بين الطوارئ والتجنيد الإجباري.. سياسات أوكرانيا تعمق الانتهاكات الحقوقية وتضاعف الخسائر
بعد أكثر من 3 سنوات من الحرب مع روسيا
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية قبل أكثر من ثلاث سنوات، يدفع المواطنون ثمناً باهظاً بسبب قرارات سياسية شملت الأحكام العرفية، والتجنيد الإجباري، وفرض قيود على الإعلام والأحزاب، وتأميم الشركات، إضافة إلى تداعيات الغزو الروسي اقتصادياً واجتماعياً، وفي ظل ذلك، تواجه أوكرانيا انتقادات حقوقية دولية، في حين تكثّف الولايات المتحدة جهودها لإنهاء النزاع.
وفي فبراير 2024، مدّد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الأحكام العرفية والتعبئة العامة حتى مايو المقبل، وسط تقارير عن ملاحقة 500 ألف مواطن بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية، وفي مايو من العام نفسه، خفضت كييف سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً، وسط ضغوط أمريكية لدفعه إلى 18 عاماً بسبب نقص الأفراد، إذ أشارت تقارير إلى تصاعد عمليات التجنيد الإجباري التي طالت الجامعات ومحطات النقل وحتى المنازل.
على الصعيد السياسي، وسّعت أوكرانيا عام 2022 قائمة أسباب حظر الأحزاب السياسية، مستهدفة أي جهات تعد النزاع "حرباً أهلية" أو "نزاعاً داخلياً".
وفق بعثة الأمم المتحدة، أدى النزاع المستمر إلى تصاعد انتهاكات القانون الإنساني الدولي، حيث قتل 12,654 مدنياً وأصيب 29,392 آخرون منذ 2022، معظمهم في المناطق الخاضعة للحكومة الأوكرانية، كما أدى الاستخدام المكثف للأسلحة في المناطق السكنية إلى نزوح واسع وتعطيل الخدمات الأساسية.
بعد شهرين من الحرب، أعلنت كييف تأميم الممتلكات الروسية تعويضاً عن خسائرها، كما أقر زيلينسكي تشريعاً يسمح بإفلاس وتأميم البنوك التي يملكها أفراد خاضعون للعقوبات.
وسط هذه التحديات، يرى الخبراء أن إنهاء الحرب هو الحل الوحيد لإنقاذ أوكرانيا من أزماتها الحقوقية والإنسانية المتفاقمة.
وقف الحرب الحل الوحيد
وردت روسيا على قرارات أوكرانيا بإجراءات مماثلة، حيث أعلن حاكم سيفاستوبول، ميخائيل رازفوجايف، في 6 مارس عن تأميم ممتلكات قانونية وأفراد، بينهم أجانب متهمون بدعم كييف وتمويل الجيش الأوكراني.
وبحسب مفوضية اللاجئين، يحتاج 17.6 مليون أوكراني إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينهم أكثر من 5 ملايين نازح داخلياً، كما سُجّل أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني في أوروبا، منهم 4.8 مليون في برامج حماية مؤقتة. وفي الولايات المتحدة، هدد الرئيس دونالد ترامب بترحيل 240 ألف لاجئ أوكراني، وفق "رويترز".
ويرى الدكتور رامي القليوبي، أستاذ الاستشراق بموسكو، أن قرارات كييف منذ اندلاع الحرب أضعفت التعددية السياسية، حيث كانت الأحزاب سابقاً تعلن ولاءها لروسيا علناً، كما أن التجنيد الإجباري وحظر سفر الذكور أديا إلى تفشي الفساد في أوكرانيا، والهجرة غير الشرعية، وهروب المراهقين، ما يهدد بآثار اجتماعية ممتدة لعقود.
وتؤكد الخبيرة في العلاقات الأوروبية، الدكتورة جيهان جادو، أن كييف فرضت سياسات حدت من الحريات وحرية التعبير، في حين أدى التجنيد الإجباري وحظر الأحزاب الموالية لروسيا إلى تداعيات خطرة.
وتشير إلى أن واشنطن لم تعد تتفق مع سياسات كييف وتميل إلى اتفاق مع موسكو، مؤكدة أن وقف الحرب هو الحل الوحيد لإنهاء التوترات والخسائر، ليس فقط لأوكرانيا وروسيا، بل للمنطقة بأكملها.
حكم تعددي
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، أن قرارات أوكرانيا منذ عام 2022، مثل فرض الأحكام العرفية والتجنيد الإجباري وحظر بعض الأحزاب وتقييد الإعلام، تعكس التحديات التي تواجهها الدول خلال الأزمات الكبرى، حيث تصبح الموازنة بين الأمن القومي والديمقراطية اختباراً جوهرياً للدولة الحديثة.
ويشير بريجع في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن هذه الإجراءات ليست خاصة بأوكرانيا وحدها، إذ إن القرارات الاستثنائية المتخذة خلال الحروب تترك آثاراً دائمة على هيكل الحكم والثقافة السياسية. ويطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت أوكرانيا ستتمكن بعد الحرب من استعادة نموذج حكم تعددي، أم أنها ستتجه نحو مركزية سياسية وتشديد أمني دائم.
ويؤكد بريجع أن التجنيد الإجباري واستنزاف الموارد البشرية أثّرا على سوق العمل، ما يستدعي سياسات لإعادة دمج المسرّحين في المجتمع وضمان استقرار اقتصادي مستدام، كما يرى أن قرارات مثل تأميم الشركات وفرض قيود على التجارة لم تكن مجرد إجراءات داخلية، بل تعكس محاولة لدمج أوكرانيا في المنظومة الاقتصادية الغربية وعزلها عن روسيا، وهو ما أدى إلى زيادة الأعباء على المواطنين وإضعاف القطاعات الصناعية والزراعية التي كانت تعتمد على الأسواق الروسية.
وأضاف: "تقييد الحريات السياسية والإعلامية في أوكرانيا جاء ضمن ضغوط غربية دفعت البلاد إلى اتخاذ نهج متشدد ضد كل ما يرتبط بروسيا، مثل إلغاء دور اللغة الروسية وحظر الأحزاب المعارضة، ما عزز الطابع القومي المتطرف وأسهم في استمرار التصعيد بدلاً من فتح قنوات للحوار".
كما يرى أن التداعيات الاقتصادية للحرب لم تقتصر على أوكرانيا، بل امتدت إلى أوروبا، حيث أثّرت العقوبات المفروضة في روسيا وارتفاع تكاليف الطاقة على الاقتصاد الأوروبي، ما يثير تساؤلات حول قدرة الغرب على تحمّل كلفة دعم أوكرانيا على المدى الطويل.
فشل النظام الدولي
يؤكد الخبير في الشؤون الأوروبية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، أن التجنيد الإجباري المتواصل واستدعاء المزيد من الجنود يعكسان استنزافًا كبيرًا للقدرات البشرية الأوكرانية، ما يثير تساؤلات حول استدامة هذه الاستراتيجية.
وتشير التقارير إلى تزايد حالات الفرار من الخدمة العسكرية ورفض التجنيد، ما يعكس أزمة مجتمعية تجاه استمرار الحرب، كما أن الاعتماد المتزايد على الأسلحة الغربية والطائرات المسيّرة لم يغيّر ميزان القوى جذرياً، بل أدى إلى تصعيد خطر، خاصة مع تكثيف الضربات داخل الأراضي الروسية، ما يهدد بتوسيع نطاق النزاع وتعقيد الحل السياسي.
وأسفر التدفق الكبير للأوكرانيين إلى أوروبا عن مشكلات اجتماعية واقتصادية في الدول المضيفة، حيث تصاعدت النزعات القومية وتنامت التوجهات المناهضة للهجرة، ما قد يؤثر مستقبلاً على السياسات الداخلية الأوروبية. وعلى الجانب الآخر، قد تتحول الهجرة المؤقتة إلى دائمة، ما سيغير التركيبة السكانية لأوكرانيا ويؤثر في مستقبلها بعد الحرب.
ويرى بريجع أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن فشل النظام الدولي في احتواء النزاعات، حيث لم تحقق الدبلوماسية الغربية تقدماً في وقف التصعيد، بل دفعت كييف نحو مزيد من التشدد، ما زاد الأزمة تعقيدًا وأضعف فرص الحل السياسي.
وبحسب بريجع، فإن الموقف الروسي يرى أن إنهاء الحرب يتطلب الاعتراف بالحقائق الجيوسياسية وإدراك أن الأمن الأوروبي لا يمكن تحقيقه بسياسة احتواء روسيا، بل من خلال بناء نظام أمني جماعي يأخذ مصالحها في الاعتبار.
ويختتم بريجع بأن وقف الحرب ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لاستقرار أوروبا والعالم، مشددًا على أهمية التوصل إلى حل سياسي قائم على ضمانات أمنية متبادلة، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تطيل أمد النزاع وتحول أوكرانيا إلى ساحة دائمة للصراع بين الشرق والغرب.