طوني أبو عاقلة لـ«جسور بوست»: شيرين لم تتوقع نهايتها وكانت في وداع العائلة عشية مقتلها (2-2)

طوني أبو عاقلة لـ«جسور بوست»: شيرين لم تتوقع نهايتها وكانت في وداع العائلة عشية مقتلها (2-2)
شيرين أبو عاقلة

بنبرات صوت دافئة وحاسمة في الوقت ذاته باتت شيرين أبوعاقلة، عنوانا للحرب والسلام على مدى أكثر من 25 عاما، في الأراضي الفلسطينية، قبل أن يغيبها الموت برصاص الجيش الإسرائيلي.

حضورها الرصين والمؤثر على شاشة التلفاز طرق أبواب الشعوب العربية من مشارقها إلى مغاربها، ليوصل أنين الوجع الفلسطيني إلى آذان العالم.

في الحلقة الثانية من حوار "جسور بوست" مع طوني أبوعاقلة شقيق الصحفية الفلسطينية الراحلة شيرين، يتطرق فيها إلى طبيعة علاقاتها بالأسرى الفلسطينيين وأسر الضحايا، وأبرز سماتها الشخصية التي كانت تميل للتفاؤل، وتفاصيل الليلة الأخيرة في حياتها...

**ماذا كانت تفعل شيرين أبوعاقلة في أوقات فراغها، وماذا كانت أبرز تصرفاتها وهي تحت ضغط أو أمام تحديات؟ 

كانت شيرين أبوعاقلة تقضي معظم وقت فراغها مع الأصدقاء والعائلة، وكانت تحب الرياضة وتحرص على ممارستها يوميا، كما كانت تعشق تعلم لغات جديدة، وتحاول دائما أن تستفيد من وقتها في أمور إيجابية لأبعد الحدود. 

 

وهذه الممارسات التي كانت تحبها شيرين، كانت تخفف الضغوط عنها كثيرًا، فلم أتذكر أنني رأيتها يوما غاضبة من شيء أو في حالة عصبية، كانت دائمًا تسيطر على عواطفها وانفعالاتها، خاصة أثناء أداء العمل وتغطية الأحداث، وهذا ما ساعدها على التأقلم مع المتاعب والظروف الصعبة والضغوط التي كانت تعيشها، وما كان يواجهها من تحديات، فالفترة الكبيرة التي أمضتها شيرين في العمل الصحفي كونت لديها خبرة كافية في السيطرة على تصرفاتها وأعصابها.

 ** كيف كنتم كأسرة تتعاملون مع عملها وهي تغطي الأحداث تحت سيف القصف أو الاشتباكات؟

أثناء تغطية شيرين أبوعاقلة للأحداث يكون كل من في البيت في حالة قلق عليها، كنا نخاف عليها كثيرًا، وكان لا بد أن يكون هناك أحد منا على تواصل مستمر معها، ففي الأحداث التي مرت على جنين أو الخليل أو رام الله، التي تعرض فيها الفلسطينيون لاعتداءات من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، كنا قلقين جدًا عليها ونتواصل معها ونتصل بها هاتفيًا كل حين. 

لم نكن نستطيع السيطرة على قلقنا إلا عندما نراها على شاشات التلفزيون في بث مباشر، أو نراها تتحدث فنطمئن قليلًا، ولا نطمئن بشكل كامل إلا بعودتها إلى المنزل. 

** هل كانت شيرين أبوعاقلة تتوقع نهايتها على هذا النحو أو تردد هذا بين أفراد عائلتها أو المقربين لها أم كانت تستبعد ذلك؟

شيرين كانت متفائلة جدًا وتحب الحياة، ولا أعتقد أنها كانت تتوقع أن تكون نهايتها بهذا الشكل المأساوي وأن يتم اغتيالها بهذه الطريقة الهمجية، ودائما ما كانت حريصة جدا على حماية نفسها وحماية فريق العمل المرافق لها.

جميع شعوب العالم شاهدها كانت ترتدي سترة الصحافة والخوذة وتتحرك في منطقة مكشوفة بشكل يكشف أنها صحفية تقوم بعملها، وهذا إجراء كانت تتبعه دائمًا لحماية نفسها وزملائها في كل تغطية حرجة، وهو ما كان يريحنا نحن أهلها البعيدين عنها والقلقين عليها. 

ورغم أننا كنا نتابع كل الأحداث العنيفة التي تغطيها شيرين، عمرنا ما توقعنا أن تتعرض لهذا الحادث الأليم، ونحن متأكدون أن اغتيالها كان مقصودًا بإطلاق قناص الرصاص عليها في منطقة قاتلة.

شيرين كانت تحب عملها جدًا لكن تحرص على سلامتها خاصة في الأوقات الخطرة، وكانت تحقق نجاحات كبيرة وحصلت على الكثير من الأوسمة والنياشين لتغطية أحداث خطيرة بكل شجاعة، بعض هذه الأوسمة منحها رؤساء وقادة دول، منهم على سبيل المثال الراحلان علي عبدالله صالح، ومعمر القذافي.

** كيف كانت علاقة شيرين بالقضية الفلسطينية وذوي الأسرى الفلسطينيين وأسر الضحايا من أبناء بلادها؟ 

الشهيدة شيرين كانت قريبة جدًا من كل الفلسطينيين، خاصة أسر الأسرى والشهداء والضحايا، كل أهالي فلسطين كانت تعرفها، وهذا ما رأيته بنفسي عندما توجهت لموقع اغتيالها في جنين، كان الكل موجودا ويعزيني في وفاتها، بعضهم قال شيرين نامت في بيتي وبعضهم قال شيرين أكلت في بيتي، وأحد الفلسطينيين قال لي شيرين كانت تبحث معي عن ابني المفقود، الجميع قال إنها كانت تساعدهم في أمور كثيرة. 

كانت شيرين تحب فلسطين وكل أهلها، ودخلت كل بيت فلسطيني، سواء بشخصها أو عن طريق عملها في التلفزيون، فهي غطت كل أحداث فلسطين من أقصى الشمال لأقصى الجنوب، لا توجد منطقة في فلسطين إلا وشيرين لها خطوات على أرضها. 

وهذا ما رأيته يوم تشييع الجنازة، خرج المشيعون معنا من نابلس ورام الله والقدس وبيت لحم وكل مكان، وهذا أكبر دليل على محبة الناس لها، وعلى أنها كانت تحب فلسطين وقريبة من كل شعبها. 

** ما تفاصيل الليلة الأخيرة في حياة شيرين قبل تغطية أحداث اقتحام مخيم جنين؟

كانت شيرين قبل يوم واحد من مقتلها مجتمعة مع العائلة، واستمتعوا بيوم جميل، وتناولوا العشاء معًا، للأسف لم أكن موجودًا بسبب ظروف السفر، لكن كانت هي موجودة مع زوجتي وأولادي، واستمتعوا بوقتهم، وبعدها نزلت إلى جنين ونشرت مقطع فيديو تقول فيه إنها في الطريق إلى جنين.

عندما تحكي لي زوجتي تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة شيرين، أقول لها ربما كانت تودعكم بقضاء هذا الوقت معكم، ربما كانت تودع العائلة قبل أن ترحل عنا. 

ومن وقت الحادث، وكل من في البيت يتذكر ويحكي تفاصيل اليوم الأخير، نحاول أن نذكرها دائمًا ولا تغيب عنا لحظة واحدة. 

**كيف ترى تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المشيعين لجنازة الشهيدة شيرين أبوعاقلة في القدس؟ 

الشرطة الإسرائيلية كانت تتصرف بهمجية، لم تبدِ أي تعاطف أو احترام لكرامة الجثمان أو الجنازة والمشيعين الموجودين في المستشفى الفرنساوي لتشييع شيرين، كان من الواضح لنا أن جنود الجيش الإسرائيلي حضروا إلى المستشفى قبلنا بوقت كبير، وكانوا يغلقون الطرق التي تؤدي للمستشفى وهم مدججون بالسلاح، الجميع في العالم شاهدهم على شاشات التلفزيون يحملون القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع والأسلحة النارية والهراوات. 

اعتدوا علينا وضربونا بوحشية واعتدوا على حاملي النعش بكل همجية دون احترام لجثمان الفقيدة ولا للمشاركين في الجنازة ولا أي شيء، وهذا لا يدل على إجرام الاحتلال فقط، لكنه يؤكد أيضا أنهم كانوا يريدون تغطية جريمتهم. 

وأنا شقيقها لا يمكن أن أقبل أي سبب أو طريقة تبرر لي تصرف شرطة إسرائيل واعتداءها على الجنازة، ليس هناك ما يبرر هذه الهمجية ما حدث مخزٍ وعار على حكومة إسرائيل وأمام العالم كله.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية