طوني أبو عاقلة لـ«جسور بوست»: وفاة والدتي ومحاصرة «جنين» كانتا الأصعب على شيرين (1-2)
طوني أبو عاقلة لـ«جسور بوست»: وفاة والدتي ومحاصرة «جنين» كانتا الأصعب على شيرين (1-2)
يخترق الموت أجساداً مفعمة بالحياة، يأتي بسرعة فائقة فلا تلمحه قادمًا ولا تتوقع حضوره، ليترك ذكرى ساكنة في الأعماق والوجدان تتحول إلى أيقونة مصيرها الخلود.
تلك الكلمات تتجسد في شيرين أبوعاقلة، شهيدة الصحافة العربية التي كتبت الخبر الأخير بدمائها، وباتت واحدة من أبرز أيقونات وقصص النضال الفلسطيني.
وغيب الموت أبوعاقلة (51 عاما) في 11 مايو الجاري، جراء إصابتها برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال عملية في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
«جسور بوست» حاورت شقيقها طوني أبوعاقلة ليزيح الستار عن الوجه الآخر لشيرين الصحفية، وكيف كانت علاقتها بعائلتها، ومن أقرب الأشخاص إليها، وكيف كانت تقضي أوقات فراغها، وطقوسها في تخفيف الضغوط عنها وغيرها من الجوانب الشخصية.
فتح طوني لـ«جسور بوست» خزينة أسرار شيرين، الإنسانة والأخت والسند والمرشد الروحي، كيف كانت حياتها وسط صخب وضجيج أحداث لم تنضب سوى بكتابة السطر الأخير.
وإلى نص الحوار:
**شيرين أبوعاقلة أصبحت أيقونة عربية للصمود والنضال من أجل الحقيقة، والعالم العربي يشتاق لمعرفة تفاصيل حياتها اليومية وعلاقتها بعائلتها كيف كانت؟
شيرين أبوعاقلة كانت كل شيء في العائلة، هي الأم والعمة والأخت الحنون. باستمرار كانت تهتم بكل فرد في الأسرة، خاصة أثناء غيابي بسبب سفري المتواصل إلى خارج فلسطين، كانت العائلة تمثل لها كل شيء في حياتها، وكانت قريبة جداً من ابني نصري وابنتيَّ لينا ولارين، كانت لهما أخت وصديقة قبل أن تكون عمة.
شيرين هي القلب الحنون في العائلة، كانت قريبة جدًا من زوجتي ليزا، تعتبرها أختاً وصديقة، ولأنني معظم الوقت كنت مسافرًا، كانت هي التي تهتم بشؤون وتفاصيل احتياجات العائلة أكثر مني، ودائما ما تحضر معنا بقلبها وحبها.
كانت شيرين مغرمة بعملها كصحفية وتهتم به كثيرا، فقد كانت تستمتع بنقل الحقيقة رغم المأساة، التي كانت تنقلها أثناء تغطيتها للعدوان الهمجي الإسرائيلي على أبناء شعبها الفلسطيني، وقد كانت ملتزمة جدًا في عملها وتحبه كصحفية فلسطينية.

** هل كان لشيرين أبوعاقلة طقوس تمارسها قبل خروجها إلى العمل في الأوقات الصعبة، أو أحداث الاشتباكات الدامية؟ هل كانت تتواصل مع شخصيات بعينها أو توصي أحدًا بشيء على سبيل المثال؟
شيرين كانت تعتبر عملها مقدساً، تلزم به وتحبه بشكل كبير، ودائمًا كانت جاهزة وعندما يطلبونها كانت تستعد في وقت قصير جدا لتلبي الطلب في أي وقت، أذكر كثيرًا أننا كنا في تجمع عائلي نتناول الغداء أو العشاء، أو نقضي يوم عطلة، ويُطلب منها تغطية حدث ما، فتهب وتنطلق فورًا، وحقيبتها دائما جاهزة، تحوي قلمها ودفترها وهاتفها وكل ما تحتاج إليه في العمل، وفور التحرك تتواصل مع الشخصيات المسؤولة، فقد كانت معروفة للجميع، ولم يكن أحد يرفض التواصل معها، بالعكس كثير من الشخصيات السياسية من جميع الأطراف، كانت تحب التواصل مع شيرين لأنها كانت تتمتع بمصداقية كبيرة لدى الجميع.
كانت شيرين معروفة بأنها تنقل الحقائق كما هي دون زيادة أو نقصان، وعمرنا ما سمعنا أن شيرين احتكت بأحد أو كان لها مشكلة مع أحد، بالعكس كانت دائما هي التي تحل مشكلات الجميع، وفي غياب زملائها كانت دائمًا موجودة لتغطية الأحداث، وكثيرًا ما غطت أحداث دامية وعنيفة وتعرضت للإصابة أكثر من مرة، لكن لم ترفض أبدا تلبية نداء العمل أو تتقاعس عن تغطية أي حدث في أي وقت وتحت أي ظروف.
وشيرين لم تكن لديها طقوس خاصة قبل تغطية الأحداث الملتهبة، فقط كانت تحرص على جاهزيتها والاستعداد للتحرك في أي وقت وبسرعة فائقة.
ولم يكن لديها أي أمور ترفيهية تفعلها قبل العمل أو بعده، المهم أن تكون جاهزة ومرتدية ملابس جيدة، تناسب العمل، في أوقات البرد مثلًا تحرص أن تكون معها ملابس ثقيلة، تحسبًا للتأخير، فكثيرًا ما كانت تضطر لأن تبيت ليلتها خارج المنزل من أجل ظروف العمل، وكانت عادة ما تبيت في أحد البيوت الفلسطينية أو في أماكن صعبة، كل ما كان يشغلها أن تؤدي عملها وأن تكون جاهزة له في أي وقت.
** ما أصعب الأوقات التي مرت عليها طيلة حياتها على الصعيدين الشخصي أو المهني؟
شيرين كانت شخصية قوية وتتحمل المصاعب بصبر، وتحملت أوقاتاً صعبة كثيرة، أتذكر أن أصعب الأوقات التي مرت عليها كانت وفاة والدتي، في البداية عندما عرفنا أن أمي مريضة وطوال فترة المرض ثم الوفاة، وبعد أمي توفي والدي، هذه كانت أصعب الأوقات التي مرت بها شيرين على المستوى العائلي والشخصي.
وعلى الصعيد المهني شيرين مرت بأوقات كثيرة صعبة في العمل على تغطية الأحداث، أعتقد أصعب مرة كانت أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2002، عندما حاصرت قوات الجيش الإسرائيلي مخيم جنين ودمروا مباني كثيرة فيه، شيرين كانت هي من يساعد في إنقاذ الناس من أهالي المخيم وكانت تبحث عن جثث القتلى تحت الأنقاض، فكانت هذه هي أصعب اللحظات التي مرت عليها على المستوى المهني.
وفي إبريل عام 2002، حاصرت عشرات الدبابات وآليات الجيش الإسرائيلي مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، والذي لا تتعدى مساحته نصف كيلومتر مربع، بالتزامن مع تصاعد حدة الانتفاضة الثانية.
**من كان أقرب شخص لشيرين أبوعاقلة ومن آخر شخص تواصلت معه شخصيا أو هاتفيا قبل الحادث؟
شيرين كانت قريبة جدًا من ابنتي لينا، كانت لها بمثابة أخت وأم وصديقة وكل شيء جميل في الحياة، وكانتا قريبتين من بعضهما جدا، تقضيان معا معظم الوقت، وكانت شيرين تساعد لينا في كل شيء في حياتها، ساعدتها في الحصول على شهادات كثيرة لتكمل تعليمها وتدرس بأفضل الجامعات وتحضر الماجستير.
ولينا ابنتي تشبه عمتها شيرين في أشياء كثيرة، لذلك كانتا دائما قريبتين جدًا من بعضهما ومتفاهمتين.
ولأن لينا كانت على تواصل دائم مع شيرين، فكانت هي آخر شخص في العائلة تواصلت معه قبل الحادث المأساوي، أيضًا شيرين كانت تحرص على تواصل يومي مع زوجتي ليزا وابنتي لارين، لكن الوضع مع لينا كان أكثر حميمية وقرباً.
حاولت التواصل مع شيرين فور سماعي بخبر إصابتها، لكن لم يأتني رد منها، لم ترد لا على اتصالاتي ولا رسائلي، وكان خبر وفاتها صحيحًا.