"الغارديان": سلوفينيا تشهد معركة ثقافية واستفتاء حول معاشات التقاعد للفنانين
"الغارديان": سلوفينيا تشهد معركة ثقافية واستفتاء حول معاشات التقاعد للفنانين
تخوض سلوفينيا هذه الأيام واحدة من أكثر معاركها الثقافية احتدامًا منذ استقلالها، حيث تحوّل نقاش تقني حول معاشات تقاعدية لفنانين حائزين جوائز إلى استفتاء وطني حاد، تتواجه فيه النخبة الثقافية والتقدمية مع تيار شعبوي محافظ يرى في المشروع "هدية للنخب على حساب الشعب" وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
يهدف الاستفتاء، المقرر غد الأحد، إلى إقرار قانون أعدّته حكومة يسارية وسطية يُحدّث أحكام معاشات التقاعد للفنانين البارزين، من خلال معايير أكثر صرامة وتقييدًا لما يُعرف بـ"المعاشات التقاعدية الخاصة" في سلوفينيا، لكن المعارضة اليمينية بقيادة الحزب الديمقراطي السلوفيني (SDS) اختارت تحويل المسألة إلى منصة هجومية ضد ما تصفه بـ"الفن المنحط".
صور استفزازية
الجدل اشتعل بعد أن استخدم أنصار حزب SDS في سلوفينيا صورة للفنانة مايا سمريكار ترضع فيها جروًا على ملصقات دعائية تملأ المدن، متهمةً النخب الثقافية بـ"الانفصال عن الشعب"، وبالسعي لنيل الامتيازات على حساب دافعي الضرائب.
الصورة المأخوذة من مشروعها الحائز جوائز دولية K-9 Topology، والذي يتناول العلاقة الرمزية والعاطفية بين البشر والكلاب، أُخرجت من سياقها الفني وتم تسويقها كرمز لـ"الانحطاط الثقافي"، على حد وصف الحزب المعارض، الكلمة المستخدمة في الحملة الدعائية، izrojen، تعيد للأذهان مصطلح entartete Kunst الذي استخدمه النازيون لوصف الفن الحديث.
وقالت سمريكار لصحيفة "الغارديان":"عندما تُقرر السياسة ما هو فنٌ وما هو ليس كذلك، تنهار الديمقراطية".
قانون قديم وصراع جديد
مشروع القانون الذي تسعى الحكومة لتمريره يُعيد تنظيم نظام تم إنشاؤه في 1974، حين كانت سلوفينيا جمهورية ضمن يوغوسلافيا، وكان يمنح معاشات خاصة لفنانين "ذوي جدارة وطنية"، بل ويتيح لذويهم وراثة تلك المعاشات.
القانون الجديد، الذي صاغته وزيرة الثقافة أستا فريتشكو من حزب اليسار، يلغي نظام الوراثة ويُحجّم نطاق الاستحقاق، لكن بناءً على معايير موضوعية ومهنية، فمثلًا، جمع الجوائز مثل "غولدن نيكا" أو "جائزة بريشيرن" يمكن أن يُؤهل الفنان للحصول على 50% من الفرق بين معاشه الحالي وأعلى معاش تقاعدي بعد خدمة 40 عامًا.
لكن حزب SDS، بقيادة رئيس الوزراء السابق يانيز يانشا، يعتبر القانون محاولة "نخبوية" لإعطاء أموال الدولة لفنانين "لم يسهموا في صندوق التقاعد"، وفي تصريح صريح، قال الحزب: "في وقت يعيش فيه أكثر من نصف المتقاعدين تحت خط الفقر، من غير المقبول منح امتيازات لأشخاص لا يُنتجون إلا أعمالًا مثيرة للجدل".
ساحة معركة رمزية
بحسب قوانين الاستفتاء، فإن رفض القانون يتطلب تصويت 20% من الناخبين المسجلين بـ"لا"، بالإضافة إلى أن تكون الأصوات الرافضة أكثر من 50% من المشاركين، وقدّرت لجنة الانتخابات تكلفة تنظيم الاستفتاء بـ6.6 مليون يورو.
بينما حث رئيس الوزراء روبرت غولوب الناخبين على مقاطعة التصويت، معتبرًا الاستفتاء "أداة انتخابية لحملة يمينية مكلفة"، وجّهت المعارضة اتهامات له بـ"الهروب من المواجهة الديمقراطية".
المواجهة في سلوفينيا تعكس صراعًا أوسع في أوروبا الوسطى والشرقية بين قيم التعددية الثقافية والليبرالية من جهة، وبين الشعبوية اليمينية والنزعات القومية المحافظة من جهة أخرى، فبينما انتخبت سلوفينيا في 2022 حكومة وسط-يسار مفاجئة كسرت الاتجاه الإقليمي نحو حكم يميني (على غرار المجر وصربيا)، يبدو أن الشعبويين وجدوا في "الذوق الفني" ساحة جديدة لتعبئة الجماهير.
في النهاية، لا يتمحور الاستفتاء حول المال فقط، بل حول من يُقرر ماهية "القيمة الوطنية"، وما إذا كانت الدولة تحتضن التعبير الفني المستقل، أو تُعيد تعريفه وفقًا لقيم أيديولوجية مهيمنة.
سواء رُفض القانون أو أُقر، فإن الاستفتاء كشف عن شرخ ثقافي عميق في سلوفينيا، بين من يعد الفن مساحة للحرية والتجريب، ومن يراه تهديدًا لهوية الأمة.