“واشنطن بوست”: الكنيسة الكاثوليكية ترسم ملامح اقتصاد يتجاوز صراع اليمين واليسار
“واشنطن بوست”: الكنيسة الكاثوليكية ترسم ملامح اقتصاد يتجاوز صراع اليمين واليسار
جاء اختيار البابا الجديد لاسم "ليو الرابع عشر"، ليثير تكهنات حول نيته في التركيز على القضايا الاجتماعية والعدالة، وذلك على غرار البابا ليو الثالث عشر الذي كان معروفًا بتقديمه دعماً للعمال والطبقات المظلومة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الجمعة، كان البابا ليو الثالث عشر قد أطلق رسالته الشهيرة "ريروم نوفاروم" في عام 1891، التي تناولت "حقوق وواجبات رأس المال والعمل"، لتصبح مرجعًا مهمًا للكاثوليك التقدميين، ولغير الكاثوليك أيضًا الذين يسعون إلى تأكيد العدالة الاجتماعية.
ولا يمكن اختزال التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية في اقتصادات يسارية أو يمينية، فالتعاليم الكاثوليكية معقدة، وتعدّ مرنة بما يكفي في كافة الاتجاهات السياسية، تعدُّ أي محاولة لتبسيط هذه التعاليم إلى طرفي الصراع الاقتصادي محاولة غير دقيقة، ذلك أن الباباوات عبر العصور قد دعموا العدالة الاجتماعية مع الاحتفاظ بالحذر من التركيز المفرط على الدولة أو السوق.
الباباوات والثورة الصناعية
أيد البابا ليو الثالث عشر في رسالته "ريروم نوفاروم" إنشاء النقابات العمالية وأكد مسؤوليات أصحاب الأعمال تجاه موظفيهم، ومع ذلك، أدان الاشتراكية لأنها أدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية، كما حذر من تدخلات الحكومة في شؤون الأسرة والملكية الخاصة.
وأكد الباباوات الذين تبعوه ضرورة حماية المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والكنيسة من تدخل الدولة المفرط، حيث عدّت هذه التدخلات "شرًا جسيمًا".
وفي عام 1991، قدّم البابا يوحنا بولس الثاني نظرة جديدة للحرية الاقتصادية، مبرزًا الفوائد التي قد توفرها الأسواق الحرة، لكنه كان حذرًا من "الرأسمالية المتطرفة" التي قد تهمل مشكلات الفقر، وتثقل كاهل المجتمعات الضعيفة، وفي الوقت نفسه، أبدى قلقه من الأسواق التي تعتمد على نفسها بالكامل دون تدخل من الدولة.
انتقادات لأسواق المال
ومن جانب، قدم البابا فرنسيس انتقادات مشابهة لأسواق المال العالمية، لكنه أيضًا أوضح في عام 2023 أنه لا يرفض الرأسمالية بشكل مطلق، فقد أكد أن "إنتاج الثروة لمصلحة الجميع" يعد عملاً من أعمال العدالة الاجتماعية.
وشدد على أن الكنيسة لا ترفض الرأسمالية غير المنظمة بالكامل، بل تحذر من تجاوزات السوق التي تضر بالمجتمع، وأضاف أن النقد الذي يوجهه للأسواق لا يعني دعوة للانغلاق، بل هو تحذير ضد الخلل الذي قد تسببه أسواق غير منظمة.
وتدعو التعاليم الكاثوليكية إلى مساعدة المحتاجين، بما في ذلك المرضى والفقراء، ومع ذلك، فإن الكنيسة لا تفرض حلاً واحدًا أو نظامًا اقتصاديًا معينًا لمكافحة الفقر أو توفير الرعاية الصحية.
ففي هذا السياق، يمكن للكاثوليك وغيرهم مناقشة الخيارات المتاحة، مثل تقديم الرعاية الطبية للجميع أو تبني أسلوب أكثر مرونة في تقديم هذه الخدمات، وتشير الكنيسة إلى أن دور الدولة يجب أن يكون متوازنًا، وينبغي عدم فرض حلول مركزية يمكن أن تؤثر في استقلالية الأفراد أو المؤسسات.
لا تقديم لحلول جاهزة
في النهاية، لا تحاول التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية تقديم حلول جاهزة لكل مشكلة اجتماعية أو اقتصادية، لكنها تحث على طرح الأسئلة الصحيحة، ينبغي على المؤمنين بالكنيسة أن يتأملوا في هذه التعاليم، وأن يسعوا لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التوازن بين احترام الملكية الخاصة وضرورة التدخل الاجتماعي في القضايا الإنسانية.
ويبقى الأمل في أن البابا ليو الرابع عشر قد يُجدد هذه التقاليد الفكرية الاجتماعية الكاثوليكية، ويسعى لإكمال الدور الذي بدأه سابقيه في تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الضعيفة دون الانحياز التام لأي جانب سياسي.