إستونيا تحذر: رفع العقوبات «مكافأة لبوتين» على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين
إستونيا تحذر: رفع العقوبات «مكافأة لبوتين» على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين
حذّر وزير خارجية إستونيا، مارغوس تساهكنا، من أن رفع العقوبات المفروضة على الأصول الروسية المُجمّدة سيُلحق أضرارًا مباشرة بدافعي الضرائب الأوروبيين، ويُضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا ماليًا.
واتهم تساهكنا في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز"، اليوم الأحد، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بالسعي لإفشال جهود الاتحاد الأوروبي في مواصلة الضغط الاقتصادي على موسكو، من خلال التهديد بعدم تجديد العقوبات الحالية التي تنتهي صلاحيتها بنهاية يوليو المقبل.
أوضح تساهكنا، أن أصولًا روسية بقيمة 210 مليارات يورو، مجمدة حاليًا ضمن حزمة من العقوبات الغربية، تُستخدم كضمانات لقروض مالية قدمتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.
وشدد على أن فك التجميد سيُفقد هذه القروض ضمانها المالي، ويُنقل عبء التمويل إلى الخزائن العامة للدول الأوروبية والولايات المتحدة.
فقدان الضمانات المالية لقروض أوكرانيا
أشار الوزير إلى أن مجموعة السبع، التي تضم الولايات المتحدة وكندا واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، تعاونت العام الماضي مع الاتحاد الأوروبي في استخدام أرباح استثمارية ناتجة عن نحو 260 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة حول العالم، من أجل تمويل قرض بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا.
وأوضح أنه في حال رفع التجميد، ستتحمّل أوروبا والولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن 20 مليار يورو من هذا القرض، في حين تُوزَّع المبالغ المتبقية على باقي أعضاء المجموعة.
وانتقد تساهكنا احتمال تراجع الاتحاد الأوروبي عن تجديد العقوبات، قائلاً: "إذا رُفعت العقوبات، فستُسلَّم أصول البنك المركزي الروسي مباشرة إلى فلاديمير بوتين كمكافأة"، محذرًا من أن مثل هذا القرار سيكون له تبعات سياسية ومالية جسيمة.
الاتحاد الأوروبي يبحث عن بدائل
كشفت مصادر أوروبية عن أن المفوضية الأوروبية تدرس خيارات بديلة في حال فشل تمديد العقوبات، إلا أن العديد من السبل القانونية المتاحة تبدو محفوفة بالأخطار.
وأكد تساهكنا أهمية بناء "تحالف من الراغبين" يضم دول مجموعة السبع إلى جانب دول مثل النرويج، لضمان استمرار تجميد هذه الأصول.
ودعا إلى المضي قدمًا نحو مصادرة الأصول الروسية بشكل كامل، معتبرًا هذا الإجراء "أوضح وأكثر منطقية" من الاستمرار في فرض العقوبات فقط، لكن هذا المقترح قوبل برفض من بعض دول الاتحاد الأوروبي، خصوصًا بلجيكا، التي تحتفظ بنحو 190 مليار يورو من الأصول المجمدة من خلال بنك "يوروكلير"، وهو وسيط مالي مركزي مقره بروكسل.
بلجيكا ترفض المصادرة
أعلن وزير الميزانية البلجيكي، فينسنت فان بيتيغيم، تمسك بلاده بموقفها الرافض لمصادرة الأصول الروسية، معتبرًا أن هذه الخطوة تُعرّض بلجيكا لخطر الدعاوى القانونية، وقد تُقوّض الثقة الدولية في اليورو كمخزن للقيمة.
ودعا إلى إبقاء الأصول مجمدة لاستخدامها ورقة ضغط خلال مفاوضات السلام المستقبلية مع روسيا.
ورغم تعاطفه مع المخاوف البلجيكية، أكد تساهكنا أن التعامل مع هذه القضية لا يمكن أن يتم بشكل منفرد، بل يجب أن يكون قرارًا جماعيًا تتخذه مجموعة الدول السبع مجتمعة.
وقال: "ندرك تعقيد الموقف، لكن لا يجوز ترك بلجيكا وحدها في هذه المعركة القانونية والسياسية".
أوربان تحت الضغط والتفاوض مستمر
لفت تساهكنا إلى أن المحادثات مع المجر يجب أن تستمر، مشيرًا إلى أن بودابست تعتمد بشكل كبير على الأموال الأوروبية، الأمر الذي قد يمنح بروكسل بعض أدوات الضغط.
وقال: "ندرك تمامًا أن الحكومة المجرية تعاني صعوبات اقتصادية، ويمكن البناء على ذلك في الحوار السياسي".
وفي الوقت ذاته، أكد الوزير الإستوني أن روسيا تبذل جهودًا للالتفاف على العقوبات، من خلال محاولات غير مباشرة لتسييل جزء من أصولها المجمدة وبيعها لمستثمرين، على أمل استعادتها في حال رفع التجميد مستقبلاً.
ووصف هذه المحاولات بأنها "غير واقعية"، مضيفًا أن الأصول ليست في متناول موسكو، بل هي محتجزة لدى مؤسسات أوروبية تخضع لرقابة قانونية صارمة.
مصير العقوبات مرتبط بمفاوضات السلام
اختتم تساهكنا حديثه بالتأكيد على أن مستقبل هذه الأصول والعقوبات المفروضة على روسيا سيظل مرهونًا بنتائج المفاوضات الدولية بشأن الحرب في أوكرانيا، ولا سيما تلك التي ترعاها الولايات المتحدة.
وأشار إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ألمح إلى منح روسيا مهلة حتى نهاية أبريل قبل اتخاذ قرارات حاسمة، ما يُضفي بُعدًا زمنيًا إضافيًا على التوتر السياسي المرتبط بهذا الملف المعقد.
الحرب الروسية الأوكرانية
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، عندما شنت روسيا غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا، في تصعيد غير مسبوق للنزاع الذي بدأ فعلياً عام 2014 عقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم ودعمها لانفصاليين في شرق أوكرانيا.
بررت موسكو الغزو بالحاجة إلى "نزع سلاح أوكرانيا" و"منع تهديدات الناتو"، وادعت الدفاع عن السكان الناطقين بالروسية في دونباس، وهي ذرائع رفضتها كييف والمجتمع الدولي، وعدّتها ستاراً لأطماع توسعية.
أدان الغرب الغزو على نطاق واسع، وفرض حِزمًا غير مسبوقة من العقوبات على روسيا، مع دعم أوكرانيا بالسلاح والمال والمساعدات الإنسانية، دون تدخل مباشر في القتال.
شهدت الحرب مراحل مختلفة من التقدم والتراجع لكلا الجانبين، إذ تمكنت أوكرانيا في عدة هجمات مضادة من استعادة أجزاء من أراضيها، فيما واصلت روسيا استهداف البنية التحتية المدنية، وقد طال أمد الحرب ودخلت حالة من الجمود النسبي في بعض الجبهات.
أدت الحرب إلى أزمة إنسانية كبيرة، إذ شردت الملايين وأثرت في إمدادات الغذاء والطاقة عالميًا، كما فاقمت من حدة الاستقطاب الجيوسياسي، وأعادت تشكيل سياسات الأمن والدفاع في أوروبا والعالم.