«التسجيل الإلزامي».. خطط لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية بالولايات المتحدة

«التسجيل الإلزامي».. خطط لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية بالولايات المتحدة
ترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة وهم مكبلون بالأصفاد

في خطوة جديدة بشأن المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب اشتراط تسجيل بياناتهم وبصماتهم لدى السلطات الفيدرالية، لتنضم سلسلة إجراءات تستهدف الترحيل لأعداد كبيرة من ملايين دخلوا بطرق غير مشروعة للبلاد. 

ويرى خبراء في الشأن الأمريكي تحدثوا لـ"جسور بوست" أن خطوة التسجيل الإلزامي للمهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة، لن تكون الأخيرة في سجل قرارات ترامب لتضييق الخناق الهجرة غير النظامية وتعزيز إجراءات الترحيل، متوقعين مزيدا من الإجراءات التي تحاصرها تنفيذ لوعود الرئيس الأمريكي الانتخابية، رغم المآخذ الحقوقية والأضرار الاقتصادية المحتملة، والتي تروّج الإدارة الأمريكية لها بالمقابل فوائد ومكاسب. 

وفي أحد الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس دونالد ترامب يوم تنصيبه في 20 يناير الماضي، والمتعلقة بالهجرة، أوضح الرئيس خططًا لإنشاء سجل جديد، وطالب وزارة الأمن الداخلي "بإعلان فورى ونشر معلومات حول التزام جميع الأجانب غير المسجلين في الولايات المتحدة بالتسجيل.

وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يتراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث شهدت هذه الأعداد زيادة ملحوظة منذ مارس 2021، لتصل إلى مستويات تاريخية، وفق تقديرات مركز "بيو" للأبحاث.

خطوة جديدة

ووفق وسائل إعلام أمريكية، أفادت وكالة خدمات المواطنة والهجرة، التابعة لوزارة الأمن الداخلي، بأنه على كل من بلغ سن 14 عامًا أو أكثر، ولا يملك وضعًا قانونيًا بالولايات المتحدة أن يسجل بياناته وتقديم بصمات أصابعه وعنوانه إلى الحكومة الفيدرالية، وإلا سيكون هناك غرامات أو السجن أو كليهما.

وينص قانون الهجرة الفيدرالي منذ فترة طويلة على ضرورة تسجيل الأشخاص الذين يعيشون بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، ولكن كان هذا الشرط نادرًا ما تم تطبيقه، ويقول المسؤولون إن هذا سيتغير الآن، وفق المصدر ذاته.

وتعود آلية تسجيل الأجانب إلى عام 1940، الذي أُقر بشأنه قانونا عقب مخاوف من المهاجرين قبيل الحرب العالمية الثانية، وتلاها قانون الهجرة والجنسية لعام 1952.

ولم تحدد المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي تريشيا مكلافلين، في بيان، أي قوانين ستطبق قائلة: "ستقوم إدارة ترامب بتطبيق جميع قوانين الهجرة لدينا، لن نختار أي القوانين سنطبقها" وأضافت "يجب أن نعرف من هو في بلادنا من أجل سلامة وأمن وطننا وجميع الأمريكيين وإذا غادر (المهاجر غير الشرعي) فقد يحصل على فرصة للعودة والتمتع بحريتنا والعيش في الحلم الأمريكي".

وتزداد مخاوف المهاجرين غير النظاميين من التسجيل إذ يجعلهم أكثر عرضة للترحيل، وحتى إذا لم يحقق السجل نتائج كبيرة من حيث زيادة الترحيل، فإنه يبعث برسالة للمواطنين الأميركيين مفادها أن إدارة ترامب تتشدد في معالجة قضية الهجرة، وفق ما نقلته قناة الحرة عن ستيفن ييل-لور، أستاذ القانون المتقاعد والمتخصص في قوانين الهجرة من جامعة كورنيل.

وقال المركز الوطني لقانون الهجرة، وهو منظمة تدافع عن قضايا الهجرة، في منشور عبر موقعه  إن "قانون تسجيل الأجانب لعام 1940 هو المرة الوحيدة التي نفذت فيها الحكومة الأميركية حملة شاملة تطلب من جميع غير المواطنين التسجيل"، لافتا إلى أنه في إطار هذه العملية، كان يتعين على الأشخاص الذهاب إلى مكاتب البريد المحلية للتسجيل، وكان الهدف هو تحديد "التهديدات المحتملة للأمن القومي، التي كانت غالبًا ما تُصنف على أنها شيوعية أو مدمرة".

وحذّرت المنظمة من أن السجل يُستخدم لمساعدة السلطات في تحديد أهداف محتملة للترحيل، مشيرة إلى أن "أي محاولة من إدارة ترامب لإنشاء عملية تسجيل لغير المواطنين الذين لم يكونوا قادرين على التسجيل من قبل ستُستخدم لاستهداف الأشخاص للاحتجاز والترحيل".

منشأة المهاجرين

وسبق لترامب توقيع قرارات تطوق الهجرة غير النظامية، إذ وقّع في 30 يناير الماضي أمرا تنفيذيا يتضمن توجيه وزارتي الدفاع والأمن الداخلي للبدء في إعداد منشأة المهاجرين التي تضم 30 ألف شخص في خليج غوانتانامو، مضيفاً: "معظم الناس لا يعرفون أن لدينا 30 ألف سرير في غوانتانامو، لاحتجاز أسوأ الأجانب غير الشرعيين المجرمين الذين يهددون الشعب الأمريكي".

وأكد أن بعض "هؤلاء المجرمين سيئون، ولا نثق في دولهم لاستلامهم، لأننا لا نريد أن يعودوا مجدداً إلينا، لذلك سوف نرسلهم إلى غوانتانامو".

وأفاد البيت الأبيض بأن ترامب "أصدر مذكرة رسمية لوزيري الدفاع والأمن الداخلي، تقضي بتوسيع مركز عمليات المهاجرين في قاعدة غوانتانامو البحرية ليصل إلى طاقته الاستيعابية الكاملة، بهدف توفير مساحة احتجاز إضافية للمهاجرين غير الشرعيين المصنفين كأولوية قصوى بسبب سجلاتهم الجنائية".

وتفيد المذكرة التي وقعها ترامب بأن "هذا التوجيه لا يمنح أي حقوق قانونية أو إجراءات قابلة للتنفيذ ضد الحكومة الأميركية أو أي من مؤسساتها وموظفيها".

وسبق أن قال مشروع المساعدة الدولية للاجئين في تقرير صدر عام 2024، إن "المعتقلين في منشأة المهاجرين في غوانتانامو، تحدثوا عن الظروف غير الصحية، والأسر التي لديها أطفال صغار يتم إيواؤهم مع بالغين عازبين، وغياب الخدمات التعليمية للأطفال"، داعيا إلى إغلاق تلك المنشأة وإجراء الكونغرس تحقيقاً في الانتهاكات المزعومة هناك.

تفعيل وتعطيل القوانين

ووقع ترامب على مشروع قانون "ليكن رايلي"، الذي يحمل اسم طالب قتله مهاجر غير شرعي في حرم جامعة جورجيا، ويوجه وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك "ICE" باحتجاز المهاجرين غير الشرعيين الذين تم القبض عليهم أو اتهامهم بجرائم تتعلق بالسرقة، أو المتهمين بالاعتداء على ضباط الشرطة.

ويسمح القانون الذي تم تمريره في مجلسي النواب والشيوخ قبل نحو شهر، للولايات الـ50 بمقاضاة وزارة الأمن الداخلي نظير الضرر الذي لحق بمواطنيها بسبب الهجرة غير الشرعية، ويشمل ذلك إطلاق سراح المهاجرين من الحجز أو الفشل في احتجاز المهاجرين الذين استلموا أوامر الترحيل.

ويرى منتقدوه أنه سيمهد الطريق للاحتجاز الجماعي، بما في ذلك أولئك الذين ارتكبوا جرائم بسيطة مثل السرقة من المتاجر، بحسب شبكة فوكس نيوز.

وأوقف ترامب عدة برامج تسمح للمهاجرين بالاستقرار بشكل مؤقت في الولايات المتحدة، ومنها برنامج كان يسمح للمهاجرين الذين ينتظرون في المكسيك بتحديد موعد لطلب اللجوء عند معبر حدودي قانوني، بخلاف برنامج آخر يسمح للمواطنين من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا خارج الولايات المتحدة بالدخول عن طريق الجو إذا كان لديهم ضامن أميركي أو شخص يمكن التواصل معه داخل الولايات المتحدة، وبعد الخضوع للتدقيق.

وفي مذكرة صادرة بتاريخ 21 يناير الماضي، وجّه نائب المدعي العام بالإنابة، إميل بوف، الذي كان سابقاً أحد المحامين الخاصين لترامب، بضرورة التحقيق "من أجل الملاحقة القضائية المحتملة" مع مسؤولي الولايات والحكومات المحلية الذين يعارضون أو يعرقلون أو لا يلتزمون بتنفيذ أوامر الهجرة الصادرة عن إدارة ترامب، في إشارة لمدن تُعد ملاذا آمنا للمهاجرين غير الشرعيين.

وتعد شيكاغو واحدة من أكبر المدن المعارضة لسياسات ترامب المتعلقة بالهجرة. وقال عمدة شيكاغو الديمقراطي براندون جونسون، إنه "لن يكون هناك أي تعاون مع عمليات الترحيل التي تقوم بها إدارة الهجرة والجمارك".

وخلال الولاية الرئاسية لترامب (2017-2021) انتقدت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) ما سمته بـ"ممارسات مسيئة نفذتها واشنطن على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، من خلال المعاملة العنيفة للاجئين وكأنهم مجرمون، والقيود المشددة التي فرضت على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية وغيرها".

خطوات جادة

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي الدكتور نبيل ميخائيل، إن تلك الخطوات تفيد بأن ترامب جاد للغاية في تثبت التسجيل الإلزامي لجميع المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا على أن تكون مسؤولية الولايات أيضا وليس الحكومة الفيدرالية فقط، وهذا توسع جاد. 

ولفت الدكتور نبيل ميخائيل، في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن هناك أعداداً مهولة من المهاجرين غير الشرعيين في وكاليفورنيا وتكساس ونيوجيرسي، وستقع على الولايات مسؤولية كما الحكومة الفيدرالية، وذلك كله يصب في التأكيد على جدية موقف ترامب من ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

ويرجح احتمال أن يؤيد الكونغرس هذه الخطوة بأغلبية الحزب الجمهوري، ما يعزز فرص الترحيل بصورة أكبر، لافتا إلى أن ذلك التسجيل الإلزامي سيكون له انعكاسات على سياسات الهجرة غير الشرعية ويضيق الخناق عليها.

وفي تقدير أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، فإن هناك تضاؤلاً بشكل لافت في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك، بعد تحركات ترامب بقوات على الحدود، وستحمل الفترة المقبلة قيوداً أكبر وتنفيذا واسعا لخطط ترامب بشأن الهجرة غير الشرعية.

خسائر ومكاسب

ومن جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية والمختص بالشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، أن الخطوة الجديدة من ترامب تؤكد أنه مستمر في خططه لمحاصرة الهجرة غير الشرعية التزاما بوعوده الانتخابية التي سبق أن أعلنها، لافتا إلى أن هذا الخطوة سيكون لها تأثير اقتصادي بخلاف انتقادات حقوقية غير مؤثرة. 

وأوضح الدكتور سعيد صادق، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين كان يعملون بمبالغ زهيدة في الولايات المتحدة، وكل هذه الخطوات الداعمة للترحيل ستؤثر على الاقتصاد الأمريكي، بخلاف مكسب تراه إدارة ترامب في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين الأمريكيين.

واستبعد صادق أن يكون للانتقادات الحقوقية لخطط ترامب لمواجهة الهجرة غير الشرعية تأثير ملموس في ظل الغلبة للتيار اليميني في أوروبا وأمريكا.

ولفت إلى أن أحد أصدقائه في الولايات المتحدة ينقل له مخاوف تعتري المهاجرين غير الشرعيين من الجلوس على المقاهي خشية الإجراءات الجديدة من ترامب ما يجعله عرضة للتفتيش والترحيل، متوقعا قرارات مماثلة من الرئيس الأمريكي تمس الهجرة غير الشرعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية