«الغارديان»: 84 مليار دولار تعويضات لشركات الوقود الأحفوري من الحكومات

«الغارديان»: 84 مليار دولار تعويضات لشركات الوقود الأحفوري من الحكومات
شركات الوقود الأحفوري

 

كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية أن حكومات حول العالم دفعت نحو 84 مليار دولار تعويضات لشركات الوقود الأحفوري في إطار آلية تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول (ISDS)، وهو نظام يسمح للشركات بمقاضاة الحكومات في محاكم تحكيم خاصة. 

وأوضحت "الغارديان" في تقرير لها، الخميس، أنه وبشكل عام، بلغ إجمالي التعويضات المدفوعة لمستثمرين في مختلف القطاعات منذ عام 1976 أكثر من 120 مليار دولار، مع وصول متوسط التعويضات لمطالبات الوقود الأحفوري إلى 1.2 مليار دولار.

الضغط على الدول للتراجع عن سياساتها البيئية

وذكرت أن هذا النظام أدى إلى إجبار بعض الدول على التراجع عن سياساتها المناخية أو تعديلها خشية التعرض لدعاوى قضائية مكلفة، وأفاد تقرير الأمم المتحدة لعام 2023 بأن حكومات الدنمارك، ونيوزيلندا، وفرنسا، اضطرت إلى تقليص سياساتها البيئية تحت وطأة التهديد بالمقاضاة، في حين أبطأت إسبانيا تحولها عن الوقود الأحفوري؛ خوفًا من الدعاوى القضائية التي قد ترفعها الشركات المتضررة، ووصف التقرير هذا التهديد بأنه "عائق رئيسي" أمام الجهود الدولية لمعالجة أزمة المناخ.

وفي هذا السياق، صرحت الرئيسة الأيرلندية السابقة ماري روبنسون في مارس الماضي بأن عدد الدعاوى التي رفعتها شركات الوقود الأحفوري على الحكومات في ازدياد، حيث تستهدف هذه الشركات الحصول على تعويضات ضخمة من الدول التي تحاول الحد من الانبعاثات الكربونية وحماية البيئة.

شركات النفط تتربح على حساب البيئة

أكد وزير المناخ الدنماركي السابق دان يورغنسن، أن بلاده كانت تنوي إنهاء استكشاف الوقود الأحفوري بحلول عام 2030 أو 2040، لكنها اضطرت إلى تأجيل هذا القرار حتى عام 2050 بسبب مخاوف من دفع تعويضات باهظة للشركات المتضررة، ما كان سيشكل عبئًا هائلًا على الميزانية الحكومية.

وأشارت "الغارديان" إلى أن من بين أكثر من 1400 قضية تم تحليلها ضمن نظام تسوية المنازعات، تشكل الدعاوى المتعلقة بالوقود الأحفوري تهديدًا مباشرًا للقرارات البيئية، ففي عام 2015، أجبرت الحكومة الإكوادورية على دفع 1.1 مليار دولار لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، وهو مبلغ كبير مقارنة بميزانية البلاد التي بلغت 29.8 مليار دولار في العام التالي، كما تواجه الإكوادور 11 دعوى قضائية أخرى، إحداها تطالب بتعويضات تعادل 30% من ناتجها المحلي الإجمالي.

اتفاقية باريس في مواجهة التحكيم الدولي

يرى الخبير القانوني توبي لاندو، المتخصص في التحكيم الدولي، أن اتفاقية باريس للمناخ التي تدعو إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري تتعارض مع نظام تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول، الذي يوفر ضمانات للمستثمرين حتى لو كانت استثماراتهم في الطاقة الملوثة، وأكد أن هذا النظام القانوني قد يؤدي إلى مطالبات مالية جسيمة ضد الدول التي تسعى إلى التحول نحو الطاقة النظيفة.

وفي مثال آخر، رفعت مستثمرون دوليون دعاوى قضائية تطالب هندوراس بتعويضات تبلغ 18 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لدولة تعاني معدلات فقر مرتفعة وميزانيات حكومية محدودة.

الانسحاب من النظام التحكيمي لحماية السياسات البيئية

أمام هذا التحدي، لجأت بعض الدول إلى الانسحاب من معاهدات تسوية النزاعات. ففي 2013، انسحبت جنوب إفريقيا من عدد من الاتفاقيات التي تسمح للمستثمرين بمقاضاة الحكومة، وذلك بعد أن وجدت أن هذه الآلية تشكل خطرًا على التشريعات الوطنية المتعلقة بالتحول الأخضر.

ويرى وزير التجارة والصناعة الجنوب أفريقي السابق روب ديفيس أن شركات الوقود الأحفوري أصبحت تستخدم هذه الآلية كأداة لإحباط أي تنظيمات حكومية تهدف إلى الحد من استخدام الوقود الأحفوري، وهو ما يؤثر بشكل خاص في الدول النامية.

بين دعم الاستثمارات وحماية البيئة

تم إنشاء آلية تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول في ستينيات القرن الماضي برعاية البنك الدولي، بهدف حماية استثمارات الشركات من قرارات حكومية تعسفية مثل المصادرة أو التمييز، غير أن هذا النظام تحول مع مرور الوقت إلى أداة تستخدمها الشركات لمقاضاة الحكومات، حتى في القضايا المتعلقة بحماية البيئة والصحة العامة.

وتؤكد الخبيرة البيئية كايلا تيينهارا من جامعة كوينز في كندا، أن الدول باتت تتردد في اتخاذ سياسات بيئية جريئة بسبب التكاليف الباهظة لنظام التحكيم، مشيرة إلى أن بعض الحكومات لا تملك حتى التمويل اللازم للدفاع عن نفسها أمام هذه الدعاوى.

نظام يحتاج إلى إصلاح

مع تصاعد الدعوات لإصلاح نظام تسوية المنازعات، حذرت الأمم المتحدة، ومجلس أوروبا، والبرلمان الأوروبي من الآثار السلبية لهذا النظام على العمل المناخي، داعين إلى إيجاد توازن بين حماية الاستثمارات الأجنبية وتمكين الحكومات من اتخاذ قرارات تصب في مصلحة البيئة والمجتمعات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية