بين الترحيب والجدل.. عيد بلا أضاحٍ لمواجهة التحديات الاقتصادية في المغرب

بين الترحيب والجدل.. عيد بلا أضاحٍ لمواجهة التحديات الاقتصادية في المغرب
العاهل المغربي الملك محمد السادس

أثارت دعوة ملك المغرب، محمد السادس، المغاربة إلى عدم ذبح أضحية العيد هذه السنة، بسبب التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه البلاد، موجة واسعة من ردود الفعل الإيجابية، سواء في الوسط الشعبي أو من قِبل متخصصين مغاربة في مجالات حماية المستهلك والاقتصاد وحقوق الإنسان.

واعتُبر قرار الملك، بحسب تصريحات استقتها "جسور بوست"، صائباً، ويرفع الحرج عن المغاربة غير القادرين على شراء أضحية العيد، وفرصة لتكاثر القطيع المغربي، وقطع الطريق على الوسطاء وتجار الأزمات، وأنه جاء في وقته، ويجب أن يطبق بشكل دائم، وتستبدل الأضحية بالصدقة، وأنه موقف إيجابي ومسؤول، ولا يمس بالعقيدة، وسيحفظ الثروة الحيوانية والعملة الصعبة في البلاد.

وأهاب الملك محمد السادس بالشعب المغربي عدم القيام بشعيرة أضحية عيد الأضحى لهذه السنة، في سياق ما تواجه البلاد من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية.

وبحسب الرسالة التي وجهها الملك إلى المغاربة، حول موضوع "عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد"، والتي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عبر القناة المغربية (الأولى)"، فأخذاً بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة، سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبه، لا سيما ذوي الدخل المحدود.

أزمة مواشٍ خانقة

قال رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك (تضم 40 جمعية مغربية للمستهلك)، وديع مديح، إن المغرب، كما يَعرِف كل المغاربة، يعيش حاليّاً أزمة خانقة في المواشي، وإن مشكل التساقطات المطرية التي كانت قليلة جدّاً في السنوات الأخيرة وعيش المغرب في جفاف مستمر منذ 6 سنوات، أدى إلى رفع أثمنة الأغنام بسبب قلتها في البلاد.

وتابع مديح، في حديث مع "جسور بوست"، أنه نظراً لأن عيد الأضحى سنة مؤكدة، يكون بعض المستهلكين المغاربة محرجين من ألَّا يشتروا الأضحية، خصوصاً إذا كان لديهم أطفال، وبالتالي يصبح الأمر -وفقَهُ- مشكلاً اجتماعيّاً عند فئة من المستهلكين.

وأفاد مديح بأن قرار الملك صائب، وفيه كثير من الجوانب الإيجابية، وكان منتظراً من طرف فئة من المستهلكين، وأنه رفع للحرج، ما اعتبره مديح مهمّاً جدّاً، مردفاً بأنهم في الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك ينظرون إلى هذا الإجراء على أنه فرصة أولاً لجعل القطيع المغربي يتوالد ويتكاثر، وفرصة كذلك لهذه الشريحة من المستهلكين، حتى لا يبقوا محرجين أمام جيرانهم وعائلاتهم، بسبب عدم قدرتهم على شراء أضحية العيد، وهو أمر مستحسن ومستحب، بحسب مديح، الذي بيَّن أن قرار الملك فرصة كذلك لقطع الطريق على الوسطاء وتجار الأزمات في هذه المرحلة.

وسيقوم الملك -وفق الرسالة المذكورة- بذبح الأضحية نيابة عن شعبه، وسيراً على سنة جده المصطفى (صلى الله عليه وسلم) عندما ذبح كبشين وقال: "هذا لنفسي، وهذا عن أمتي".

وأهاب الملك بالشعب المغربي أن يُحيي عيد الأضحى وفق طقوسه المعتادة، ومعانيه الروحانية النبيلة، وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد، وإنفاق الصدقات، وصلة الرحم، وكذا كل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه، مع طلب الأجر والثواب.

قرار في وقته

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المغربي، المهدي لحلو، إن هذا القرار صائب، وجاء في وقته، قبل 3 أشهر من حلول عيد الأضحى، وبالتالي يمنح التجار، الذين كانوا يهيئون أغنامهم لتباع في عيد الأضحى، مجالاً زمنيّاً ليعرضوها الآن في السوق، ولكي ينقص الضغط على اللحوم الحمراء في رمضان.

وأضاف لحلو، في حديث مع "جسور بوست"، أن مشكل عيد الأضحى مرتبط بتربية المواشي في المغرب، وأن القرار كان يجب أن يُتخذ منذ زمن، خصوصاً في ظل أزمة الجفاف، وأنه يجب أن يكون هناك قرار نهائي، من أجل إيجاد وسيلة لتحقيق معادلة القيام من جهة بهذا الواجب الديني، الذي تحول -بحسبه- إلى واجب اجتماعي، ومن جهة ثانية مراعاة وضعية الفِلاحة بشكل عام، التي تشهد أزمة، مبرزاً أنه لم يعد هناك توازن اليوم بين وضعية المجال الفلاحي، وقطاع تربية المواشي تحديداً، وما يحتاج إليه هذا الواجب الديني من أضاحٍ.

استبدال الأضاحي بالصدقة

تابع لحلو أن قرار الملك يجب أن يُطبق بشكل دائم، وأن تحقيق المعادلة المذكورة يمكن أن يتم من خلال تبني الصيغة الموجودة في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمتمثلة -وفقَهُ- في أن يقوم الناس الذين يريدون ذبح أضحية العيد باستبدال ذلك بإعطاء فدية وصدقة توضع في صندوق خاص وتوزع على المواطنين خصوصاً المعوزين.

وأبرز لحلو أن مواطنين من شرائح كبرى من المجتمع المغربي، خصوصاً من الطبقات المتوسطة والغنية، لم يعودوا منذ زمن يذبحون أضحية العيد، ويقومون في المقابل بالتصدق وإعطاء الزكاة لمجموعة من الناس، ويذهبون إلى قضاء أغراضهم في وقت عيد الأضحى، مردفاً: "بالتالي؛ اجتماعيّاً، واقتصاديّاً، ومناخيّاً، وفلاحيّاً لم تعد هناك ضرورة لأضحية عيد الأضحى بالشكل الذي كان يعرفه المجتمع المغربي، بل يجب العدول عنها، والتوجه نحو وسائل أخرى".

وختم لحلو تصريحاته لـ"جسور بوست" بالقول إنه يطلب شخصيّاً استمرار العمل بهذا القرار الملكي لسنوات عدة، خصوصاً أن الأمر يتعلق بسُنةٍ، واستبدالها بوسائل أخرى للتعبير عن تضامن المجتمع المغربي وعن روحه الدينية، بشكل آخر، من خلال فكرة الصندوق المذكور، موضحاً أنه قيل إن "الخصاص الموجود اليوم في الماشية يبلغ 38%، لكنه في الحقيقة أكبر من ذلك، خصوصاً في المناطق التي تعرف جفافاً كبيراً".

وأعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في المغرب، أحمد البواري، عن تراجع القطيع الوطني من المواشي بنسبة 38%، وذلك مقارنة بسنة 2016، التي شهدت إجراء الإحصاء الوطني للقطاع الفلاحي، مبرزاً وجود "نقص حاد أثّر على إنتاج اللحوم في البلاد. 

موقف لا يُمس بالعقيدة

من جهته، قال الحقوقي المغربي، محمد النشناش، إن ذبح أضحية عيد الأضحى سنة مؤكدة، وليس فريضة، وإن المغاربة جرَّبوا عدم ذبح أضحية العيد في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، معتبراً أن موقف الملك محمد السادس إيجابي ومسؤول، وأنه يتحمل في كل مناسبة ما يحتاج إليه الوطن ويستحقه، لحماية اقتصاده، وأن هذا القرار في مصلحة الوطن والمواطنين، وسيحميهم من الوسطاء، الذين يرفعون أثمان الأكباش في هذه الظروف، ولا يمس مطلقاً بالعقيدة، وأن ذبح أضحية العيد أصبح -بحسبه- "عادة أكثر منها مَنْسَكاً دينيّاً".

وتُعد هذه المرة الرابعة التي يلغي فيها المغرب شعيرة ذبح أضحية العيد، بعدما ألغاها 3 مرات في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، في سنة 1963 بسبب الوضع الاقتصادي خلال حرب "الرمال" بين المغرب والجزائر، وفي سنة 1981 بعد نفوق كثير من الماشية بسبب الجفاف الشديد، ثم في سنة 1996 نظراً لتعاقب موجات جفاف شديدة على البلاد. 

حِفظُ الثروة الحيوانية

أضاف النشناش، في حديث مع "جسور بوست"، أن ملك المغرب، بصفته أميراً للمؤمنين، وجَّه أمس (الأربعاء) خطاباً إلى الأمة المغربية ينصح فيه بعدم ذبح أضحية العيد هذه السنة، لاعتبارات متعددة؛ أولها -بحسب النشناش- أن إمكانات المغرب في مجال إنتاج الأكباش لا تستطيع مواجهة الطلب في البلاد، ما يفرض إدخال ما يقرب من نصف الحاجيات من الدول الأجنبية، ودفع الثمن من الخزينة العامة للدولة بالعملة الصعبة، في ظل الظروف الحالية التي يمر منها المغرب، المتمثلة -وفقَهُ- في الجفاف و"الصعوبات في العلاقات الدولية في الميدان الاقتصادي".

وتابع النشناش أنه إذا توقف المغاربة، كما نصحهم ملك المغرب، عن استهلاك الأكباش في عيد الأضحى هذه السنة، فإن هذا سيحفظ الثروة الحيوانية للمغرب من جهة، وسيمكن من اقتصاد العملة الصعبة، التي كانت ستُشترى بها الأكباش من دول أجنبية، من جهة ثانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية