بين شهري فبراير ومارس 2025 بسبب تأثير موسم الجفاف وتراجع المساعدات.

ووفقًا لنفس التقرير، فإن أكثر من 3.5 مليون شخص يواجهون مستويات "كارثية" من انعدام الأمن الغذائي، ما يعني أنهم على شفا المجاعة ما لم يتم التدخل الفوري لإنقاذهم.

الأطفال الأكثر تضرراً

الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث يعاني حوالي 2.2 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد، منهم 540 ألفًا يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي مستويات تهدد حياتهم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

وذكرت التقارير أن مناطق الساحل الغربي، خاصة في الحديدة وتعز، تشهد معدلات غير مسبوقة من سوء التغذية، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.

ولم يسلم القطاع الصحي من تداعيات الحرب، حيث خرجت أكثر من 50% من المرافق الصحية عن الخدمة بسبب الاستهداف المباشر أو نقص التمويل والإمدادات الطبية، ما أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض وسوء التغذية في أوساط السكان، وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 75% من اليمنيين يفتقرون إلى إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، بينما تشهد المستشفيات التي لا تزال تعمل نقصًا حادًا في الأدوية والمعدات الطبية والكوادر المؤهلة.

وساهمت العوائق البيروقراطية وقيود الوصول التي تفرضها الأطراف المتنازعة في تقويض جهود المنظمات الإنسانية، فقد خفض برنامج الأغذية العالمي مساعداته الغذائية في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بسبب نقص التمويل وعرقلة وصول المساعدات، ما أدى إلى حرمان ملايين الأشخاص من الدعم الغذائي الضروري.

وفي تطور مأساوي آخر، أعلن برنامج الأغذية العالمي في فبراير 2025 عن وفاة أحد موظفيه أثناء احتجازه في سجن تديره ميليشيا الحوثي في محافظة صعدة، في واقعة أثارت استنكارًا واسعًا من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحادث، مطالبًا بإجراء تحقيق فوري لمعاقبة المسؤولين عن هذه الجريمة، ومؤكدًا ضرورة توفير الحماية للعاملين في المجال الإنساني الذين يواجهون تهديدات مستمرة في اليمن.

الوضع قد يزداد سوءاً

وفي ظل هذه الأزمة المتصاعدة، تحذر المنظمات الدولية من أن الوضع قد يزداد سوءًا إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير التمويل اللازم لاستمرار العمليات الإنسانية. برنامج الأغذية العالمي، على سبيل المثال، يحتاج إلى تمويل إضافي قدره 448 مليون دولار أمريكي للفترة من أكتوبر 2024 إلى مارس 2025 لضمان استمرار تقديم المساعدات الغذائية، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في تأمين هذه الأموال بسبب تراجع التزامات المانحين.

ويؤكد الخبراء أن الأوضاع في اليمن باتت تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المجتمع الدولي على التصدي للأزمات الإنسانية، حيث إن استمرار هذه الأزمة دون حلول جذرية لن يؤدي فقط إلى المزيد من المعاناة، بل قد يتسبب في تداعيات أمنية وسياسية أوسع قد تؤثر على المنطقة بأسرها، وإذا لم يكن هناك تحرك دولي فوري، فإن اليمنيين سيواجهون كارثة إنسانية غير مسبوقة، مع خطر تحول المجاعة إلى واقع يهدد الملايين.

الحق في الغذاء

وقال الحقوقي البحريني، عبدالله بن زيد، إن انعدام الأمن الغذائي في اليمن يمثل انتهاكًا صارخًا للحق في الغذاء، الذي يعد من الحقوق الأساسية المكفولة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 25، والتي تنص على أن لكل شخص الحق في مستوى معيشي يكفل له ولأسرته الصحة والرفاهية، بما في ذلك الغذاء الكافي، ومع ذلك، فإن الواقع في اليمن يكشف عن صورة مأساوية، حيث تحولت البلاد إلى واحدة من أكبر بؤر الجوع في العالم بسبب تضافر عوامل النزاع المسلح، والتدهور الاقتصادي، وغياب الاستجابة الإنسانية الكافية هذه الأزمة، التي تفاقمت بشكل كارثي خلال السنوات الأخيرة، وهذه العوامل لا تعكس فقط معاناة إنسانية، بل تجسد أيضًا فشلًا دوليًا في ضمان أبسط الحقوق للبشر.

وتابع عبدالله بن زيد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن مسؤولية المجتمع الدولي عن هذه الأزمة تتجاوز مجرد تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة، فوفقًا للقانون الدولي الإنساني، فإن الأطراف المتحاربة ملزمة بتأمين وصول الغذاء والإمدادات الأساسية للمدنيين، ومع ذلك، فإن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تؤكد أن جميع الأطراف في الصراع اليمني استخدمت الغذاء كسلاح حرب، من خلال فرض الحصار على بعض المناطق، وعرقلة المساعدات، وتدمير البنية التحتية الزراعية، الأمر الذي يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، ولا يمكن اعتبار هذه الأفعال مجرد تداعيات غير مقصودة للحرب، بل هي استراتيجيات ممنهجة ترقى إلى مستوى الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان.

وأشار إلى أن الحق في الغذاء لا ينفصل عن حقوق أخرى، مثل الحق في الصحة والكرامة والحياة، وهي حقوق انتهكت بشكل واسع في اليمن، فالمجاعة وسوء التغذية الحاد، اللذان يؤثران على أكثر من 17 مليون شخص وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، لا يؤديان فقط إلى فقدان الحياة، بل يتركان آثارًا طويلة المدى على السكان، خاصة الأطفال، الذين يعانون من التقزم ونقص النمو الذهني والبدني نتيجة سوء التغذية المزمن. الأمم المتحدة حذرت مرارًا من أن هذه الأزمة ستؤدي إلى "جيل ضائع" في اليمن، وهو أمر يتطلب مساءلة دولية لكل الجهات التي ساهمت في هذا الوضع المأساوي.

وشدد على أن وقف المجاعة في اليمن يتطلب تغييرات جوهرية في سياسات الدول الكبرى والمؤسسات الدولية، التي تجاهلت لسنوات الانتهاكات الجسيمة في البلاد، إذ لا يمكن القبول بمعايير مزدوجة في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، حيث تتحرك المنظمات الدولية بسرعة في بعض الأزمات بينما يظل اليمن خارج دائرة الاهتمام الفعلي. استمرار هذه الأزمة هو إدانة للنظام الدولي بأكمله، الذي عجز عن ضمان الحد الأدنى من الحقوق لشعب يعاني من واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.

وأتم، لا يمكن فصل البعد الحقوقي لهذه الأزمة عن الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة والمساءلة، فيجب أن تشمل أي تسوية سياسية مستقبلية في اليمن آليات واضحة لتعويض الضحايا وضمان عدم الإفلات من العقاب للجهات التي ساهمت في تدمير سبل العيش وانتهاك الحق في الغذاء.

معاناة إنسانية وحق ضائع

وقال نجيب عبدالحميد، مواطن يمني، إن اليمن حاليا ليس كما كان قبل عقود، لقد تحول إلى بلد يعيش سكانه على حافة الجوع، لا لأن أرضه عقيمة، ولا لأن شعبه غير قادر على الإنتاج، بل لأن الحرب والنزاعات السياسية جعلت الحياة اليومية أشبه بمعركة أخرى، لكنها ضد الفقر والجوع، لم يعد الحديث عن انعدام الأمن الغذائي مجرد أرقام في تقارير دولية، بل صار حقيقة يشعر بها كل بيت يمني، وكل أسرة تجاهد لتأمين قوت يومها وسط انهيار اقتصادي متسارع وتراجع الدعم الإنساني.

واستكمل عبدالحميد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، في شوارع المدن اليمنية، تتكرر المشاهد المأساوية، ما بين أطفال هزيلين يبحثون عن شيء يسد رمقهم، ونساء يقفن في طوابير طويلة أمام مراكز الإغاثة على أمل الحصول على كيس من الدقيق أو بعض الأرز، ورجال يعجزون عن إطعام أسرهم بسبب انعدام فرص العمل وغلاء الأسعار، هذه ليست مجرد صور حزينة، بل انعكاس مباشر لحقيقة أن الأزمة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وما يزيد الطين بلة هو أن الأزمة ليست فقط نتيجة الحرب، بل أيضاً بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة، وانقسام مؤسسات الدولة.

وقال إن الأزمة الغذائية ليست مجرد نقص في الطعام، بل هي انعكاس لتدهور شامل في كل جوانب الحياة، فقد أدى انهيار العملة المحلية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، حيث أصبح شراء الحاجات الأساسية كالحليب والزيت والدقيق أمراً شبه مستحيل للكثيرين، ومع توقف الرواتب وتراجع التحويلات المالية من الخارج، لم يعد لدى معظم العائلات أي مصدر دخل، ما يجعلها أكثر عرضة للجوع والمجاعة.

وتابع، أما في المناطق الريفية، فالوضع لا يقل سوءاً، بل ربما يكون أكثر مأساوية، فالمزارعون الذين كانوا قادرين على تأمين غذائهم بأنفسهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن الزراعة بسبب غلاء الوقود وشح المياه وصعوبة الحصول على البذور والأسمدة، وبدلاً من أن تكون الأرض مصدر أمان غذائي، أصبحت عبئاً آخر في ظل انعدام أي دعم حكومي أو دولي للقطاع الزراعي.

وأشار إلى أنه رغم كل هذه المآسي، لا يزال هناك أمل، ولو كان ضئيلاً. فاليمنيون أثبتوا مراراً أنهم قادرون على تجاوز المحن، وأنهم رغم كل الظروف لا يزالون يتمسكون بالحياة. ما يحتاج إليه اليمن اليوم ليس فقط مساعدات إنسانية، بل يحتاج إلى حلول جذرية تضمن استقرار الاقتصاد، وتوقف الحرب، وتعيد للدولة دورها في حماية مواطنيها، فالغذاء ليس منّة، ولا رفاهية، بل هو حق أساسي يجب أن يكون مكفولاً لكل إنسان، وأي تقاعس عن ضمان هذا الحق هو جريمة في حق ملايين اليمنيين الذين لا يطلبون سوى العيش بكرامة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية